حول هشاشة النخبة المثقفة في سورية
سوسن الحسن:
في مختلف صنوف المعرفة العلمية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كما في هيغل وماركس وفيبر ونيتشة وغيرهم. عانى معظم أولئك المفكرين من شظف العيش والفقر والحاجة وإنعدام توفر فرص مستقرة للعمل في بلدان تمر بأصعب مراحل التحول اذ شهدت الأوضاع السياسية في تلكم البلدان اضطرابات وثورات دموية تناحرية قاتلة أودت بصانعيها ومؤيديها والمتأثرين فيها كما في الثورة الفرنسية وبعدها بمائة عام تقريبا الثورة الأمريكية.هنا في سوريا تتوفر ظروف مشابهة لما حدث في الماضي البعيد في وخارج منطقتنا العربية. فنحن نعيش مرحلة من التدهور السياسي غير المسبوق الى جانب قدر واسع من حرية التعبير ساعد عليه وسهله إنتشار وسائل التواصل الأجتماعي مما أدى إلى توسيع دائرة المعارف والأصدقاء القريبين والبعيدين على السواء. في ظروف معينة وبنوايا معبئة بالأمل بدا وكأنه قد خلق لدينا ملامح طبقة سورية مثقفة وان قل شخوصها إلا أن إستعادة فكرة الطبقة أو النخبة وتعريفاتها الشائعة كونها تشير إلى كم واسع من الناس يتسمون بمستوى ثقافي واعي متقارب بأفكار وتوجهات متماثلة يجعل البحث عنها في الواقع الراهن أقرب الى الأحلام المستقبلية البعيدة.
بالحقيقة في ظل ظروف التحول التي تعيشها سوريا منذ 2011 يبدو معقولا القول أنه قد برزت نخبة سياسية بدت وكأنها تحمل الأمل المرتجى وبخاصة بعد عقود من التغييب والتمييع والمصادرة للرأي والرأي الآخر التي كان ثمنها حياة الآلاف المؤلفة من السوريين. اذ كان يمكن لهذه لنخبة أن تحكم سيطرتها بالتراضي على المجتمع مستعينة بنظام تشاركي ديمقراطي يلقي دعما وترحيبا شعبيا واسعا بدليل الأستجابة للمشاركة والاندفاع للعمل وممارسة الحريات الشخصية والسياسية من قبل قطاعات واسعة من أبناء المجتمع. إلا أن الفشل في إيجاد حلول لمشاكل الوحدة الوطنية والمصالحة فيما بين الأطراف المتنازعة وإنكشاف أمر الفساد المالي والسياسي المستشري أدى الى إذكاء التذمر والأحتجاج وعدم الرضا المجتمعي مما أتاح المجال لظهور معالم نخبة سورية مثقفة وواعية وملتزمة وجدتها سواء في الواقع الحقيقي أو الافتراضي هنا عبر شخوص كثيرة تطلق على نفسها تسميات متعددة بحسب مرجعياتها السياسية والثقافية والاجتماعية كما في التيار المدني أو العلماني أو الديموقراطي. ولعل القاسم المشترك بين كل هذه الشخوص والجماعات والتيارات سعيها الى التغيير والتحريض عليه ليس بأسلوب الثورة التقليدية وإنما بأسلوب المطالبة والأحتجاج والنقد والكشف والتلويح. إلا أنه وكما يحدث على الصعيد الاجتماعي عادة كان لا بد لهذه الشخوص السورية الصاعدة من أن تمتحن. وهنا ظهرت الإشكالية التي قادت نحو انهيار مايسمى ثورة بمطالب محقة إذ لم تسلم هذه الجماعات من إظهار تحيزاتها المتنوعة ليس فقط على المستوى السياسي وهذا أهون الشرور وإنما على مستوى التحيزات الدينية والمذهبية والمناطقية على وجه التعيين. ولعل فيما ظهر من ردور فعل واسعة ساهمت فيها مؤسسات إعلامية وصحفية وكتاب ورؤساء تحرير وناشطين وأدباء وأكاديميين أن فتح الباب واسعا أمام الكثيرين مما أدى الى إندفاعات كبيرة أظهرت من بين ما أظهرته هشاشة تلك النخبة المثقفة بدليل تراجع المحسوبين عليها أو المعتقدين أنهم يمثلون جزءا حيويا منها الى قواقع متعددة لعل من أبرزها قواقع الطائفة والمنطقة والتفكير العنيف.ويبرز السؤال هنا عن دور تلك النخبة والمميزة وأين هي؟
يعيش مجتمعنا في ظل ظروف متاحة لقيادة التحول بالاتجاه المرغوب والمطلوب وما على النخبة الواعية إلا أن تعزز خطواتها ومساعيها لتحقيق الغرض شريطة ألا تنسى أنها من أجل أن تكون مؤثرة بحق فإن عليها أن تكون أكثر من صورة تنشر على الفيس ولافتة تعلق في مكان ما وحشد من المعجبين والمجاملين بل وحتى المحبين الصادقين على وسائل التواصل الاجتماعي أو قاعات الندوات والمؤتمرات ذات الطبيعة الاحتفالية والمهرجانية. فمتى نشهد ولادة ملامح نخبة سورية مثقفة تلوح في الأفق لتغذي الخطى في أطول الطرق التي اخترنا الخوض فيها طوعا أم قسرا أن نقطعها في ظل هذه الأزمة بعيدا عن أسباب الطائفة والمنطقة والتفكير العنيف لتكون قريبة من حقيقة أن سوريا واحدة أحد في مواجهة الإساءة والتهوين للوصول بمجتمعنا الى بر الأمان.
إضافة تعليق جديد