دمشق تشتبك ديبلوماسياً مع القاهرة والرياض وبوش يجدد دعم السنيورة

17-01-2008

دمشق تشتبك ديبلوماسياً مع القاهرة والرياض وبوش يجدد دعم السنيورة

اختتم الرئيس الأميركي جورج بوش جولته في المنطقة كما بدأها، بمهاجمة سوريا وإيران، اللتين اتهمهما و(حلفاءهما» بتقويض عملية انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، في الوقت الذي أثمرت فيه الزيارة، قبل أن تنتهي، مزيداً من التعقيد سواء في فلسطين، حيث باشرت إسرائيل تنفيذ خطتها الدموية بارتكابها مجزرة في غزة، أمس الأول، أو في لبنان حيث تشير التصريحات من الداخل والخارج إلى أنّ لا حل يلوح في الأفق على الرغم من العودة المكوكية للأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الى بيروت ومحاولته جمع الأطراف المتخاصمين مجددا.
ولم يغب عن بال جورج بوش أن يؤكد أنه خصص جزءا يسيرا من وقته في جولته من أجل بلورة استراتيجية مشتركة مع قادة دول المنطقة على قاعدة دعم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وإجراء انتخابات رئاسية عاجلة وغير مشروطة، في إشارة مكملة لما كانت قد تبلغته قيادات لبنانية عدة، خاصة ضمن فريق الرابع عشر من آذار، من أحد أبرز رموز «المحافظين الجدد» في البيت الأبيض إليوت أبرامز ومساعد وزير الخارجية الأميركية السفير ديفيد ولش «بوجوب الذهاب الى الانتخاب الرئاسي فورا ومن دون تسوية مشروطة بتشكيل حكومة وحدة وطنية وذلك تحت طائلة أن تستمر حكومة السنيورة في ملء الفراغ الرئاسي حتى إشعار آخر»!.
وإذا كانت جولة بوش قد اصطدمت بتحفظات خليجية حول حشد الدعم في مواجهة إيران، أو هكذا بدا، فإنّها في المقابل شهدت تأكيداً على التحالف الاستراتيجي سواء من خلال الحفاوة المبالغ بها عند استقباله في العواصم الخليجية، أو من خلال تأكيد إدارته على أن صفقة التسلح الضخمة بدأت تشق طريقها في الكونغرس تمهيداً لإقرارها، والتطمينات السعودية له بالسعي لكبح أسعار النفط.
ولعل أدق توصيف قيل في زيارة بوش الى المنطقة بأنها «شبيهة بتلك التي قام بها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عشية مغادرته مقر رئاسة الحكومة»، علما أن «الرسالة السياسية» التي وجهتها الزوارق الايرانية للبوارج الأميركية، في مضيق هرمز
الاستراتيجي، قبيل وصول بوش بساعات، كانت كفيلة مسبقا بتنفيس الزيارة حيث بدا الرئيس الأميركي محتاجا الى دعم العرب أكثر من قدرته على تقديم الدعم لهم، في الوقت الذي ظلت فيه جهات لبنانية وعربية تراهن على تدويل الأزمة اللبنانية، وهو أمر بات يبدو اشبه بفقاعات صابون عند معظم قوى المعارضة اللبنانية التي عبّرت، خاصة بلسان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله عن رغبة بالذهاب الى المواجهة المباشرة مع الأميركيين ومشروعهم في لبنان والمنطقة وهو أمر سيعيد نصر الله التأكيد عليه، خاصة في خطاب عاشوراء يوم السبت المقبل.
وقال الرئيس الأميركي، في زيارة الساعات الثلاث إلى شرم الشيخ، خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس المصري حسني مبارك، إنه «من الضروري أن تدعم دول هذه المنطقة حكومة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، وتشجيع إجراء انتخابات رئاسية عاجلة وغير مشروطة وفقا للدستور اللبناني»، مشيراً إلى أنّه من المهم أن «تفهم سوريا وإيران وحلفاؤهما أنه يتوجب عليهم إنهاء تدخلاتهم لتقويض هذه العملية». وجدد بوش تأكيد «التزامه بالديموقراطية في لبنان». وقال رداً على سؤال طرح عليه عبر موقع البيت الأبيض على شبكة الانترنت إنّ «سوريا تواصل تخريب نتائج العملية السياسية في لبنان»، مجدداً دعمه لحكومة السنيورة و«الجهود التي يبذلها فريق 14 آذار لانتخاب رئيس بحسب الدستور».
وأضاف «خلال جولتي (في المنطقة) خصصت الوقت مع القادة في الشرق الأوسط لبلورة استراتيجية حول كيفية القيام بالأفضل من أجل مساعدة اللبنانيين في حل مشكلتهم المتعلقة بالتدخل السوري وحماية ديموقراطيتهم». وتابع بوش «اتفقنا على انه من المهم لدول هذه المنطقة ان تدعم رئيس الوزراء (اللبناني) فؤاد السنيورة».
في هذه الأثناء، سارعت دمشق الى «الاشتباك» دبلوماسيا مع الرياض والقاهرة، على خلفية المواقف التي أطلقها كل من وزير خارجية السعودية الأمير سعود الفيصل ووزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط وطالبا فيها سوريا بممارسة ضغط على قوى المعارضة اللبنانية للقبول بالمبادرة العربية وتفسيراتها. وقال وزير الاعلام السوري محسن بلال في مؤتمر صحافي عقده، أمس، ان سوريا «ملتزمة بالبيان الذي اصدره الوزراء العرب بشأن لبنان، وهي مستعدة لتسهيل الجهود التي سيبذلها عمرو موسى لتنفيذ ما ورد في البيان، لكن مساعي سوريا وحدها لا تكفي وتتطلب ايضا من الدول الاخرى العمل على اقناع حلفائها بالحل».
وأضاف بلال «سوريا ليست وحدها من تحظى بصداقات في لبنان وإن للسعودية ومصر اصدقاء ايضا بين صفوف الموالاة وللسعودية دور كبير في لبنان»، مضيفا «اما ان يطلب من سوريا الضغط على حلفائها فهذا خروج على مبادئ المبادرة العربية بشأن تسوية الازمة اللبنانية لان المبادرة العربية جعلت المسؤولية مشتركة على المستوى العربي».
ورفض الوزير بلال في بيان مكتوب ومدروس، أي ربط بين انعقاد القمة العربية في موعدهافي العاصمة السورية وبين المسألة اللبنانية وقال إن «مؤتمر العرب شأن كل العرب وليس سوريا فقط ويتعين عدم ربطه في مسائل متفق أو مختلف عليها لأن ذلك ليس في مصلحة العمل العربي المشترك»، وختم «نتطلع إلى مؤتمر عربي والقمة ستعقد في دمشق في موعدها والتحضيرات جارية لاستضافتها».
وجاء رد دمشق متزامنا مع سفر وزير الخارجية وليد المعلم إلى برلين حيث نقلت مصادر مطلعة عنه تأكيده على «رغبة سوريا في تشجيع ألمانيا على لعب دور أكبر في المنطقة». وقالت مصادر أن المعلم يسعى للعودة الى دمشق يوم الجمعة بهدف لقاء عمرو موسى الذي يتوقع وصوله صباح اليوم نفسه الى العاصمة السورية، على أن يبقى فيها حتى مساء اليوم التالي (السبت).
ومن المقرر أن يعقد موسى لقاءات مع الرئيس بشار الأسد ونائبه فاروق الشرع والوزير المعلم، علما أن زيارة موسى مقررة أصلا للمشاركة في افتتاح احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية. 
وقالت مصادر سياسية سورية إن التطرق إلى التفاصيل «ليس في صالح مهمة عمرو موسى لأنه يقوي فريقا لبنانيا على آخر»، في الوقت الذي نصت المبادرة العربية على «تشجيع التوافق على أساس مبدأ الشراكة وقاعدة لا غالب ولا مغلوب».
في غضون ذلك، بدأ عمرو موسى، أمس، جولة لبنانية جديدة، التقى خلال ساعاتها الأولى، أولاً النائب ميشال المر ثم الرئيس نبيه بري بعده زار الرئيس الدكتور سليم الحص فرئيس الحكومة فؤاد السنيورة.
واختتم لقاءاته بلقاء مطول مع قيادات الأكثرية في منزل النائب سعد الحريري في قريطم وقد حضر اللقاء الرئيس أمين الجميل، رئيس كتلة «المستقبل» النيابية سعد الحريري، رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، رئيس الهيئية التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، الوزير غازي العريضي، النائب باسم السبع، النائب السابق غطاس خوري، مدير مكتب موسى السفير هشام يوسف ومستشار رئيس الحكومة محمد شطح.
وجرى خلال اللقاء الذي تخلله عشاء عمل عرض حصيلة آخر ما وصلت إليه الجهود الرامية الى انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، كما جاء في البيان الذي وزعه المكتب الإعلامي للحريري.
ومن المقرر أن يلتقي موسى اليوم عدداً من القيادات السياسية أبرزها النائب العماد ميشال عون على أن ينتقل صباح غد الجمعة إلى العاصمة السورية. 
وقالت مصادر سياسية لبنانية، أن موسى يواصل مهمته من النقطة التي توقف عندها في زيارة الأسبوع الفائت، أي محاولة جمع النائبين عون والحريري بحضوره، وهي عملية بدا أن حظوظها أفضل من المرة السابقة، ولكن وفق «أجندة» المبادرة العربية المثلثة الأضلاع (رئاسة وحكومة وقانون انتخابي).
ولم تستبعد المصادر السياسية نفسها، أن يشكل اللقاء بين عون والحريري، اذا وافق الطرف الثاني على عقده، فرصة لتطوير الصيغة الثنائية نحو صيغة موسعة على شاكلة طاولتي الحوار أو التشاور وربما أقل منهما، ولكن ضمن عناوين المبادرة العربية.
وحول ما اذا كان النائب المر قد طرح على عمرو موسى، «صيغة سحرية» جديدة، تقوم على كسر المعادلات المتبعة حتى الآن، في موضوع حكومة الوحدة الوطنية، أجابت المصادر أن عمرو موسى، حرص خلال لقاءاته، أمس، على القول إن سقف تحركه الدبلوماسي في بيروت لن يتجاوز سقف المبادرة العربية، لكن اذا قرر اللبنانيون ايجاد طريقة أخرى، من نوع قيام حكومة انتقالية أو غيرها، فهذا أمر يعود اليهم وحدهم وإذا كان يوصل بلدهم الى بر الأمان، فإنه سيحظى حتما بدعم وتشجيع عربيين». يذكر أن موسى توجه برفقة مساعديه السفير هشام يوسف وطلال الأمين من مطار بيروت مباشرة الى مقر إقامتهم في فندق الفينيسيا، حيث اجتمعوا بالنائب المر قبل أن يلتقوا لاحقا بري والسنيورة والحص والحريري.
الى ذلك، لم تستبعد مصادر دبلوماسية فرنسية إمكان اللجوء إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار بشأن الأزمة اللبنانية في حال فشلت خطة الجامعة العربية بإيجاد مخرج للأزمة وانتخاب رئيس لبناني توافقي، ولكنها أكدت أنه لا يوجد حتى الآن مشروع قرار قيد الدرس على هذا الصعيد في مجلس الأمن.
وقالت المصادر لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء «نأمل فعلا أن يتوصل اللبنانيون من خلال خطة الجامعة العربية إلى إيجاد مخرج للأزمة وانتخاب قائد الجيش ميشال سليمان رئيسا للبلاد باعتباره المرشح التوافقي، وباريس تدعم هذه الخطة وتساند الأمين العام للجامعة عمرو موسى، ولكن في حال فشلت الخطة فهل نبقى مكتوفي الأيدي؟».
وأعربت المصادر عن «اعتقادها» بضرورة وجود «دينامية دولية» بشأن لبنان، ونوهت بأن المبادرة العربية تصنف حاليا في هذا الإطار، ولكن إذا فشلت فلا بد من دينامية أخرى وقد تجد الدول الكبرى ضرورة للجوء إلى مجلس الأمن لإيجاد هذه «الدينامية»، على حد قول المصادر المتابعة للشأن اللبناني.

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...