طلاب ومدرسو التصميم الصناعي يتخوفون من قرار تجميد شعبتهم
أصوات كثيرة نادت لتجميل وجه المدن السورية وإزالة التشوهات البصرية التي تعانيها، وأخرى طالبت بتحسين شكل صناعتنا المحلية لنتمكن من منافسة المنتج الأجنبي والأهم من ذلك أن الجامعات السورية لم توفر فرصة إلا وطالبت فيها بدمج التعليم بالحياة والعمل لتكون النتيجة أن هذه الأصوات ذاتها باتت تطالب بإلغاء تخصص يعتبر خطوة مهمة لتنفيذ المطالب السابقة.
جهود طويلة قام بها عدد من الدكاترة في كلية الفنون الجميلة - ممن تخصصوا في التصميم الصناعي في أهم الجامعات الأوروبية - استمرت لأكثر من ست سنوات لتكون المحصلة موافقة الكلية على تأسيس شعبة للتصميم الصناعي تندرج ضمن تخصصات قسم العمارة الداخلية رغم تأكيد هؤلاء المدرسين ضرورة إفراد قسم مستقل له ميزانية خاصة وينظر له على أنه تخصص ذو أهمية وفائدة وليس كما يعامل اليوم، ورغم هذا اقتنع المدرسون بالأمر الواقع على أمل التطوير لاحقاً لتكون النتيجة وبعد انتظار خمس سنوات أن الكلية تخطط لتجميد الشعبة وباقي الشعب بحجة معالجة المشكلات وتطوير العمل.
القرار أثار حفيظة المدرسين والطلاب على حد سواء ولاسيما أن أغلبيتهم اختاروا هذا التخصص عن حب ورغبة وأن مدرسيه خصوصاً صرفوا الكثير من وقتهم وجهدهم وطاقتهم للقيام بشيء ولو كان بسيطاً على أمل أن يكبر المشروع لاحقاً.
الدكتور نعيم الجابي رئيس شعبة التصميم الصناعي في الكلية أوضح بأن هذا المجال مهم جداً وهو يدخل في كثير من تفاصيل حياتنا ولكنه للأسف لا يعامل كما يجب ولا يأخذ بيده بالشكل الذي نتمناه مضيفاً بأنه بعد إنهاء تخصصه وعودته إلى دمشق عام 1997 قدم للكلية مشروع لتأسيس قسم التصميم الصناعي وكان من بين ما تضمنه اقتراحه إحداث قسم يدرس فيه الطلبة لمدة ثلاث سنوات إضافة إلى مشروع التخرج، وأن يضم هذا القسم ورشاً، ومخابر، وقدر التكلفة الإجمالية بثلاثة ملايين، لم يصرف منها حتى اليوم إلا قرابة الثلاثمئة ألف ليرة أنفقت ثمناً لشراء ثلاث آلات غير مناسبة ولا يمكن استخدامها من قبل الطلبة لحاجتها إلى معلمي حرفة يشرفون عليها وهو اقتراح رفع لعمادة الكلية بجملة ما أهمل، كما أنها آلات تحتاج لمواد أولية وطبعاً هي غير موجودة حالياً لتكون النتيجة بقاء الآلات في المستودع مرمية من غير اعتناء.
الدكتور الجابي أكد أن الطلاب تحملوا الظروف الصعبة وهم اليوم يدرسون هذا التخصص برغبة وحب، والكثيرون أجلوا ترفعهم العام الفائت ليلتحقوا به هذا العام وهم سيكون مصيرهم مجهولاً بعد إغلاق الشعبة وسيدمجون مع طلاب العمارة الداخلية ليدرسوا تخصصات لا تمت بصلة لميولهم أو رغبتهم الأساسية، في حين أن الطلاب الخريجين سيكون وضعهم أسوأ فهم درسوا تخصصاً لم يعد له وجود حالياً.
وعن سبب الرغبة في تجميد الشعبة أوضح الدكتور الجابي أنه يعود لرغبة إدارة الكلية بتصليح الخلل الموجود في الكلية فكان الحل تجميد كافة الشعب ودمجها في القسم الأم ومن ثم وضع خطة للتطوير والتحديث، وهو الأمر لم يعترض عليه أغلبية المدرسين وعلى رأسهم (مدرسو التصميم الصناعي) لكن الاختلاف كان حول فكرة التجميد فالتطوير ممكن تنفيذه دون أن يعني ذلك إيقاف الشعب لأنها خطوة قد تطول أو تقصر حسب الظروف وعندها سنتراجع عن الخطوات التي أنجزت، وأشار الدكتور الجابي إلى وجود مشكلة أخرى وهي أن العمارة الداخلية بالذات تضم أقساماً ليست من جنس هذا المجال على خلاف باقي المجالات الأخرى كالتصوير والنحت وهي أقسام في حال حلت شعبها فلن يشكل ذلك عائقاً كبيراً على طلابها في حين أن قسمنا يضم اختصاصات مختلفة لا تندرج في الإطار ذاته.
خلال زيارتنا للشعبة لفتنا الوضع الخدمي السيئ فهي عبارة عن قاعة متوسطة الحجم مخصصة للعملي وتضم مخبراً في الوقت ذاته ويتدرب فيها طلاب السنتين الثالثة والرابعة من هذا التخصص وأوضح المدرسون أن وضعها في البداية كان أسوأ مما هو عليه اليوم لدرجة اضطرت الطلاب أن يشمروا عن أزنادهم ويطلوها بعدما اشتروا الطلاء على نفقتهم الخاصة، كما أن مخبر الشعبة المتواضع هو عبارة عن عدة أجهزة لا تتناسب وحاجة الطلاب فالشاشات مازالت تعتمد الشكل التقليدي غير المتناسب مع الأعمال المكتبية البسيطة ولا مع التصاميم التي ستكلف الطلاب لاحقاً نظارات بسماكات كبيرة بعد تراجع بصرهم وهم يحدقون في شاشاتها الضيقة.
الدكتور الجابي أوضح بأن المخبر حتى بداية العام الحالي كان يضم جهاز كومبيوتر واحداً قادراً على العمل وتمكنوا مؤخراً من صيانة باقي الأجهزة وهي قادرة على خدمة الطلاب في الأمور البسيطة لا أكثر في حين أن المخبر زود بعدد من الأجهزة لم تكن على المستوى المطلوب، وعن الانترنت والذي يشكل حاجة مهمة لهؤلاء الطلبة فهو متوفر اليوم بجهود الطلبة ممن تشاركوا لإحضار «مودم» يزود القاعة «بالواير ليس».
من ضمن الانتقادات الموجهة لهذه الشعبة أنها تدرس الطلاب مواد أقل من المفترض باعتبار أنهم يدرسون ست مواد في سنتي التخصص، في حين أن الكثير من الجامعات الغربية تدرس أكثر من هذا العدد، وهو انتقاد يرد عليه الدكتور الجابي بأن الشعبة تقيدت بخطة التعليم العالي التي وضعت اللائحة الداخلية التي تؤكد عدم إمكانية تدريس أكثر من هذا العدد وبالتالي الأمر الذي يعترضون عليه هو أمر قانوني.
لتجاوز بعض صعوبات الشعبة أقدم المدرسون على عدد من الحلول البديلة والتي قال عنها الدكتور الجابي: «مبادرتنا مع هندسة الكهرباء سيكون لها دور مهم في تحسين صورتنا وإظهار أهمية هذا القسم كما ستقدم لنا فرصة الاستفادة من الورش الموجودة هناك وتقدم الفائدة لطالبنا».
الطلبة لم يرضوا حتى اليوم الاقتناع بالشائعات المتناقلة معتبرين أن إدارة كليتهم أكثر حكمة من ذلك ولن تقبل في الإساءة لسمعتهم الأكاديمية بعد التخرج لأنهم سيكونون معرضين لسؤال محرج عند البحث عن العمل فقسمهم مجمد وبالتالي شهادتهم مشكوك بأهميتها، وذكرت إحدى الطالبات أن المشكلة ليست بجهل الناس حول أهمية هذا التخصص وإنما في نظرة المدرسين من أقسام أخرى له، فهم يعتبرون أن حله هو فرصة للخريجين لإيجاد عمل متناسين أن الذين تخرجوا قد تمكنوا من إثبات أنفسهم وتحقيق مكانة لهم.
طلاب السنة الثالثة اعتبروا أن خطوة التجميد ستكون مدمرة لهم فهم خططوا لدراسة هذا المجال بالذات ولن يكون من المناسب لهم دراسة مجالات أخرى كالأزياء في حال دمجوا بباقي طلاب قسم العمارة الداخلية، وتساءلت إحدى الطالبات عن سبب إيفاد خريجتين لدراسة الدكتوراه في التصميم الصناعي إذ إنهما لن تجدا مجالاً يتناسب مع تخصصهما لتدرسا فيه وكان من الأفضل لو أرسلتا لدراسة العمارة الداخلية.
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد