تقويم الأداء السلوكي للسياسة الخارجية الإسرائيلية في الفترة القادمة
الجمل: يقف الزعماء الإسرائيليون بمختلف توجهاتهم في مواجهة موقف يتضمن إشكالية تعدد وتضارب الخيارات والمسارات المصحوبة بحالة عدم الرؤيا وتضارب الأهداف وبكلمات أخرى لا يوجد زعيم إسرائيلي واحد في الوقت الحالي يملك القدرة على تقديم إجابة محددة واضحة على السؤال القائل: ما الذي يتوجب القيام به على وجه الدقة في الفترة المقبلة؟
* صنع القرار الإسرائيلي: لعبة تعدد المسارات في مواجهة إشكالية اختلاط الأوراق:
تشير المعطيات الجارية إلى أن إسرائيل تواجه موقفاً بالغ التعقيد إزاء جملة من القضايا العاجلة الملحة والتي تتمثل في الآتي:
• ملف السلام مع سوريا.
• ملف السلام مع الفلسطينيين.
• ملف العلاقات مع تركيا.
• ملف البرنامج النووي الإيراني.
• ملف الخلافات الداخلية الإسرائيلية.
• ملف العلاقات مع واشنطن.
• ملف العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
• ملف الصراع مع حماس.
• ملف الصراع مع حزب الله.
هذا، وجميع هذه الملفات تتطلب التحرك العاجل والحسم، ولكن قدرة الإسرائيليين على التعامل مع هذه الملفات ستظل محدودة لفترة طويلة وذلك لعدة أسباب أبرزها:
• إن هذه الملفات تتميز بالتداخل المكثف الشديد التقاطعات.
• إن هذه الملفات يصحب ترتيبها وإسقاط أجندتها ضمن جدول أعمال واضح محدد بسبب أن التقدم في كل ملف يتطلب تقدماً في الملفات الأخرى إضافة إلى عدم قدرة الإسرائيليين التصرف بمفردهم في هذه الملفات دون التنسيق مع واشنطن والتي أصبحت بعد صعود إدارة أوباما أكثر اختلافاً عن إدارة بوش التي كانت تضع كل شيء تحت تصرف تل أبيب.
تمارس الرؤى الإسرائيلية المتعاكسة حضورها القوي في الساحة السياسية الإسرائيلية وبسبب هذا التعاكس بدأت أطروحات القوى السياسية الإسرائيلية الرئيسية أكثر تعاكساً لجهة عدم التناسق بين منظور الوضع السياسي الكلي والجزئي، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
• بنيامين نتينياهو زعيم مدرسة الصقور السياسية الإسرائيلية ظل طوال الفترة الماضية يطرح أكثر المواقف تشدداً ضد سوريا والفلسطينيين وحركة حماس وحزب الله، ولكنه بسبب ضغوط ملفات السياسية الإسرائيلية الحالية بدأ يطلق التصريحات القائلة أنه سيعمل من أجل السلام مع سوريا والفلسطينيين.
• تسيبي ليفني زعيمة مدرسة الحمائم في السياسة الإسرائيلية ظلت خلال الفترة الماضية تطرح ضرورة أن تعمل إسرائيل من أجل السلام مع سوريا والفلسطينيين ولكنها بسبب ضغوط ملفات السياسة الإسرائيلية الحالية بدأت تطلق التصريحات المتشددة التي تطالب بتشديد الضغوط على سوريا والفلسطينيين.
تتضمن المذهبيات السياسية أي مذهبيات ما يعرف بالاستراتيجية والتكتيك وعلى ما يبدو فإن ضغوط الملفات قد جعلت الزعماء الإسرائيليين يغلبون التكتيك على الاستراتيجية وبكلمات أخرى فإن أسلوب "مدرسة صنع القرار" سيكون هو صاحب "القدح المعلّى" في تحديد الأداء السلوكي السياسي الإسرائيلي في الفترة القادمة.
* خيار المفاوضات مع سوريا: إشكاليات المنظور الإسرائيلي:
تحليل الاعتبارات الإسرائيلية إزاء خيار المفاوضات مع سوريا يكشف لنا عن الكثير من تعقيدات البيئة السياسية الإسرائيلية وتحديداً تلك العناصر والمكونات التي تمارس التأثير على عملية صنع القرار الإسرائيلي إزاء خيار المفاوضات مع سوريا.
بدأ الإسرائيليون خلال الأعوام الماضية جولات مفاوضات ومحادثات وتفاهمات ونقل رسائل واستخدام وسطاء لجهة السعي من أجل السلام مع سوريا، ولكنهم أي الإسرائيليين، وبعد انقضاء المزيد من الأعوام عادوا مرة أخرى وهم أكثر اختلافاً إزاء مساعي السلام مع سوريا وذلك على النحو الذي أعاد دبلوماسية تل أبيب إلى ما قبل المربع الأول، فقد تراجع الموقف الإسرائيلي إلى مرحلة طرح السؤال: هل ينبغي على إسرائيل أن تدخل في مفاوضات سلام مع سوريا؟ ومن سخرية الدر أن إسرائيل التي كانت قبل بضعة أشهر تنخرط في محادثات سلام عبر وساطة تركية مع سوريا تعود مرة أخرى إلى طرح السؤال نفسه!
في معرض الإجابة على السؤال القائل: هل يتوجب على إسرائيل الدخول في مفاوضات سلام مع سوريا، تعرض الفكر السياسي الإسرائيلي إلى حالة من اللايقين الإشكالي تمثلت في انقسام الفكر السياسي الإسرائيلي إلى مدارس تتناحر تماماً على غرار تناحر المدارس الفلسفية السفسطائية القديمة في الإجابة على السؤال المحير القائل لمن الأولوية للبيضة أم للدجاجة؟
هذا، ويمكن أن تستعرض "المدارس السياسية الإسرائيلية" المنقسمة حل الإجابة على سؤال السلام مع سوريا على النحو الآتي:
• المدرسة السياسية الإسرائيلية الأولى: وتحاول الإجابة على أساس "متغير المصلحة" الإسرائيلية وذلك عن طريق ربط الإجابة على سؤال السلام مع سوريا بعدد من الأسئلة الفرعية الهادفة إلى تحديد ماهية مصلحة إسرائيل من وراء تحقيق السلام مع سوريا. بكلمات أخرى، يحاول أنصار هذه المدرسة المفاضلة ين مصالح إسرائيل في حالة السلام مع سوريا وفي حالة عدم السلام مع سوريا وذلك على أساس اعتبارات أن مصلحة المصالح هي وحدها التي يجب أخذها في الاعتبار في عملية صنع القرار إزاء السلام مع سوريا.
• المدرسة السياسية الإسرائيلية الثانية: تحاول الإجابة عن السؤال على أساس "متغير المناورة" بحيث يتوجب على إسرائيل التعامل مع دمشق في كل الجوانب التفاوضية ولكن على أساس مبدأ "الاستباق" بحيث تحاول إسرائيل دخول المفاوضات من أجل تحقيق هدفين، الأول هو إفشال المفاوضات، والثاني هو تحميل دمشق المسؤولية عن هذا الفشل.
يشير تحليل معطيات السياسة الإسرائيلية الجارية حالياً بأنه لا يوجد طرف إسرائيلي سيمكن الاعتماد عليه في المساعي الجارية لإقامة سلام حقيقي لا مع سوريا ولا في المنطقة، وعلى ما يبدو، فإن الأمر مفهوم وواضح بالنسبة لدمشق التي تملك رصيداً كبيراً من الخبرة في إدراك ليس الأداء السلوكي السياسي الإسرائيلي فحسب وإنما النوايا الإسرائيلية إزاء سياسة السلام في المنطقة.
* السلام مع سوريا وخيار الخبير الإسرائيلي ألوف بين:
نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي ورقة بحثية صغيرة أعدها الخبير والمحلل السياسي الإسرائيلي ألوف بين حملت عنوان «التحكيم حول الحدود السورية»، أشارت إلى منظور جديد إزاء السلام مع سوريا أقل ما فيه أنه يتميز بالغرابة لجهة اقتراح الخبير الإسرائيلي بأن يتم اللجوء للتحكيم بين الطرفين لحل الخلافات حول الحدود هذا وأشارت المعلومات الواردة إلى النقاط الآتية:
• توجد خلافات بين سوريا وإسرائيل حول خط الحدود.
• تم عقد مفاوضات سلام بين الطرفين ولكنها توقفت بسبب الخلافات حول الأراضي المتاخمة لبحيرة طبرية من الجهة السورية.
• الخلاف السوري – الإسرائيلي حول الحدود يتضمن نزاعاً حقيقياً حول خط الحدود الفعلي.
• يوجد تابو إسرائيلي حول مياه بحيرة طبرية باعتبارها خطاً أحمر يتوجب عدم المساس به، وبالمقابل يوجد تابو سوري حول كل أراضي الجولان التي احتلتها إسرائيل باعتبارها خطاً أحمر يتوجب عدم المساس به.
على خلفية ذلك، يقترح ألوف بين ضرورة أن يتم حل الإشكالية عن طريق التحكيم الدولي، على أساس اعتبارات المبرر القائل أن التحكيم هو آلية مقبولة لحل النزاعات القانونية والتجارية الدولية ويضيف ألوف بين أن ثمة سابقة موجودة تتمثل في قضية طابا التي احتكم فيها الإسرائيليون والمصريون إلى التحكيم الدولي. ولكن، ما لم يقله الخبير ألوف بين هو هل ستكون المحكمة الدولية التي ستفصل في النزاع السوري – الإسرائيلي مشكلة على غرار المحاكم الدولية المتعددة التي نجحت إدارة بوش في تعيين قضاتها وهيئات الإدعاء فيها، وهل سيكون ميليس قاضياً أم مدعياً عاماً فيها؟
يقولون أن القضاء العادل يبحث عن الأدلة والبراهين لكي يقرر مدى صحة أو بطلان مزاعم الأطراف المتنازعة ولكن بعد نجاح أمريكا في صناعة "الأسلحة الذكية" اتجهت أنظار الخبراء الأمريكيين إلى "المحاكم الذكية" التي تقوم بعملية تركيب الأدلة والبراهين التي تؤدي إلى دعم المزاعم والحجج الكاذبة بما يتيح إصدار القرار الجائر والمتحيز باسم العدالة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد