عن جريمة التكفيريين ومسؤولية أسيادهم والعبيد
تعتمل في الشارع المسيحي مروحة من المشاعر حيال ما يستهدف المسيحيين ـــ والإنسان ـــ في سوريا. فيها الغضب والثورة والحزن والأسى والتعاطف والتضامن والخوف والقلق والرعب والذعر من مشاهد الدم ومستقبل العدم وتجارب القريب في الجغرافيا والبعيد في التاريخ. وفيها خصوصاً خصوصاً، الإحساس بالعجز.
والعجز المسيحي هنا مثلث. فهو أولاً عجز من يصرخ من بينهم، وينتفض ويرفع الصوت ويطالب ويدعو ويتوجه بالكلام ويناشد شرعية دولية... ولا نتيجة. وهو ثانياً ـــ والأسوأ ـــ عجز من يسكت أو يبرر أو يستمتع بذميته السياسية المستجدة، التي بات أجيرها وأسيرها وعبد رواتبها ورتبها الذليلة، يعيشها عبر حالة من الإنكار: لا تكفيريين هناك، ولا استهداف ولا قتل ولا خطف ولا أسر... ولا جديد تحت شمس الحقيقة ولو مقلوبة مثل وجوههم، إلا بما تقتضيه ضرورة الفجور والحقد والعهر السياسي. حتى إن شريطاً مذلاً مهيناً معيباً، يظهر تكفيرياً وهو يخاطب راهبة أسيرة لديه بمفردة «يا حجة». لا لأن كلمة «حجة» إساءة، بل لأن التكفيري الخاطف الإرهابي الجبان، يرفض الاعتراف للراهبة الأسيرة المخطوفة بدينها ولا بإيمانها ولا بكنيستها ولا بإلهها ولا بصليبها... ولا بالتالي بكونها راهبة، خطيبة يسوع كما يقول عنها التقليد الكنسي... يصير شريط كهذا مادة تبرير وتفسير وتبرئة وتنصّل على مواقع الذميين الجدد...
ويبقى العجز الثالث هو عجز العالم. والعالم هنا ليس كلمة مجازية، وليس تعميماً ولا تعمية. بل هو عجز تلك الجهات الإقليمية والدولية والغربية خصوصاً، التي تبنّت أولئك المسلحين ورعتهم وبشّرت بثورتهم وديمقراطيتهم وحداثتهم وعصرنتهم، وجعلت سوريا والسوريين وجيرانهم والعالم يسكتون عن مئة ألف قتيل، أملاً ـــ قال ـــ بالحريات المطلقة الآتية على أكف «غاندييهم»، والواصلة حتى على مِدى خناجر ذبحهم وفؤوس حزهم ونصال ضربهم للأعناق والرؤوس... إنها مسؤولية كل عضو في ما يسمى جامعة الدول العربية، تلك الهيئة المسخرة التي أقرّت التخلي عن فلسطين، تحت عنوان تبادل الأراضي، وبذريعة السلام مع أبطال دير ياسين، ومن ثم أعطت مقعد سوريا وموقع سوريا لسفاحي البشر في الرقة ومعلولا وصيدنايا وحلب وإدلب. إنها مسؤولية كل من أوصل مسلحاً إرهابياً من تلك الآلاف التي ذهب ذلك الأمير الصغير ليبيع ورقة إبادتهم ـــ نعم إبادتهم ـــ في موسكو لقاء تمديد حياته السياسية، علّه يستمر في التلذذ في إنفاق ملياراته وسط جوع ناسه ووجع «رعايا» عائلته المسماة زوراً دولة. إنها مسؤولية كل من هرّّب رصاصة لأسلحة التكفيريين، من الأردن ومن العراق ومن تركيا، وخصوصاً من لبنان، من لطف الله 2 ــ أين أصبح ملفها يا حماة لبنان ويا قضاته ويا مسؤوليه وطامحيه وطامعيه؟
وهي مسؤولية، بل جريمة سياسيي هذا الغرب القاييني الغبي المتخاذل الجبان، الهارب من مسؤوليته ومن صراخ ضحاياه الهابيليين. جريمة هولاند وفابيوس، وكاميرون وهيغ، وأوباما وكيري. يجب، وآن الأوان لأن يخرج إليهم من يقول لهم: أنتم مسؤولون عن خطف راهبات معلولا، أنتم مسؤولون عن ذبح الأب فادي حداد، أنتم مسؤولون عن قطع رأس الأب فرانسوا مراد، أنتم مسؤولون عن اختفاء الأب باولو، الذي كان مؤيداً لقاتليه، تماماً كما أنتم مؤيدون لهم! تماماً كما كنتم قبل سوريا مسؤولين عن ذبح المطران بولس فرج رحو في الموصل، وعن هدم كنائس العراق وتهجير شعبه الأصيل، وكما كنتم قبل العراق مسؤولين عن محاولة تهجير مسيحيي لبنان، من أجل وهم فلسطين البديلة. البديلة من جريمة عصركم الكبرى في كيان الاغتصاب ونموذج العنصرية الدولتية الأكثر امتيازاً في تاريخ الإنسانية. أنتم مسؤولون، بالتكافل والتضامن، مع ذاك البندري وذاك الهمجي وذاك البربري وذاك التيوقراطي المِن قرون وسطى، الذي يأتينا اليوم على وسع ابتساماتكم الخبيثة، ليدّعي تعليمنا الديمقراطية والحداثة والعصرنة، لمجرد أنه يملك ذهباً أسود مثل قلوبكم، مثل عقولكم، مثل ضمائركم، مثل ثمار أيديكم، مثل وجوهكم أمام الحق والتاريخ والبشرية.
آن الأوان لأن يخرج من يدّعي عليهم بتهم المسؤولية عن كل ما ارتكب بحق إنساننا، أي إنسان، تماماً كما خرج في باريس أبطال مناضلون يقاضون فابيوس في مسؤوليته عن مقتل سوريين. لماذا لا تدّعي الكنيسة على بعض هؤلاء؟ ولتدّعي أيضاً على بشار الأسد وعلى نظامه، وليظهر تحقيق دولي ـــ ولو بعد حين، ولو للتاريخ ـــ من المسؤول ومن المرتكب.
لم يعد الصمت ممكناً ولا مقبولاً ولا معقولاً مع البقاء أحياء، فكيف به مع حفظ الكرامة والحرية؟ قبل أيام كان سفير دولة عظمى ضيفاً لدى مرجع كنسي لبناني كبير، فسمع الكثير مما سبق. قيل له بوضوح صارخ: قلنا ونكرر إننا ضد أي نظام ديكتاتوري وضد أي قمع لشعب أو سحق لثورة. لكن هل فكرتم بما فعلتم هناك؟ هل قوّمتم النتائج واستخلصتم العبر؟
سؤال يبدو أن جوابه يقتضي الكثير من دماء الأبرياء، لكتابته حفراً على أجساد كل إنسان مختلف عن ذاك التكفيري وسيده.
جان عزيز
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد