رحلة الموت من سجن رومية إلى تلكلخ
تضاربت الروايات بشأن مقتل الشبان اللبنانيين قرب مدينة تلكلخ السورية إلى حدود التناقض، في ضوء شحّ المعلومات التي توضح حقيقة ما حصل معهم، وما هو عددهم الفعلي وعدد من قتل منهم ومن أُصيب ومن وقع في أسر الجيش السوري، ومن استطاع الفرار.
ومنذ ما بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، تعيش طرابلس حالة من الصدمة والإرباك والقلق لم تعرفها منذ بداية الأحداث في سوريا. فهذه المرة هي الأولى التي يعلن فيها ذهاب شبان منها بشكل جماعي للقتال إلى جانب المعارضة السورية ضد النظام، ثم يُعلن أن عدداً كبيراً منهم سقط قتيلاً.
التضارب الأول في المعلومات كان حول عددهم الفعلي، إذ كان الرقم يتأرجح بين 17 و40 شاباً، لكن مصادر أكدت أن «عددهم هو 15 فقط، وأنهم سلفيون في الانتماء والفكر، وأنهم تعرّضوا لكمين بعد عبورهم الأراضي السورية في محيط بلدة تل نسرين وهم في طريقهم نحو تلكلخ». وبعدما كانت المعلومات تتحدث عن مقتل 17 شاباً وصولاً إلى 22، نزل الرقم فجأة إلى 4 فقط، من غير أن يُبرر أحد هذا التفاوت الكبير. لكنّ التلفزيون السوري عاد ورفع العدد إلى 21، «سقطوا بين قتيل وجريح». وعرض التلفزيون صور جثث أمس، فيما قال أحد العسكريين السوريين إن جميع أفراد المجموعة قُتِلوا في الكمين.
لكن المفاجأة كانت في ما كشفته مصادر إسلامية مطّلعة من أن الشبان «ذهبوا إلى سوريا تلبية لدعوة خ. م.، أحد قياديي تنظيم فتح الإسلام الذي أُفرج عنه منذ مدة غير بعيدة، وأنه ذهب إلى سوريا للقتال إلى جانب المعارضة، وأسّس ما يشبه إمارة إسلامية في منطقة تقع قرب مدينة حمص». وأضافت أن «مقربين من خ. م. عملوا على تنظيم مجموعات من أجل إرسالها إلى سوريا، استجابة لنداء الجهاد الذي دعاهم إليه. وأرسلوا أفراداً محدودين لهذا الغرض في فترات سابقة، قبل أن يُرسِلوا هذا العدد الكبير من الشبّان دفعة واحدة».
وزاد من ترجيح هذه المعلومات أن الأشخاص الذين كانوا يرتبون إرسال الشبّان من طرابلس إلى سوريا لهذا الغرض اختفوا عن الأنظار، وفق ما أكدت لـ«الأخبار» مصادر أمنية. ومع أن المصادر الإسلامية المطّلعة أكدت أن أعمار هؤلاء الشبان تراوحت بين 19 و26 عاماً فقط، فقد رأت أن «الروايات المتضاربة بشأن كيفية تعرّضهم لكمين من قبل الجيش النظامي لم تتضح بعد، ولا تبيّن ما إذا كان هناك فعلاً من وشى بهم وكيف، ومن هي الجهة التي فعلت ذلك». ولفتت المصادر إلى أن «ذهابهم علانية بعد أدائهم صلاة الصبح يدل على أنهم غير واعين لما أقدموا عليه، وينقصهم الكثير من الخبرة القتالية، ما يُرجّح أن يكون قد غُرّر بهم فذهبوا من غير أن يعرفوا وجهتهم الفعلية وما ينتظرهم من مخاطر». وإذ رأت المصادر الإسلامية أن «من أرسل الشبان إلى سوريا وحده من يملك المعلومات الكافية عنهم»، أكدت أن «ما أشيع عن علاقة حسام الصباغ (أبرز وجه سلفي جهادي في طرابلس وله حضور كبير بين أوساط السلفيين) بالمجموعة لا أساس له من الصحة أبداً، لأنه فور شيوع النبأ عقد اجتماعاً مع كوادر باب التبانة (وهو ما أكده شهود عيان)، أوضح لهم فيه أنه لا مصلحة لنا أبداً في افتعال إشكال مع الجيش، ولا مع جبل محسن، لأن معركتنا ليست معه». ونقل بعض من التقوا صباغ قوله إن «سوريا ليست بحاجة إلى مقاتلين للذهاب إليها كي يحاربوا النظام».
أهالي الشبّان أصيبوا بالصدمة لأنهم لم يكونوا مطّلعين على ما يُخطط له أبناؤهم، وقعوا في إرباك كبير، وأصيب بعضهم بانهيار عصبي، إذ بعدما قام بعضهم بنعي من أُعلن أنه قتل منهم، وألصقت صورهم على جدران مدينة طرابلس، عمدوا إلى إزالتها بعدما تلقّوا رسائل «إس.إم. إس.» من هواتف سورية تفيد أنهم بخير، وأنهم موجودون في أماكن آمنة لدى الجيش السوري الحر.
لكن أمس، بعدما بثّ التلفزيون السوري صور قتلى تلكلخ مع أسمائهم، خيّم حزن كبير على أهاليهم، وساور القلق أهالي البقية من أفراد المجموعة لعدم معرفتهم مصير أبنائهم، بينما قام آخرون بنصب خيمة في محلة المنكوبين، قالوا «إنها لاستقبال المهنئين الذين سيأتون للتبريك بسقوط شهداء لنا يجاهدون ضد النظام الظالم في سوريا». وطالب الأهالي الدولة اللبنانية «بالتقصّي عن أبنائنا ومعرفة مصيرهم لدى السلطات السورية، وإحضار جثثهم من أجل دفنهم في مقابرنا». ولفت موقف عائلة الشاب خضر علم الدين الذي ظهرت صورة جثته على التلفزيون السوري، إذ حمّل والده «الجهات المضللة المنتشرة في الشمال» مسؤولية التضحية بابنه، مؤكداً أنه لم يكن يعلم أنه في سوريا، وطالب بمحاسبة الجهات التي عبثت بعقل ابنه ورفاقه. وقال : «لو أراد ابني الذهاب إلى إسرائيل لمقاتلة الإسرائيليين كنت أرسلته بنفسي. أما أن يأخذوه للمشاركة في فتنة ضد دولنا فهذا لا يجوز».
وفي تيار المستقبل برز موقفان؛ الأول دعا إلى عدم إرسال المقاتلين إلى سوريا، فيما أشاد الثاني بما فعله الشبان، معتبراً أن عائلاتهم تفخر بهم. وأطلق هذين الموقفين نواب شماليون، فيما رأى النائب محمد كبارة أن هؤلاء الشبان استفزّهم «قتال حزب السلاح إلى جانب النظام».
عبد الكافي الصمد
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد