روسيا وتركيا: الاحتقان لا يتبدد، «انعطافة» فرنسية وبوتين يواصل تجاهله لأردوغان
لا مؤشرات على تهدئة محتملة بين موسكو وأنقرة. الروس يفرضون تأشيرات دخول على الأتراك، ورجب طيب أردوغان يتهم روسيا بـ «المكر واللعب بالنار» فيما يطلب في الوقت ذاته لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين الذي يتجاهل الطلب مثلما تجاهل محاولات الرئيس التركي الاتصال به هاتفياً.
لكن الموقف لا يتعلق باللقاءات والتأشيرات. يقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صراحة إن حل الأزمة في سوريا يتطلب إغلاق حدود تركيا. أهمية هذا التصريح أنه يأتي غداة إعلان موسكو نشر منظومات صواريخ «اس 300» و«اس 400» التي تغطي الأجواء السورية، وما هو أبعد منها بكثير، وتهديدها الصريح بأنها ستتصدى لأي تهديد جوي قد تراه ضد نشاطها في سوريا. كما تكمن خطورته في مؤشرات الصدام القائمة، إذ إن الأتراك الذين ارتبكوا إزاء هذا الإجراء العسكري، عادوا وأكدوا امس أنهم ماضون في مهماتهم الجوية بالتعاون مع الحلفاء، في ضرب تنظيم «داعش» على الاراضي السورية! لكن لا بد من الاشارة الى انه منذ الإعلان عن إسقاط الطائرة الروسية، لم يصدر أي إعلان من أنقرة يشير الى شن ضربات جوية تركية جديدة على الأراضي السورية.
وفيما يبدو أن روسيا ماضية في سياسة تطويق النفوذ التركي داخل المناطق الحدودية السورية، تكثفت غاراتها الجوية على مناطق ريف اللاذقية الشمالي وعلى خط الإمداد الرئيسي بين «معبر السلامة» الحدودي المؤدي الى مدينة اعزاز. وفي الوقت ذاته، تراجع الفرنسيون خطوة صغيرة الى الوراء، بإعلان وزير الخارجية لوران فابيوس، غداة زيارة الرئيس فرانسوا هولاند لموسكو، أن باريس ترى دوراً للجيش السوري في «الحرب على الإرهاب»، في تراجع لافت عما دأبت على ترداده خلال السنوات الأربع الماضية، مقتربة بذلك من الموقف الروسي الدائم بأن القوات المسلحة السورية، شريك أساسي وضروري في هذه الحرب.
ولن يكون بإمكان أي تركي دخول روسيا من دون تأشيرة مطلع العام 2016، ما يشكل المرحلة الثانية من العقوبات الروسية المتدرجة على أنقرة، التي يتهمها الروس «بتجاوز الحدود المسموح بها» بعد إسقاطها طائرة الـ«سوخوي 24» قبل أيام.
وفي مقابلة مع إذاعة «ار تي ال»، قال فابيوس إنه من أجل مكافحة التنظيم «هناك مجموعتان من الإجراءات: عمليات القصف والقوات البرية التي لا يمكن أن تكون قواتنا، بل ينبغي أن تكون قوات الجيش الحر وقوات عربية سنية، ولمَ لا، قوات للنظام وأكراد كذلك بالطبع».
ورحب وزير الخارجية السوري وليد المعلم بتصريحات نظيره الفرنسي. وقال، في مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، إن «كان فابيوس جاداً في التعامل مع الجيش السوري والتعاطي مع قوات على الأرض تحارب داعش فنحن نرحب بذلك»، مشيراً إلى أن ذلك «يتطلب تغييراً جذرياً في التعاطي مع الأزمة السورية».
وأكد المعلم أن «جيشنا جاهز للتنسيق مع أي قوات تقوم بالتشاور معه في سبيل مكافحة الإرهاب».
وأضاف المعلم «نحن منذ بداية الأزمة في سوريا كنا نقول إن أوروبا أخطأت بالتعاطي مع هذه الأزمة، وإن الإرهاب سيرتد على داعميه، ومع الأسف كانت بريطانيا وفرنسا تقودان الجهد الأوروبي ضد الحكومة الشرعية في سوريا»، موضحاً «الآن أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي. أقول بكل بساطة ادرسوا تجربة سلاح الجو الروسي وتفاعله مع الجيش العربي السوري على الأرض والنتائج التي تحققت، وتعلموا منها».
وحاول فابيوس بعد ذلك توضيح تصريحه. وقال، لوكالة «فرانس برس»، إن إمكانية مشاركة القوات السورية في مكافحة «داعش» لا يمكن طرحها إلا «في إطار الانتقال السياسي، وفي سياقه حصراً»، لكنه كرر أن الرئيس السوري بشار الأسد «لا يمكن أن يمثل مستقبل شعبه».
ولطالما كرر فابيوس أن «الأسد والإرهابيين وجهان لعملة واحدة»، لكن في مواجهة أزمة اللاجئين والتهديد الجهادي، غيّرت فرنسا تغييراً ملحوظاً ديبلوماسيتها تجاه سوريا منذ أشهر. كما أن الهجمات التي ضربت باريس تعمل على تسريع عملية التحول في السياسة الفرنسية، إذ أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن الأولوية القصوى حالياً هي لمكافحة «داعش».
لافروف والمعلم
وقال لافروف، خلال مؤتمر صحافي مع المعلم في موسكو، «تم اتخاذ قرار بوقف نظام الإعفاء من التأشيرة مع تركيا. هذا القرار سيصبح نافذاً في الأول من كانون الثاني 2016». وأضاف «الأمر ليس انتقاماً، التهديد فعلي»، مؤكداً أن «عدداً كبيراً من المقاتلين انتشر انطلاقاً من تركيا في اتجاهات مختلفة».
واعتبر لافروف أن تركيا «تجاوزت حدودها» بإسقاط المقاتلة الروسية. وقال «نعتقد أن السلطات التركية تخطت الحدود المسموح بها، وتخاطر بوضع تركيا في موقف صعب جداً على المدى الطويل في ما يتعلق بمصالحها الوطنية والوضع في المنطقة عموماً». وقال «لدينا المزيد من التساؤلات عن نشاط أنقرة والتزامها الحقيقي باستئصال الإرهاب».
وأعلن أن إغلاق الحدود بين سوريا وتركيا سيسهم في حل مشكلة الإرهاب في سوريا إلى حد كبير، معتبراً أن تركيا بدأت «تتوتر» بعدما بدأ الطيران الحربي الروسي بقصف قوافل النفط المسروق من سوريا. وذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، في بيان، أن طائرات حربية يعتقد أنها روسية نفذت عدداً من الغارات الجوية على مدينة أعزاز قرب الحدود التركية، وذلك بعد يوم من غارات على مدينة سراقب على الحدود السورية في محافظة إدلب.
وأضاف لافروف أن «روسيا ستواصل تقديم كل المساعدات الضرورية لسوريا في معركة القضاء على الإرهاب، وبالتزامن مع ذلك، سنعمل بحسم في إطار المجموعة الدولية لدعم سوريا من أجل إطلاق عملية سياسية عادلة وديموقراطية وشاملة يقرر في إطاره السوريون مصير بلادهم بأنفسهم».
وشكر المعلم الرئيس الروسي على «الجهود التي يبذلها في مجال مكافحة الإرهاب»، مشيراً إلى أن «هذه الجهود الصادقة أتت ثمارها بما يزيد مئة ضعف عما يفعله التحالف بقيادة الولايات المتحدة».
وأضاف «أقول لأولئك الذين يطالبون برحيل الرئيس بشار الأسد إنكم واهمون، والسبب واضح بأن الأسد يؤمن بحق شعبه في تقرير مصيره ولا يسمح لأحد بأن يسرق هذه الحقوق من الشعب السوري». وتابع «لا يمكن أن نسمح لأحد بأن يحقق في الحوار السياسي ما عجز عن تحقيقه في الميدان، وما دام للشعب السوري الحق في اختيار مستقبله وقيادته، فإن صناديق الاقتراع هي الحكم».
أردوغان
وأعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية يوري اوشاكوف أن بوتين رفض التواصل مع أردوغان لرفض أنقرة الاعتذار عن إسقاط طائرة حربية روسية، موضحاً أن الكرملين تلقى طلباً من أنقرة يتعلق باجتماع محتمل بين الرئيسين خلال قمة للمناخ في باريس في 30 تشرين الثاني الحالي، وأنه تم إبلاغ بوتين بذلك، من دون تقديم توضيح حول ما إذا كان سيوافق على اللقاء أم لا.
وكان أردوغان قد أعرب عن رغبته في لقاء بوتين «وجهاً لوجه» في قمة المناخ في باريس. وقال «أرغب في لقاء بوتين وجهاً لوجه لإجراء محادثات في باريس». وكرر أردوغان أن إسقاط الطائرة جاء نتيجة «رد فعل تلقائي لانتهاك المجال الجوي، وتركيا لم تسقط المقاتلة الروسية عمداً». ووصف انتقادات بوتين لأنقرة بسبب الحادث بأنها «غير مقبولة». وقال «روسيا ملزمة بإثبات ادعاءاتها وإلا فإنها ستعتبر كاذبة بسبب هذه الاتهامات الخطيرة وغير المنصفة التي توجهها لتركيا».
وأعلن أن هذه ليست المرة الأولى التي تنتهك فيها المقاتلات الروسية الأجواء التركية، وانه حذر بوتين من إمكانية وقوع «حوادث بشعة» بعد عمليتي توغل في تشرين الأول.
وهاجم أردوغان سياسة روسيا بشأن سوريا. وقال «نحن لسنا غافلين عن مكر روسيا التي تستخدم حادث الطائرة كمبرر لدعم نظام الأسد». واعتبر أن دعم النظام السوري يشبه «اللعب بالنار». وقال «نوصي روسيا بكل صدق ألا تلعب بالنار. نحن حقاً نولي الكثير من الأهمية لعلاقاتنا بروسيا، ولا نريد لهذه العلاقات أن تتضرر بأي شكل».
وقال «سألنا الروس عن طبيعة وجودهم في سوريا فتذرعوا بأن الدولة السورية هي التي دعتهم، فهل أنتم مجبرون على تلبية دعوة دولة الأسد الفاقدة للشرعية والتي قتلت 380 ألف شخص، وهل هناك مبرر شرعي لتقديم كل هذا الدعم لمن يمارس إرهاب الدولة؟ على روسيا أن تعلم أننا على دراية بمكرها الكامن وراء تعزيز وجودها العسكري في سوريا بذريعة إسقاط الطائرة» الروسية.
في هذا الوقت، سعى رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو إلى تخفيف حدة التوتر مع موسكو، داعياً إلى وحدة الصف في مواجهة «داعش». واعتبر أن «إسقاط طائرة حربية مجهولة الهوية في المجال الجوي التركي لم يكن، وليس عملاً موجهاً ضد بلد معين». وأكد أن على المجتمع الدولي أن يتّحد ضد «عدو مشترك».
ونفت السلطات التركية تعليق ضرباتها الجوية ضد مواقع «داعش» في سوريا، وذلك بعدما ذكرت صحيفة «حرييت» أن تركيا علّقت غاراتها الجوية ضد التنظيم في سوريا «مؤقتاً» لتجنب مزيد من الأزمات.
وقال مسؤول حكومي تركي «في الوقت الحالي، تركيا ما زالت ملتزمة بالكامل مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية كجزء من التحالف الدولي». وأضاف «سياستنا لم تتغير، لذا فالتصريحات غير دقيقة». وتابع ان «مشاركة تركيا في الضربات الجوية للتحالف نحددها نحن وحلفاؤنا فقط، بناءً على تقييم مشترك للتطورات العسكرية الميدانية والحاجات اللوجستية».
وحذر المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، في إستوكهولم، من أن إسقاط تركيا لطائرة روسية قد يضر عملية السلام السورية. وقال، رداً على سؤال عن المفاوضات السياسية الرامية إلى إحلال السلام أو وقف إطلاق النار، «بالتأكيد لم يساعد، هناك احتمال أن يعقد ذلك».
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد