غسان الرفاعي:الغربة وطناً
لم تفاجئنا، يا أبا شريف، برحيلك الذي تأخر بمسافة مليون قذيفة ومليون صاروخ ومليارات الرصاصات التي نخرت جسد سوريا ودمرت بنيانها وأحرقت مستقبل أبنائها الذين صار الأحياء منهم لاجئين، بنسائهم والأطفال، بالدور الخطير والذكريات الندية عن وطن تمزقت خريطته وتهاوت دولته التي كانت تتباهى بمناعتها وصمودها الأسطوري.
ليس خبراً اعلان وفاتك. لقد غادرتنا مع أول رصاصة أطلقت تهوراً على روح سوريا ومستقبلها. الغريب انك استطعت، بسبب من روحك المشعة، ان تصمد لسنتين مثقلتين بالأخطاء قبل الضحايا وبالانحرافات قبل الدمار الثقيل.
غسان الرفاعي: أيها الكاتب بروحك قبل قلمك، بثقافتك العريضة قبل رأيك، بمرحك الذي تخفي السخرية فيه عمق الوجع الذي عشته دهراً، وحين ابتعدت صحبك إلى باريس التي تعرفها، بلغتها وثقافتها وفجورها وضياء مدنيتها أكثر من أهلها... ولكن حنينك إلى الشام التي حملتها بعراقتها معك، وإلى جانبها حمص الولاَّدة، وإدلب التعليم، وحلب الثقافة والفن، ظل هو الطاغي على تفكيرك وأحاديثك وحبر الكتابة الذي دبجت به مقالاتك التي تفضح بالسخرية عمق الوجع الذي أصاب روحك في «منفاك» الفخم.
ليس أقسى من الحياة في الغربة إلا الموت فيها... ولقد عانيت في الموقعين، وعانت معك أسرتك التي رفضت ان تخلع جلدها، والتي ظلت بروحها في موطنها، لا تغادره ولا يغادرها.
أيها الإنسان الذي ظل أقوى من وجعه، واستمر يحمل وطنه في قلبه وروحه وفوق سن قلمه، وفي كل كلمة كتبها أو نطق بها: نكاد نحسدك على رحيلك قبل أن تشهد اكتمال الكارثة الوطنية ـ العظمى، التي تستنزفنا فصولها الدموية الرهيبة، وتجعل الموت خياراً مرغوباً، هرباً من نهاياتها المفجعة التي تنذر باضمحلال الأمة وسقوط رايات النضال الطويل من أجل غدها الأفضل.
غسان الرفاعي: برغم كل شيء لن نتنكر لوجوهنا وعيون أبنائنا والأطفال، لن نخجل من هوياتنا وسمرة البشرة، وسنظل نشد على راية العروبة حتى آخر نفس.
إلى اللقاء، يا أبا شريف... يعز عليّ انني لم أسمع ضحكتك المميزة حين جاءك ملاك الموت. ولعلك سألته مداعباً: لماذا تأخرت؟!
خالص العزاء للدكتورة ـ الرائدة أم شريف، ولهالة وشريف ووسيم وسائر أفراد الأسرتين: العائلة وكل من قرأ فانتشى وزاد إيماناً بأرضه.
طلال سلمان
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد