حلب 66 يوماً والعد التنازلي
تعتبر مدينة حلب المحافظة الاكبر في سوريا من حيث عدد السكان والعاصمة الاقتصادية والتجارية للدولة السورية والرافد الاساسي لها على صعيد الانتاج الزراعي والصناعي والحرفي وفيها تتمركز الطبقة البرجوازية من صناعيين ورجال اعمال ومستثمرين، والمدينة الاستراتيجية الثانية بالنسبة للنظام، واحد اهم معاقله الاساسية بعد العاصمة دمشق حتى اعتبرت انها مركز الثقل لديه نظرا لحجم التاييد الشعبي والسياسي له اضافة الى موقع حلب الجغرافي حيث تمتد على حدود تركيا بمسافة 800 كلم وتتصل بادلب وحماه ما يجعلها موقعا استراتيجيا من الناحية العسكرية والامنية والاقتصادية وهدفا اساسيا وهاما للمجموعات المسلحة المعارضة للسيطرة عليها لتوفير قاعدة استراتيجية وبيئة افتراضية لهم ينطلقون منها كرقعة جغرافية كي يتمكنوا من اعلان دولة لهم تؤدي فيما بعد لاعلان حكومة علهم ياخذون اعترافا من الدول الخارجية التي لها اطماع تاريخية في حلب كتركيا خصوصا، كما تعتبر حلب خطا احمر للنظام السوري وعمل جاهدا كي يحول دون دخولها في المعارك الدائرة في سوريا ولكن اصرار وتصميم الدول الخارجية والدعم الامني والعسكري والمالي والتكنولوجي والاستخباراتي وخصوصا من تركيا التي سخرت حدودها لادخال الاف المسلحين الاصوليين والسلاح من دول عربية وافريقية عديدة جعل من حلب معركة فاصلة ووجودية بالنسبة للنظام والمعارضة المسلحة في آن معا حتى اطلق عليها "ام المعارك" والتي ستقرر هوية الفريق المنتصر في هذه الحرب!
كل ذلك ادركته القيادة العسكرية والامنية والسياسية السورية منذ البداية ووضعت خططا واستراتيجيات قتالية ودفاعية خاصة تتمحور ضمن هدفين:
- عدم زج الجيش السوري في حرب مع مجموعات تعتمد حرب العصابات اسلوبا في القتال لتقليص الخسائر البشرية مع استخدام اسلوب زرع الكمائن لاستدراج المسلحين والهجمات الفجائية لتكبيدهم خسائر فادحة وهذا ما نجح نسبيا ويظهر ذلك من خلال اعداد القتلى في صفوف مسلحي المعارضة.
- العمل قدر المستطاع على ابقاء العمليات العسكرية في الريف وابعاده عن حلب المدينة وابقائها تحت سلطة الجيش وسيادة الدولة السورية وهذا ما تحقق نسبيا باستئناء بعض الاحياء في شمال حلب ووسطها التي يتمركز بها عدد من مسلحي المعارضة بعد نجاحهم في النفاذ اليها.
ما حقيقة الوضع الميداني على الارض في حلب وضواحيها ومن الذي يسيطر فعليا ؟ وماذا يحدث وكيف تسير العمليات العسكرية؟
دخلت حلب مرحلة التصعيد الغير مسبوق بالعمليات العسكرية للجيش السوري ويقابلها ايضا تصعيد في اعمال العنف للمجموعات المسلحة
تداول سكان بعض مناطق حلب منها : السكري و الميسر والصالحين وباب النصر حول توزيع المجموعات المسلحة التابعة لجبهة النصرة منشورات مفادها توديع الاهالي لهم وأنهم يريدون الرحيل عن سوريا للجهاد في مالي
- المعطيات الأمنية على الأرض:
قرية عنجارة (20 كيلو متراً غرب حلب) -بني زيد وبستان القصر والقاطرجي وطريق الباب وأرض الحمرا وقرب مبنى «شهبا مول» في منطقة الليرمون على طريق اعزاز - مدينة حلب القديمة - شارع طلعة السجن ذو الموقع الإستراتيجي المهم لجهة إطلالته على منطقة السبع بحرات القريبة من مركز المدينة - منطقة السويقة الأثرية وشارع الزهراوي، المختص ببيع الألبسة والواقع تحت القلعة من طرف الجامع الأموي، وصولاً إلى طلعة السجن التي هي ملتقى لطرق أحياء عديدة في المدينة القديمة إلى باب الحديد وباب النصر الذي يشكل منطلقاً لهجمات المسلحين نحو جادة الخندق فمركز المدينة.- إشارات عوجة الكيالي في منطقة السبع بحرات - جادة الخندق ومنطقة السويقة وكذلك نحو باب النصر - حي العقبة المطل على باب إنطاكيا بحلب القديمة وفي حي الجديدة المتاخم لها ---
هذه المناطق والاحياء المذكورة اعلاه شهدت ومنذ اسابيع الى يومنا هذا معارك ضارية بين الجيش السوري ومقاتلي المعارضة ادت الى بسط الجيش السيطرة على معظمها وخسائر للمسلحين الي تقدر بحسب مصادر اهلية بالآلاف بمجموع المناطق ومعظمهم من الاجانب والعرب التابعين ل "تنظيم القاعدة" كما تم استهداف مقرات لمسلحين عند معمل الجرارات والمحالج شرق النيرب وفى تل حاصل وتل شغيب وكفر انطون وتل عجار ومنغ وماير في ريف حلب.
مصادر امنية واسعة الاطلاع على سير العمليات الميدانية كشفت عن عملية نوعية نفذها الجيش في المعهد الرياضي بحي بستان الباشا في حلب خرقت اصداؤها اجتماع الذي عقده رئيس الوزراء التركي اردوغان مع كبار قادته الامنيين ادت إلى مقتل المدعو «أبو بحري» عربي الجنسية قائد «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة في المنطقة مع أربعة ضباط أتراك وثمانية مسلحين آخرين بالإضافة إلى إصابة عبد القادر صالح قائد ما يسمى «لواء التوحيد» الفصيل المسلح الأكبر في المدينة
وأكدت مصادر أهلية أن سلاح المدفعية في الجيش الذي استهدف تجمعاً للمسلحين في قرية عنجارة (20 كيلو متراً غرب حلب) أودى بحياة عبدو زمزم قائد ما يدعى بـ«لواء أهل البيت» مع عميد منشق وعشرين مسلحاً آخرين كانوا يتأهبون لمهاجمة مدرسة الشرطة التي تقع على بعد 10 كيلو مترات من حلب ولم ينجح حصارها والهجمات المكثفة عليها من اقتحامها.
كما استهدف الجيش مراكز تجمع المسلحين في أحياء بني زيد وبستان القصر والقاطرجي وطريق الباب وأرض الحمرا وقرب مبنى «شهبا مول» في منطقة الليرمون على طريق اعزاز في قتل أعداد كبيرة من المسلحين وتدمير عتادهم العسكري.
مصادر ميدانية اكدت بسط الجيش سيطرته على شارع طلعة السجن الموقع الإستراتيجي الهام لجهة ان يطل على منطقة السبع بحرات القريبة من مركز المدينة والتي تشهد على الدوام اشتباكات وغارات من المسلحين كما استطاع الجيش السوري تأمين الطريق الواصل إلى قلعة حلب التاريخية وشن عمليات نوعية فتقدمت من طرف حي البندرة الذي يتمركز فيه القناصون وقضت على أعداد كبيرة منهم في طريقها إلى طلعة السجن.
وفي ظل هذا التصعيد العسكري أصبح الجيش هو المهاجم وكسر قاعدة الكر والفر في معركته مع المجموعات المسلحة وخرج من قوقعة التمركز والدفاع بل امتد الى المناطق المذكورة سابقا وبسط سيطرته عليها وانتقل الي المناطق التي تليها
بالمقابل وجهت «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة صفعة قوية إلى قادة ألوية ما يسمى «الجيش الحر» في حلب باقتحامها مقر «الدائرة الثانية» لـ«مجلس القضاء الموحد» وإهانة وضرب وتكفير قضاتها ما ينذر بصدام مسلح بين الطرفين بدت نذره تلوح في الأفق.
وتفيد آخر الأنباء أن قادة الكتائب والألوية ما زالوا مستنفرين للقصاص من جبهة النصرة وهيئتها «الشرعية» وعقدوا اجتماعات عديدة في «مجلس القضاء الموحد» بحي الأنصاري وأعدوا العدة لرد الاعتبار فجهزوا السيارات المزودة برشاشات دوشكا وأخرى ثقيلة... والصدام متوقع ووشيك في أي لحظة.
يبدو ان حلب تعتبر المعركة الفاصلة والحاسمة بالنسبة للنظام ومقاتلي المعارضة بسب اهميتها الاستراتيجية وبات واضحا ان الحلف الداعم لمقاتلي المعارضة حشد كل طاقاته العسكرية والامنية والمالية والتكنولوجية واعد العدة في محاولة للسيطرة عليها حتى تبين واستنادا الى معلومات دقيقة ان وحدات قتالية خاصة تابعة للجيش التركي شاركت بشكل مباشر الى جانب مقاتلي المعارضة في العديد من العمليات وسقط منها قتلى وجرحى.
كما يبدو من خلال هذه الوقائع الميدانية ان الجيش حقق تقدما كبيرا على مساحة المعركة في حلب ويظهر اداءا مميزا وشجاعة نادرة فائقة في القتال ويبدو ذلك من خلال اعادة العديد من المناطق والاحياء الى سيطرته التي كانت تعتبر من معاقل تنظيمات المعارضة المسلحة فنرى مثلا مناطق تعتبر بعدا استراتيجيا لمسلحي المعارضة حيث تمت استعادتها ومخفر الزبدية وضرب مدارس زكي جمعة و ابي عبيدة بن الجراح والتي تعتبر القواعد الرئيسية لهم والتي يتم من خلالها تصنيع العبوات والصواريخ وتوزيع السلاح ومكان اجتماع قادة جبهة النصرة في حلب بالمقابل هناك تقهقرا لمقاتلي المعارضة ويظهر ذلك من خلال المعارك التي تدور رحاها في ريف حلب بين مقاتلي الجيش الحر و"جبهة النصرة" اضافة الى انشقاقات بين الجيش الحر والتصفية المتبادلة بين المسؤولين داخل تنظيم "جبهة النصرة"
صحيح ان ساعة الحسم في حلب لم تحن بعد ولكن الجيش السوري يخطو خطوات ثابتة نحو تأمين المناطق الشرقية والشمالية ويمكن القول ان سيطرة الجيش على حلب كاملة وهو المتحكم الحالي بالمنافذ والمداخل والمخارج للمدينة وتواجد المسلحين محصور ببعض المناطق وهم محاصرون، اما بالسكري و الانصاري الجيش يتقدم من 3 محاور لمحاصرتهم ومحور بستان القصر ومحمور الصالحين ومحور الكلاسة ولكن ترك لهم منفذ للهروب والانسحاب لكنه ينتهي بالراموسة مايعني انهم تحت نيران كلية المدفعية ومن المتوقع ان تشهد حلب في الشهرين القادمين تصعيد كبير.
من الواضح لاي مراقب ان القيادة السورية رسمت حدا ادنى لمقاتلي المعارضة تبدأ من الحؤول دون سيطرة مقاتلي المعارضة على حلب المدينة سيطرة كاملة ودفعهم الى الارياف بقدر الإمكان وتركهم يتحركون في مناطق الارياف المتواجدة فيها دون ملاحقتهم هناك حيث تنقلب هناك المعادلة لصالح مقاتلي المعارضة نظرا لتضاريس المنطقة المليئة بالجبال والهضاب والغابات الكثيفة والإقتراب من الحدود التركية بالرغم من تنفيذ الجيش السوري بعض الهجمات هناك مدعوما بالطائرات الحربية والقصف المدفعي المكثف.
معركة حلب العسكرية توازيها معركة سياسية دبلوماسية تفاوضية ساحتها طاولة المفاوضات الاقليمية الدولية وخاصة الطاولة الروسية الاميركية وكل منهما يراقب عن كثب ويشغل ميزان الذهب لديه لمعرفة موازين القوى العسكرية في حلب واصبح واضحا ان تقدم الجيش السوري عسكريا انعكس على سير التفاوض واجبر الدول الخارجية على اعطاء الاوامر لتنظيمات المعارضة للموافقة على المشاركة في طاولة حوار مع النظام وتنازلت عن كل شروطها التي وضعتها سابقا!
سلوم عبدالله – محمد حمية
المصدر: توب نيوز
إضافة تعليق جديد