سورية :عظمة الأمة في مقاومتها المخطط الأميركي لتدميرها
الجمل: بقلم باربارة نمري عزيز ـ ترجمة رنده القاسم:
أنا أتحدث عن سوريه هنا، مدركة أنني أعرض نفسي للخطر و لكني سأستمر. لا من أجل الدفاع ، و لكن لتقديم رأي مختلف أعتقد أنه يستحق التفكير، إذ لا بد من إظهار بعض التقدير ( خاصة من قبل أولئك المدركين لفظاعة قوة الولايات المتحدة و قرار واشنطن تدمير سورية بأي ثمن) لقدرة المقاومة المذهلة التي تمتلكها تلك الدولة الصغيرة التاريخية، تماما مثلما وجد من يصفق للعزيمة الفلسطينية في السعي لبناء الدولة، و وجد من ينظر الآن باحترام لإرادة فيتنام و هي تبزع كدولة مستقلة نبيلة.
كفاح سورية المعاصر ضد اعتداءات متعددة لم ينته بعد بأي شكل من الأشكال، و لا يزال في وضع حساس للغاية.. شعبها تفرق عبر العالم، و خسرت مواطنيها ذي التعليم الرفيع لصالح دول كانت مستعدة لاستغلال مهاراتهم، و اللاجئين في الخيام و أولئك الذين يعانون في وطنهم لا يملكون أي ضمان .
فقد الجيش السوري عشرات الآلاف من رجال بإصابات قاتلة (هذا و لم نتحدث عن الجرحى) و يهرب شبابها من التجنيد، واقتصاد سورية الذي كان يوما قويا يزحف و بالكاد يمكن تمييزه، مؤسساتها الاجتماعية مسحوقة، و ثروتها الثقافية ، و المتضمنة المسرح المعاصر و التلفزيون، تضاءلت و تحطمت.
و مع ذلك، بعد ست سنوات من حرب سببت هذه المشقة و الدمار، و بعد الكثير من الهجمات عليها، لا تزال سوريه صامدة... و قائدها، الرجل غير المعصوم عن الخطأ و لكنه ليس بالطاغية المستبد ، لا يزال صامدا أمام سعي واشنطن العنيف لإبعاده. وقد فشلت كل المساعي العسكرية و الدبلوماسية الأميركية لإسقاط حكومته، و حتى مع قرار الجامعة العربية الوقح بطرد هذا العضو المؤسس.
و لم تبقى سورية سليمة فحسب، رغم معاناتها على الكثير من المستويات، بل تمكنت أيضا من الحفاظ على تحالفاتها مع القوى القليلة المؤيدة لها، من إيران إلى الصين. و انتصارات جيشها في السنتين الماضيتين ، رغم الثمن الباهظ، كانت مذهلة بكل المعايير قياسا للمعارضة الرهيبة التي واجهها.( و لتقارنوا هذا مع العجز العسكري الأميركي في أفغانستان).
واجهت سورية اعتداءات من قبل قوى عربية مدعومة من الولايات المتحدة، و من مقاتلي داعش و القاعدة، و من متمردين محليين، و من دول الخليج العربي التي اتخذت جانب الغرب و إسرائيل ، و من تركيا على حدودها الشمالية، و من إسرائيل و الأردن على طول حدودها الجنوبية، و من قصف الطائرات المقاتلة الأميركية و الإسرائيلية (إحدى الضربات من قبل قاذفات القنابل الأميركية أدت إلى موت العشرات و إصابة المئات من الجنود السوريين)....أية معارضة هذه ضد دولة تضم أقل من ثلاثين مليون نسمة!!! و كل هذا من دون انتقام سوري ( أو روسي) ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة الأميركية.
و بلا شك انجازات سورية العسكرية كانت ممكنة مع الدعم الجوي الروسي، كما كان الدعم الدبلوماسي الروسي هاما جدا، أولا في تسوية إزالة التهديدات الكيماوية، و قبل ذلك في منع مجلس الأمن في الأمم المتحدة من دعم أجندة تغيير النظام الأميركية.
مع بداية الأزمة عام 2011، كنت أعيش في دمشق، تحدثت مع زميل قديم ، بيروقراطي متمرس و لكن لم يعد موظفا حكوميا، ذهلت من ثقته بالفيتو الذي استخدمته الصين و روسيا في مجلس الأمن.(كلتا الدولتين رفضت المحاولة التي قادتها الولايات المتحدة لإصدار قرار بمعاقبة سورية). بعد ستة أشهر، عندما التقينا ثانية، كان هناك اعتقاد سائد بين الأجانب و بعض السوريين بأن حكومة الأسد ستسقط قريبا. و لكن زميلي كان يشدد على تقديره للفيتو الروسي الصيني قائلا بثقة : "روسيا ستبقى معنا".و أظن أن الأشخاص من داخل الحكومة و القادة العسكريين يشاركونه الرأي. و لكن من كان يخمن كم من أشهر حرب ستمضي قبل أن يتغير اتجاه الموجة؟
في بداية عام 2016 حققت سورية (و روسيا) أول سلسلة من الانتصارات المستحيلة ضد أعدائها من داعش. وفي الوقت ذاته كان الإعلام الغربي (بحزن) يصف الأراضي المستعادة بنجاح على أنها سقطت في أيدي الحكومة.
وعن بعد، و دون أي معلومات داخلية عن الاستراتيجيات العسكرية، كان بالإمكان الإحساس بأن تلك الانتصارات أظهرت عزيمة نظام استثنائي، ربما تماثل انتصارات كوبا و فنزويلا أيام شافيز كما تستهدف القوة الإمبريالية الأميركية.
و يبدو أن بعض حلفاء أميركا الذين صادقوا يوما على إبعاد الرئيس السوري يتراجعون عن موقفهم. و لم يكن المعارضون قادرين على تقديم دليل مقنع على أن سورية تستخدم أسلحة كيمائية، و خاصة بعد نتائج بحث خبير الأسلحة الكيميائية ت.بوستول، و تحقيق الصحفي سيمون هيرش حول الموضوع (تم إغفال التحقيق الصحفي من قبل وسائل الإعلام الأميركية) و بعد تسريبات ويكيليكس حول صفقات الإدارة الأميركية المتعلقة بسورية من أجل تحقيق خطط الولايات المتحدة الرامية إلى إسقاط الحكومة السورية ما قوض حجج واشنطن.
أما بالنسبة للشعب، فقد شهد هذا الشهر بعض التخفيف من معاناتهم . فرغم استمرار الضربات الجوية الأميركية التي تستهدف داعش ظاهريا و لكنها تحصد حياة العشرات من المدنيين، فإن الدليل على استعادة الحيوية بين المدنيين المعانين من الحصار قد تمثل في المعرض الدولي الذي أقيم في دمشق مؤخرا. فقد جذب مئات العارضين من دول كثيرة، و منح أوقات راحة و سرور نادرين لعشرات الآلاف من المدنيين. مجرد تنظيم هذا التجمع الدولي أمر استثنائي، و مع ذلك، فإن هذا الاستبشار باستعادة الأمل و السلام كان محفوفا بالخطر إذ ألقيت قذائف على المكان ما أسفر عن موت العديد من زائري المعرض.
خلال التسعينات و حتى اندلاع الأزمة، حققت سورية تقدما ملحوظا على جبهات عدة، دبلوماسية و اقتصادية و تعليمية و اجتماعية و ثقافية. و مع ذلك، كانت واشنطن و حلفاؤها من المملكة المتحدة و إسرائيل مصرين على تنفيذ أجندتهم. بقيت العقوبات ضد سورية و تم تعزيزها، مع تشويه صورة قائدها و الهجوم على أيديولوجية البعث عن طريق إعلام خانع.
و مع صمود سورية كدولة، و في حال سحق داعش، أي خيارات يمتلكها حلف الولايات المتحدة و إسرائيل و المملكة المتحدة الذين لن يعترفوا بالهزيمة؟
*صحفية أميركية ذات أصول عربية متخصصة بعلم الأنثروبولوجي ، و من مؤسسي RAWI و هي شكبة تضم كتابا من أصول عربية و تعمل الآن مديرة تنفيذية فيها.
عن موقع Global research
إضافة تعليق جديد