سوريا: «مراصد» المعارضة تحتكر عد الضحايا.. وتصنيفهم!

14-07-2014

سوريا: «مراصد» المعارضة تحتكر عد الضحايا.. وتصنيفهم!

مئة وسبعون ألف قتيل سوري حصيلة الحرب السورية... «المرصد السوري لحقوق الإنسان» الذي يديره المعارض رامي عبد الرحمن في بريطانيا، رفع الإحصاء الدموي إلى عتبة تطرح النقاش في طريقة استصدار حصائل القتل السوري. ذلك أن الرقم الذي يقترحه «المرصد»، الأشهر في متابعته الدقيقة والحرفية لبورصة الدم السوري، يستدعي بعض المراجعة في مراكمة أعداد القتلى، وفي استخدام كل المتدخلين في الحرب السورية للأرقام أحيانا، من دون أدنى تدقيق فيها، لدواع سياسية وإعلامية، فضلاً عن أن أحداً من هذه المراصد لا يزعم الحياد في العد والإحصاء، وتصنيف العمليات التي يقوم بها الجيش السوري في خانة جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية.
ولا تكتفي الحصيلة التي تصدر عن مراصد عدة، بأن تكون عداداً محايداً للضحايا، بل انها تذهب، بسلطة الرصد، وحصانة الانفراد بالعد، إلى تصنيفهم مراتب شتى، في الدنيا والدين والوطنية والآخرة. وهم فسطاطان: شهداء قضية عادلة أو قتلى عدوان وطغيان، ثوار أو شبيحة، سنة أو علويون، عملاء للنظام أو منشقون، مسلحون، ومدنيون. والغالب أن القتلى هم عسكر النظام ومدنيوه، إلا في ما ندر، أما عسكر الثورة ومدنيوها، فكلهم في جنة المراصد ولجان حقوق الإنسان، «شهداء»، في ما عدا المقاتلين الأجانب من عرب وشيشان الذين يستثنيهم «المرصد السوري» من الشهادة والقتل، ويسميهم «صرعى». وعندما تتوخى المراصد والجمعيات الحقوقية المعارِضة الدقة في طبيعة الموت ومراتبه، تقسم الحصيلة الدامية لـ170 ألف سوري، إلى مئة ألف «شهيد»، أما الآخرون فقتلى.
ومنذ أن تراجعت «التنسيقيات» في المدن والبلدات، خلت ساحة الرصد لأربعة مراكز للتوثيق، أهمها «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، و«الشبكة السورية لحقوق الإنسان» التي يديرها من الدوحة فضل الشقفة بدعم قطري. وهناك «مركز التوثيق والإحصاء» الذي يديره رئيس «مركز دراسات دمشق» في واشنطن رضوان زيادة، و«مركز توثيق انتهاكات حقوق الإنسان» الذي إدارته رزان زيتونة حتى اختفائها في الخريف الماضي، بالإضافة إلى «المركز السوري المستقل»، المؤيد للحكومة السورية.
وباستثناء «المرصد السوري لحقوق الإنسان» لا يمكن الاعتداد بوجود نشطاء على الأرض، في شبكات الرصد الأخرى، التي تقوم الولايات المتحدة وقطر بتمويلها، وتوظيف تقاريرها في مشاريعها السياسية ضد دمشق. وتحصل الشبكات الأخرى على معلوماتها من وسائل الإعلام، أو من خلال ما تبقى من نشطاء في «لجان التنسيق»، أو من الملحقين الإعلاميين بالكتائب المقاتلة على الأرض. وسادت خلال الأعوام الأولى للحرب السورية، مزايدة في أرقام القتلى، ظهرت بوضوح في وسائل الإعلام والفضائيات الخليجية، التي كانت تتبارز في عرض أرقام القتل، من دون أن تحاول التأكد من هوية القاتل أو الضحية.
وتعمد الشبكات الإنسانية إلى تغطية الجرائم بحق المدنيين، في ما تعمد إليه في التوثيق إلى إسباغ صفة المدني، على حصيلة من المقاتلين سقطت خلال عمليات عسكرية، أو حوادث انفجار خلال إعداد سيارات مفخخة، أو صهاريج تهريب النفط، وتنزع الصفة نفسها أحيانا عن ضحايا السيارات المفخخة، أو المجازر الطائفية التي ترتكبها الكتائب المقاتلة المعارِضة، أو تلصق بهم تهم التعامل مع النظام، لإعدامهم.
ونقلت الشبكات الحقوقية من دون تدقيق منها، وإعلام المعارضة معها، تبني «الجبهة الإسلامية» تفجير سيارة مفخخة قبل أسبوعين في قرية الحرة العلوية في ريف حماه، وجعلت من قتل 40 مدنيا أثناء نومهم، عملية نوعية استهدفت حاجزا للجيش السوري في القرية المنكوبة. واعدم المسلحون المعارضون 13 علويا مدنيا أثناء محاولتهم الفرار من حمورية التي تسيطر عليها المعارضة في حزيران العام 2012، ثم ادعت البيانات أنهم ضحايا مجزرة ارتكبها الجيش السوري. ودفعت القرى العلوية ثمنا باهظا لسكاكين الكتائب المعارِضة لا سيما معان، التي دخلتها «جبهة النصرة»، خلال مؤتمر جنيف في شباط الماضي، وأعدمت 50 مدنيا، قالت عنهم الشبكات الحقوقية ولجان التنسيق إنهم من الشبيحة.
وعندما تحدث الرئيس الأميركي باراك أوباما عن مجزرة جديدة الفضل في 21 نيسان العام 2013، في غوطة دمشق، اعتمد رواية «لجان التنسيق المحلية»، و«مركز توثيق حقوق الانسان»، التي ــ الرواية ــ نشرت رقم 483 ضحية في الساعة الاولى لهجوم الجيش السوري على البلدة. وقال «مركز التوثيق والإحصاء» في واشنطن ان أكثر القتلى هم من المدنيين، فيما قدم «المرصد السوري» رواية مختلفة ورقما للقتلى يقل باربعمئة قتيل، ويبلغ 110 قتلى، فضلا عن قوله إن القتلى الذين سقطوا في جديدة الفضل، التي أصبحت مجزرة دخلت السجل الدموي الحافل للحرب السورية، كان أكثرهم من المقاتلين الذي سقطوا، خلال العملية العسكرية للجيش السوري.
وعندما اعدم «جيش الصحابة» و«نور الدين زنكي» 150 أسيرا في معركة خان العسل، صيف العام الماضي، وضعتهم معظم الشبكات في لائحة قتلى الجيش السوري، اذ لا تتضمن لوائح جرائم الحرب لدى الشبكات الحقوقية، إلا ما يقترفه جنود الجيش من جرائم خلال العمليات القتالية. وهكذا اتهمت المراصد التابعة إلى «الائتلاف الوطني» الجيش السوري، بارتكاب مجزرة معمل السجاد في سلمية، التي أودت بحياة ما يقارب 70 عاملا، ولم يغير من موقف «الائتلافيين» شيئا تبني «جبهة النصرة» علنا للعملية، التي قالت إنها استهدفت مركزا للشبيحة.
وفي تموز العام 2012 في ريف حماه، اورد «المجلس الوطني السوري»، ومعه «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» 305 قتلى حصيلة لمجزرة اتهم النظام بارتكابها. وقال «المجلس الوطني» و«لجان التنسيق المحلية» إن معظمهم من المدنيين الذين جرى إعدامهم ميدانيا، فيما اصدر «المرصد السوري» المعارض حصيلة أولى بلغت 111 قتيلا، ما لبث أن قام بتعديلها إلى 94 قتيلا، قال إن أكثرهم من المقاتلين الذين سقطوا في مواجهة الجيش السوري. وعندما قصف الطيران السوري، منتصف صيف العام 2012، بلدة الهول في الحسكة، روت شبكات حقوق الإنسان ولجان التنسيق قصة 40 مدنيا فاجأهم القصف الغادر، فيما قال «المرصد السوري» إن القتلى عراقيون من مقاتلي «الدولة الإسلامية في العراق» آنذاك.
وفي حزيران من العام 2011، خرجت أولى المجازر السورية إلى العلن في جسر الشغور في ادلب، بالقرب من الحدود مع تركيا. وزعمت شبكات حقوق الإنسان، وخلفها الفضائيات في الدوحة ودبي، أن الجيش السوري اعدم ميدانيا أكثر من 200 معارض في المدينة، وأخفى جثثهم في مقبرة جماعية. لكن النقيب المنشق حسين هرموش، قائد «الضباط الأحرار» آنذاك، قال لـ«السفير» في حديث لم ينشر، جرى معه في قرية خربة الجوز، على بعد أمتار من الحدود مع تركيا، وقبل فراره إليها، إن المجموعة التي كان يقودها في المدينة، تمردت ودخلت مبنى الأمن الجنائي برفقة بعض المدنيين المسلحين، وأعدمت ميدانيا أكثر من 130 جنديا وضابطا لجأوا إلى المبنى، بانتظار التعزيزات العسكرية إليه، ودفنوا الضحايا في قبر جماعي. وعندما قتل الطالب عمار بالوش ثلاثة من زملائه في كلية الهندسة الدمشقية، كانت التقارير الأولى، للشبكات الحقوق إنسانية، والفضائيات الخليجية تتحدث عن شبيح قتل ثلاثة من المعارضين قبل أن يظهر القاتل، لاحقا، في صفوف كتيبة مقاتلة في رنكوس. وقبلها بأيام تحدثت تقارير الشبكات عن قتل 13 متظاهرا في درعا، قبل أن يقوم المحققون في بعثة المراقبين العرب آنذاك، بمقابلة من أعلن قتلهم، أحياء في منازلهم.
وفي الخريف الماضي، قامت مجموعات من المعارضة المسلحة بقتل فتيان ونساء ورجال، في قرية علوية في ريف سلمية، كانوا يقومون بجني الزيتون، لتقول «لجان التنسيق» ان المعارضة المسلحة أعدمت ميدانيا عددا من الشبيحة. وفي نيسان العام 2012، انفجرت عبوة ناسفة كانت تعدها مجموعة من المقاتلين في مشاع الطيار في حماه، وقتل فيها أكثر من خمسين مقاتلا، فقالت «لجان التنسيق» و«الشبكة السورية لحقوق الإنسان» إن الجيش السوري قصف بصاروخ ارض - ارض، تجمعا للمدنيين.
وفي حلب، قتل 70 شخصا في خريف العام 2012، بانفجار سيارة، كانت مجموعة من «جبهة النصرة» تعدها لاستخدامها في حلب، التي لم يكن قد مضى أكثر من أسابيع قليلة على دخول المعارضة المسلحة إليها، من الأرياف القريبة. وادعت شبكات حقوق الإنسان و«لجان التنسيق» أن الجيش السوري قد قصف تجمعا للمدنيين في المدينة. وفي تشرين الثاني العام 2012، انفجرت صهاريج نفط في بلدة خشام قرب دير الزور، اثناء تحميلها، وقتلت 54 شخصا، فقالت المعارضة المسلحة، ومعها «لجان التنسيق»، ان الجيش السوري، قصف المنطقة بصاروخ ما ادى الى مجزرة.
وتبقى الأرقام عن حصيلة هجوم الغوطة الكيميائي بالغة الدلالة في استخدام الأرقام، من دون أدنى توثيق، وعدم جدية بعض شبكات رصد انتهاكات حقوق الانسان. اذ تبنت الامم المتحدة، ومعها وزير الخارجية الاميركي جون كيري، رقم 1492 قتيلا في الساعات الاولى للمجزرة الكيميائية، فيما قال «المرصد» ان اللوائح الحقيقية، تتضمن 502 امكن توثيقهم، والتأكد من وفاتهم، بفعل الهجوم الكيميائي في آب العام 2013.
وعندما قتل الجيش السوري 60 مقاتلا من «جبهة النصرة»، خلال انسحابهم نهاية العام الماضي من القسطل - معلولا باتجاه يبرود، اجمعت «لجان التنسيق» ووسائل إعلام المعارضة وبعض شبكات رصد الانتهاكات ان المقتولين مدنيون، فيما قال «المرصد السوري» انهم مقاتلون من «النصرة».
وكان كمين في 26 شباط الماضي، مرجعا مهما في الخلاف على طبيعة الرصد والتوصيف، ففي حين قالت المعارضة المسلحة، ومعها «لجان التنسيق»، ان الكمين قتل 200 مدني كانوا يحاولون الفرار من حصار الغوطة الشرقية، كان واضحا ان القتلى الذين سقطوا بانفجارات متتابعة على خط رتلهم، لم يكونوا سوى مجموعة من المقاتلين المنسحبين من ميدعا نحو الجنوب.
وتجاهلت كل المراصد وشبكات حقوق الإنسان، من دون استثناء، المجازر التي ارتكبتها عملية «عائشة ام المؤمنين» لتحرير الساحل، والتي هللت لها المعارضة المسلحة، قبل ان تعود اليها «هيومن رايتس ووتش» و«المرصد السوري» لاحقا لتتحدث عن 130 مدنيا ذبحوا واعدموا على يد المهاجمين، في موجة الهجوم الاولى على القرى العلوية في ريف اللاذقية.
وتشكل حرب الهاون على دمشق وغيرها ظاهرة مجهولة في تقارير شبكات حقوق الإنسان. اذ تم إحصاء أكثر من 400 ضحية خلال شهري تشرين الأول والثاني الماضيين، من بينهم 120 قتلوا، من دون ان تثير هذه المذبحة المستمرة والبطيئة اهتمام لجان التنسيق، او شبكات الرصد، الا اتهام الجيش السوري بقصف المدينة لتحريض اهلها ضد «الجيش الحر».
وعندما قتل قصف المعارضة بقذائف الهاون 50 مدنيا في جسر الشغور، الشهر الماضي، قالت المعارضة، ومعها بعض الشبكات، ان الجيش السوري، هو من قصف المدينة، لارهاب السكان، فيما كان «المرصد السوري» ينسب العملية الى المعارضة.

 

محمد بلوط: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...