رحيل الشاعر العربي الكبير محمود درويش

10-08-2008

رحيل الشاعر العربي الكبير محمود درويش

ابى الموت الا ان يثأر من الشاعر الذي كتب «هزمتك يا موت». وكان للموت موعد أخير امس اعلن فيه «انتصاره» على محمود درويش. وقضى الشاعر العربي الكبير الساعات الـ48 الاخيرة من صراعه في حال موت سريري، اثر مضاعفات مفاجئة تلت الجراحة التي أُجريت له في قلبه في مستشفى في مدينة هيوستن في ولاية تكساس الاميركية الاربعاء الماضي.   

وقالت مصادر فلسطينية موثوق بها ان الرئاسة الفلسطينية بدأت ترتيبات اعادة جثمان درويش الذي نعاه الرئيس محمود عباس. واضافت ان بين هذه الترتيبات نقل الجثمان في طائرة اماراتية الى عمان، ومن هناك سيصار الى نقله الى رام الله في الضفة الغربية. كما تبذل مساع فلسطينية لدى اسرائيل للسماح بدفنه في قريته البروة في اراضي الـ48، والا فسيوارى الثرى في رام الله.

وكان درويش توجه الى الولايات المتحدة لاجراء فحوص للقلب وفي نيته ان يرفض الخضوع لعملية جراحية، كما أسرّ الى بعض أصدقائه في رام الله التي قصدها قبل أسبوع للحصول على تأشيرة دخول. لكن سرعان ما اجريت له عملية القلب المفتوح لتضييق الشريان الأبهر (الاورطي)، وذلك بعدما اظهرت الفحوص ان حاله الصحية حرجة، وان «الاورطي» يوشك على الانفجار.

وحدد الاطباء نسبة نجاح العملية بما بين 70 الى 75 في المئة، وفعلا نجحت، لكن ما لبثت أن تلتها مضاعفات خطرة بعد تعرض درويش الى جلطات صغيرة في الرأس، ما اضطر طبيبه الى إمداده بالتنفس الاصطناعي تحاشياً لأي اضطرابات أخرى، قبل ان يدخل درويش في حال موت سريري استمرت 48 ساعة.

يذكر ان درويش خضع لعمليتين في القلب، الاولى العام 1984، والثانية العام 1998. وكان طبيبه أفاده قبل سنة أن أمامه شهوراً يقرر بعدها إن كان يحتاج الى هذه الجراحة. وفي سفره الى هيوستن رافقه صديقاه المهندس الفلسطيني علي حويلي والصحافي أكرم هنية رئيس تحرير جريدة «الأيام» الصادرة في رام الله.

ويعتبر شاعر القضية الفلسطينية والمقاومة، وبين ابرز من ساهموا في تطوير الشعر العربي الحديث الذي مزج شعر الحب بالوطن. ولد محمود في فلسطين في قرية البروة في الجليل الغربي العام 1942 ودمرت قريته العام 1948 واقيمت مكانها قرية زراعية يهودية باسم «احي هود»، ونشأ وترعرع في قرية الجديدة المجاورة لقريته.

وكانت  المفارقة بعد العملية الأخيرة وراء ولادة قصيدته المطولة "جدارية" التي يقول فيها:
 هزمتك يا موت
 الفنون الجميلة جميعها هزمتك
 يا موت الأغاني في بلاد الرافدين
 مسلة المصري
 مقبرة الفراعنة
 النقوش على حجارة معبد هزمتك 
 وأنت انتصرت 

رحل درويش معلناً بذلك نهاية مسيرة شعرية حافلة لأهم الشعراء المجددين في الشعر العربي الحديث، مترجلاً عن حصان الشعر.

وهو الذي قال في قصيدته الأخيرة “لاعب النرد” التي ألقاها في يوليو/ تموز الماضي في مدينة رام الله:

ومن حسن حظي أني أنام وحيداً

فأصغي إلي جسدي

وأصدق موهبتي في اكتشاف الألمْ

فأنادي الطبيب، قُبيل الوفاة، بعشر دقائق

عشر دقائق تكفي لأحيا مصادفة

وأخيب ظن العدم

مَنْ أنا لأخيب ظن العدم؟

مَنْ أنا؟ مَنْ أنا؟

 

لكن درويش ككل المبدعين الكبار يخيبون ظن العدم باستمرارهم في دورات الحياة المتعاقبة من خلال ابداعاتهم واسهاماتهم الخلاقة.

ودرويش هو الابن الثاني لعائلة تتكون من 5 أبناء و3 بنات ولد في قرية البروة عام ،1941 وغادرها مع عائلته الى لبنان بعد أن دمرها “الإسرائيليون” عام ،1948 وبقي هناك لمدة عام ثم عاد متسللاً الى فلسطين حيث عاش في قرية دير الأسد لفترة قصيرة قبل أن يعود الى قريته.

كرس درويش حياته بعد انتهاء تعليمه الثانوي لكتابة الشعر والمقالات في الصحف مثل “الاتحاد” ومجلة “الجديد” التي أصبح فيما بعد مشرفاً على تحريرها، ومنذ ذلك الوقت راح درويش يتعرض للاعتقالات المتكررة التي كان أولها عام 1961 بتهم تتعلق بكتاباته ونشاطه السياسي. وقد كتب درويش في إحدى فترات اعتقاله.واحدة من أشهر قصائده وهي “أحن إلى خبز أمي”.

مؤلفاته:

“عصافير بلا أجنحة” و”أوراق الزيتون” و”عاشق من فلسطين” و”آخر الليل” و”مطر ناعم في خريف بعيد”، ويوميات الحزن العادي” و”يوميات جرح فلسطيني” و”حبيبتي تنهض من نومها” و”محاولة رقم 7” و”أحبك أو لا أحبك” و”مديح الظل العالي” و”هي أغنية.. هي أغنية” و”لا تعتذر عما فعلت” و”عرائس” و”العصافير تموت في الجليل” و”تلك صورتها وهذا انتحار العاشق” و”حصار لمدائح البحر” و”شيء عن الوطن” و”ذاكرة للنسيان” و”داعاً أيها الحرب وداعاً أيها السلم (مقالات)” و”كزهر اللوز أو أبعد” و”في حضرة الغياب” و”لماذا تركت الحصان وحيداً” و”بطاقة هوية” و”أثر الفراشة”.

أصدر محمود درويش مجموعته الشعرية الأولى “عاصفير بلا أجنحة” عام 1960 وخلال مسيرته الشعرية أصدر حوالي 25 مجموعة شعرية واكب فيها تطور القضية الفلسطينية حيث أطلق عليه لقب شاعر المقاومة، وقد طور خلال تلك المسيرة لغته الشعرية وأسلوبيته التي انتقلت من المباشرة في دواوينه الأولى الى الرمزية والملحمية من دون أن يتخلى عن نبرته الغنائية العالية التي كانت سمة مميزة لشعره.

حاز درويش على جوائز كثيرة منها جائزة لوتس عام ،1969 وجائزة البحر المتوسط عام ،1980 ودرع الثورة الفلسطينية عام 1981 ولوحة أوروبا للشعر عام 1981 وجائزة ابن سينا عام 1982 في الاتحاد السوفييتي وجائزة لينين عام 1983 وغيرها من الجوائز، وقد ترجمت أعماله الى 22 لغة عالمية.

واحدة من أشهر قصائده “أحن إلى خبز أمي”.

نزح درويش الى مصر عام ،1972 ثم انتقل منها الى لبنان حيث عمل في مؤسسة النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وانتخب عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إلا أنه استقال منها احتجاجاً على اتفاق أوسلو.

شغل في حياته مناصب عدة حيث كان رئيساً لرابطة الكتاب والصحافيين الفلسطينيين وقام بإصدار مجلة “الكرمل” حيث شغل فيها منصب رئيس التحرير، وكانت الكرمل من أهم الدوريات التي تعنى بشؤون الابداع الفلسطيني والعربي والدراسات النقدية والترجمات، حيث لعبت دوراً بتعريف القارئ العربي على أهم الابداعات الأجنبية وخاصة إبداعات الكتاب المناصرين لقضايا التحرر العربي والقضية الفلسطينية من أمثال المسرحي الفرنسي جان جينيه والشاعر الأمريكي آلن غينسبرغ والروائي الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز وغيرهم.

عاد محمود درويش الى فلسطين من إقامته الباريسية لزيارة أمه وبقي هناك، حيث أراد أن يكون دائماً، وقد رفض أكثر من عرض لتوليه منصب وزير الثقافة، مفضلاً أن يبقى شاعر الرفض والمقاومة من دون الدخول في زواريب السياسة.

المصدر: وكالات


 

التعليقات

مات أحمد العربي خسر ناك .....خسرناك ...بين الموت والموت كل الأجيال .. بين الحب والحب .....كل فلسطين .... وكل أشجار الزيتون يافا ..حيفا ...رام الله وكل البيارات والبيارق ... مات أحمد ......ومات الدرويش ....لكن الوطن لم يمت .. باق ..أنت ...لن نبكيك ....أكثر ... لك الخلود ..كل الخلود كريم الدين فاضل فطوم

أخذ الرعاة حكايتي وتوغلوا في العشب فوق مفاتن

الأنقاض ، وانتصروا على النسيان بالأبواق والسجع

المشاع ، وأورثوني بحة الذكرى على حجر الوداع ، ولم

يعودوا ...

رأيت الوداع الأخير : سأودع قافية من خشب

سأرفع فوق أكف الرجال ، سأرفع فوق عيون النساء

سأرزم في علم ، ثم يحفظ صوتي في علب الأشرطه

ستغفر كل خطاياي في ساعة ، ثم يشتمني الشعراء .

سيذكر أكثر من قارئ أنني كنت أسهر في بيته كل ليلة .

ستأتي فتاة وتزعم أني تزوجتها منذ عشرين عاما .. وأكثر .

ستروى أساطير عني ، وعن صدف كنت أجمعه من بحار بعيدة.

ستبحث صاحبتي عن عشيق جديد تخبئه في ثياب الحداد .

سأبصر خط الجنازة ، والمارة المتعبين من الانتظار .

ولكنني لا أرى القبر بعد . ألا قبر لي بعد هذا التعب ؟

محمود درويش

 

...............................

..هكذا إذن..رحل «حنظلة» الشعب الفلسطيني، رحل ليراقب عن بعد البيارات والبيارق بعيداً «كزهر اللوز أو أبعد»..

للأرض حكاية أخرى وللعشق حكايات، وللحياة بدايات.. لكن موتك كان له حقيقة واحدة

هزم الموت.. ومات.. رحمة الله عليك

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...