سكون لاوند هاجو في يوم الرقص العالمي
دأب الكريوغراف السوري الشاب لاوند هاجو منذ سنوات على تقديم عروضه الراقصة بمناسبة يوم الرقص العالمي (29 نيسان)، ومع عروضه بالذات صار للسوريين يومهم الخاص. قبل ذلك لم يكن لأحد من السوريين أن يتذكر يوماً للرقص في العالم، بل إن الراقص الشاب والمتحمس يروي مفارقات ساخرة عديدة واجهها إثر المطالبة باحتفالية خاصة في المناسبة، ومن بينها كيف هزت وزيرة سابقة كتفها وجاوبته: <هلق كمان صار للرقص عيد؟!>. أصر هاجو على قراءة كلمة يوم الرقص مع بداية عرض كل عام، غير أنه استحدث، وفرقته <رماد>، هذا العام جائزة يوم الرقص العالمي (صممها أنس الرّداوي)، حصلت على موافقة وزارة الإعلام، أهداها في بداية عرضه، لهذا العام ولأول مرة، للفنان حسام تحسين بك، مؤسس فرقة <أمية> للرقص الشعبي، ثم فرقة <زنوبيا>، ومصمم لوحات الرقص في معظم أعمال الفنان دريد لحام. كما أهداها إلى الفنانة هبة بيروتي، وهي من أوائل الراقصات السوريات في فرقة <أمية>، قبل أن تتسلم مديرة لمدرسة الباليه عند افتتاحها. وأخيراً إلى فرقة <إنانا> كفرقة سورية استطاعت أن تكون موجودة عالمياً.
قدم هاجو إلى الآن <خلق>، <انعكاسات>، <رحلة جسد>، <تمرد العقل>، <صمت الحواس>، واشتغل أخيراً، ومطولاً، على نص لفراس السواح، الذي يكتب للمسرح للمرة الأولى، وخصيصاً لهاجو، بعنوان <جدل الحياة والموت>، والذي أوقف بعد تضييق إنتاجي مزاجي من شركة <الشرق> ومديرها نبيل طعمة.
وفي <سكون> بضع لوحات تتمحور كلها حول موضوعة الستار كحجاب وعازل بتنويعات عديدة، ففي واحدة من اللوحات ظهر الستار باعتباره غطاء للرأس، وبأشكال وأزياء عديدة متداولة، المهم فيها أنها ستار بصيغة ما. ورغم عدم وضوح فكرة الستائر في لوحات أخرى، إلا أن مفردة الستارة نفسها أشاعت لمسة من الشفافية على العرض، إذ كانت المفردة الوحيدة في ديكور العرض (صممه مراد رشيد) ولكن بظهور مختلف في كل مرة، فالستارة ستارة لشباك مرة، وأشياء منشورة على حبال الغسيل مرة أخرى. ثم إنها تختلف باختلاف الوظيفة وباختلاف الفاعل؛ فالحجاب قد يخلقه المرء لنفسه، ملقياً به كعازل بينه وبين الحياة، أو يلقيه عليك المجتمع بغية عزلك، أو خجلاً أحياناً مما يريده المجتمع ولكنه يخجل من ارتكابه في آن. هي ذي بعض أفكار يرمي العرض إلى قولها، لكن ظهورها واستخدامها المرتبك ضيّعا الكثير على المشاهدين، أربكهم ورمى بهم في لجّة التأفف.
جماليات الستارة
لا شك في أن أفكاراً عن العزلة ستنعكس على طريقة في الرقص والأداء، الأمر الذي جسده الراقصون بحركات بطيئة في الغالب، ثقيلة، وباردة. والأجساد تنثني على نفسها، ولكن بتردد، تحاول الانطلاق وسرعان ما ترتد إلى نفسها. نفهم هنا أن الفكرة تتطلب هذه الطريقة في التعبير، ولكن ماذا لو تحوّل ذلك كله إلى إيقاع بارد، بطيء، ومملّ أحياناً؟ لا شك في أن مشاهدين كثرا قالوا: وماذا بعد؟ قبل أن يقول الاختصاصيون ودارسو الباليه إن الفرقة هذه المرة كانت أقرب إلى الأكروبات والجمباز وألعاب السيرك، الأمر الذي لا ينكره هاجو من جهته ويجده نوعاً من التحدي الذي تردّ به الفرقة، ومعظم راقصيها من غير الدارسين للرقص، على انتقادات جرى توجيهها لهم مراراً حول طاقاتهم ومقدراتهم وتقنياتهم كراقصين، ولكن بالتأكيد لم يكن هذا وقت التحدي، حيث يفترض أن يتحول الراقصون إلى خدمة فكرتهم أولاً وقبل أي شيء. التحدي ذاته انسحب على بعض مقاطع الموسيقى، حيث كان العرض يرد أيضاً على منتقديه الذين يطالبوه بإدخال الموسيقى الشرقية في عروضه، فكان أن اختار أكثرها شرقية، موسيقى للرقص الشرقي ولكن مع رقص غربي حديث، بعيد كل البعد عن الرقص الشرقي.
لا شك في أن عرض <سكون> الراقص تنقصه الخفة، كما تنقصه الدراسة المعمقة لموضوعة الستائر، وكيف يمكن أن نوفق بين جماليات الستارة ككائن حي وغير جامد، وبين ما نريد قوله من أفكار (غير جميلة) حول رعب الستائر وما تتركه فينا من أثر محبط، حزين، ومدمر أحياناً. ولكن لا بد من الإشارة إلى تشكيلات لافتة قدمها الكريوغراف هاجو، كما إلى أداء رشيق لعزة السواح وراما الأحمر ولميس منصور
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد