رصد مؤشرات حرارة المنطقة خلال زيارة نجاد للبنان
الجمل: تشهد الساحة السياسية اليوم الأربعاء وغداً الخميس فعاليات زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد والتي أثارت بعض الخلافات اللبنانية-اللبنانية: فما هي أهمية زيارة الرئيس الإيراني؟ وما مدى مصداقية المواقف اللبنانية الرافضة للزيارة؟
* الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في لبنان: توصيف المعلومات الجارية
بدأت اليوم الأربعاء الموافق 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2010م فعاليات زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للبنان، وسوف تستمر فعاليات الزيارة بما يشمل اليوم وغداً، وتتضمن قيام الرئيس الإيراني زيارة الجنوب اللبناني والإطلالة على خط الحدود اللبنانية-الإسرائيلية.
تشير معطيات خبرة الدبلوماسية اللبنانية إلى أن لبنان قد شهد خلال الفترات الماضية زيارة العديد من رؤساء وزعماء دول العالم ومنظمات المجتمع الدولي والإقليمي. هذا، وبرغم عدم توافق الأطراف اللبنانية المختلفة دائماً على زيارة أو عدم زيارة الرؤساء والزعماء، فقد ظلت فعاليات هذه الزيارة تمر وتنقضي بكل سهولة. ولكن، ما كان لافتاً للنظر هذه المرة، هو قيام خصوم حزب الله اللبناني وحركة أمل بالقيام بالعديد من الأنشطة التي حملت طابعاً عدائياً لزيارة الرئيس الإيراني. وذلك على النحو الذي تضمّن القيام بعملية التعبئة السلبية الفاعلة وعدم الاكتفاء بإبداء نمط العداء الرمزي وحسب، وإنما الانتقال إلى نمط العداء السلوكي.
• تحدثت بعض أطراف تحالف قوى 14 آذار الموالي لتوجهات محور واشنطن-تل أبيب بسلبية كبيرة إزاء هذه الزيارة.
• تحدثت بعض أطراف تحالف قوى 8 آذار المعارضة لتوجهات محور واشنطن-تل أبيب بإيجابية إزاء هذه الزيارة.
وما كان لافتاً للنظر هذه المرة، تزامن حملات التعبئة السلبية والتعبئة الإيجابية إزاء الزيارة بالمزيد من عمليات الاستقطاب السياسي الإيجابي والسلبي، فقد كسبت قوى 8 آذار المزيد من السند الشيعي، وخسرت قوى 14 آذار المزيد من سندها الشيعي.
* صناعة المواقف في الساحة السياسية اللبنانية: تأثير العامل الإسرائيلي
ارتفعت وتائر التدخل الإسرائيلي في الساحة السياسية اللبنانية خلال الأعوام السبعة الماضية بشكل غير مسبوق، وبدلاً من أسلوب التدخل الخارجي التقليدي القائم على تقنية دعم الحلفاء وإضعاف الخصوم، فقد أصبحت عمليات التدخل الإسرائيلي تتضمن أسلوب التدخل الخارجي غير التقليدي القائم على تفعيل الوسائط الداخلية. وبكلمات أخرى، نتحدث هنا وبكل وضوح عن ما يمكن أن نطلق عليه تسمية «صناعة التدخل» بما يؤدي إلى «المواقف المصنوعة»، وهي المواقف التي أبرزت في الآونة الأخيرة المزيد من الشواهد التي تدل عليها:
- استخدام الاغتيالات كوسيلة لصناعة الكراهية ضد سوريا وإيران والمقاومة اللبنانية.
- استخدام تركيب الأدلة كوسيلة لصناعة الاتهامات التي يمكن استغلالها قضائياً لجهة تجريم الخصوم.
بالأمس القريب، شهدت الساحة السياسية اللبنانية زيارة أطراف علاقات خط دمشق-الرياض. وما كان جديراً بالملاحظة أن حلفاء دمشق اللبنانيين التي كان لها دور واضح في صراعات الفرقاء اللبنانيين. ولكن على غير العادة، فقد جاءت حملة التعبئة السلبية الفاعلة بواسطة قوى 14 آذار اليوم إزاء زيارة الرئيس الإيراني لتؤكد بشكلٍ واضح السيناريوهات التي تحدثت عن نموذج «اللئيم على مائدة الكريم» و«الكريم على مائدة اللئيم»، وتوضيحاً لذلك نشير أن المقاومة اللبنانية وحلفاءها لم تكن تقوم ضمن هذه السيناريوهات إلا بدور الكريم ..
تحدث الإعلام الإسرائيلي وإعلام اللوبي الإسرائيلي كثيراً عن زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد مصوراً العلاقات اللبنانية الإيرانية وكأنما هي السبيل الذي سوف يجعل لبنان ينتقل إلى الجحيم، بدلاً من جنة النعيم التي ظلت القوات الإسرائيلية تسعى «لإذاقة» اللبنانيين كأسها في حرب 1982 وحرب 2006 وما شابه ذلك.
* سيناريوهات ما بعد زيارة الرئيس الإيراني: منظور اللوبي الإسرائيلي
تحدثت تحليلات دوائر اللوبي الإسرائيلي عن السيناريوهات السياسية اللبنانية المتوقع حدوثها في فترة ما بعد زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى لبنان. وفي هذا الخصوص حدد الخبيران اليهوديان الأمريكيان آش جين وأندرو جيه تايلر السيناريوهات الأربعة الآتية باعتبارها الأكثر احتمالاً لجهة الحدوث والتحقق:
• السيناريو الأول: توافق الحريري-حزب الله، ويتضمن قبول رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بوجهة نظر حزب الله اللبناني إزاء ملف محكمة لبنان الدولية الخاصة، وذلك بما يتضمن وقف التمويل اللبناني عن المحكمة، سحب القضاة اللبنانيين من المشاركة في فعاليات المحكمة.
• السيناريو الثاني: إسقاط حكومة الحريري: ويتمثل في رد فعل حزب الله اللبناني وحلفاءه في حال رفض الحريري للتوافق مع حزب الله وحلفاءه، وحالياً، يملك حزب الله وحلفاءه 10 وزراء في الحكومة، وفقط يكفي الحصول على صوت واحد لكي يحقق حزب الله النصاب الكافي لإسقاط حكومة الحريري، وبكلمات أخرى، على حزب الله اللبناني وحلفاءه -إذا رغبوا في إنفاذ سيناريو إسقاط حكومة سعد الحريري- أن يستميلوا إلى جانبهم أحد الوزراء المعنيين بواسطة الرئيس ميشيل سليمان (من بينهم الوزير عدنان السيد حسين) أو إقناع أحد الوزراء التابعين لوليد جنبلاط بالتصويت إلى جانبهم. وبتوضيح أكثر:إذا انسحب من حكومة الحريري 11 وزيرا، فإن فيتو الثلث الضامن سوف يكون في يد حزب الله اللبناني وحلفاءه، الأمر الذي سوف لن يقوض حكومة الحريري وحسب، وإنما سيمنع تشكيل أي حكومة جديدة.
• السيناريو الثالث: استقالة سعد الحريري، ويتضمن قيام الحريري بشكل طوعي بتقديم استقالته من منصب رئيس الوزراء وذلك بغرض التفرغ لمتابعة ملف المحكمة الدولية، وذلك طالما أن وجود الحريري في منصب رئيس الوزراء سوف يفرض عليه الالتزام بالقيود الوظيفية التنفيذية، أما وجود الحريري كزعيم سياسي حر فسوف يتيح لسعد الحريري حرية الحركة إزاء التعامل مع تطورات ملف المحكمة الدولية.
• السيناريو الرابع: نزول حزب الله إلى الشارع: ويتضمن قيام حزب الله اللبناني وحلفاءه بعمليات التعبئة السلبية الفاعلة في أوساط الرأي العام اللبناني، بما يؤدي إلى تسيير المواكب والمظاهرات والاحتجاجات والإعتصامات الشعبية لجهة الضغط على سعد الحريري وحكومته من أجل القبول بتقديم التنازلات لجهة التعاون مع حزب الله وحلفاءه في كيفية التعامل مع المحكمة الدولية.
التدقيق الفاحص في السيناريوهات الأربعة التي اعتبرها خبراء اللوبي الإسرائيلي باعتبارها الأكثر احتمالاً لجهة التحقق يمكن أن يشير بوضوح إلى إلى مدى قدرة خبراء اللوبي الإسرائيلي لجهة تركيب السيناريوهات مع المضمون الذي يخدم ويعزز توجهات المشروع الليكودي إزاء لبنان، وتأسيساً على ذلك، نلاحظ أن بناء هذه السيناريوهات قد تم على أساس تغييب «العامل الحاكم الرئيسي» واستبداله بـ«العامل الحاكم الثانوي». وبكلمات أخرى، فإن العامل الحاكم الرئيسي هو أن زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى لبنان قد جاءت على خلفية الدعم الإيراني للبنان، بعد أن قررت واشنطن بفعل الضغوط الإسرائيلية قطع الدعم الأمريكي للبنان إلا إذا توافرت الضمانات القاطعة التي تفيد لجهة التزام الجيش اللبناني الصارم بعدم التصدي لاعتداءات القوات الإسرائيلية ضد السيادة اللبنانية والسكان اللبنانيين، وبدلاً عن ذلك استخدم خبراء اللوبي الإسرائيلي ملف المحكمة الدولية وربطوا بينه وبين زيارة الرئيس الإيراني بحيث تبدو السيناريوهات الأربعة وهي أكثر انسجاماً مع توجهات حلفاء إسرائيل اللبنانيين المعروفين سلفاً بالعداء ليس لسوريا وإيران وحسب، وإنما للوطنية اللبنانية أيضاً.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
نرجو دائما ذكر مصدر أو مصادر
إضافة تعليق جديد