ترويض الاعلام الالكتروني
م. رشاد أنور كامل : لم يخطط للانترنت أن تكون هكذا، لم يكن بالمخطط لمتخذي القرار المالي والصناعي ولا التقني أن تكون الانترنت بهذا الشكل فهم قرروا أن المستقبل له اسم آخر وتوصيف مختلف، واجتمع الكبار ومنهم "آل غور – نائب الرئيس الامريكي الاسبق" و " بيل غيتس – مدير مايكروسوفت السابق" وغيرهم ممن قرروا أن المستقبل له اسم واعلنوه ليكون حدث بداية التسعينات، إنه " طريق نقل المعلومات السريع – Information Super Highway" ، لقد كتبوا عنه، حاضروا عنه، وبدؤوا بالاستثمار فيه الى أن حدث شيء ثانوي لم ينتبهوا اليه، إنه.... الانترنت.
نعم هذا تاريخ يستحق أن يبحث فيه لأهميته، فالانترنت أتت مباغته، مخترعة من قبل استاذ في أوروبا قرر الاستفادة من شبكة عسكرية قديمة للاتصالات وبنى لها بروتوكولاتها واسس لاول متصفح الذي خرج من رحمه أول شركة صنعت متصفحا تجاريا يعتمد على لغة جديدة اسمها "HTML" وسمته "Navigator" وشعاره معروف الى الان. وتسارعت الامور وتطورت الانترنت من الجامعات والطلاب وظهرت حركات التمرد على البرمجيات المغلقة و ظهرت لغة جافا وبدأت تحالفات جديدة تظهر وكل ذلك لم يكن مهماً لمؤسسي "طريق نقل المعلومات السريع"، ولكن حدث شيء ما ، شيء قلب الطاولة على الجميع، لقد نمى عدد مستخدمي الانترنت بشكل غير مسبوق لأي صناعة أو برمجية والنتيجة أنها تحولت الى كائن لايمكن بسهولة السيطرة عليه.
ورغم عناده المشهور دخل بيل غيتس الى اجتماع يضم مدراء مايكروسوفت المرتعدين من جافا ومن الانترنت وقال لهم: " لقد أخطأنا التقدير وسنبدأ بايجاد منتج يعيدنا الى السيطرة على الانترنت، وعندما سأله أحد المدراء ما اسم هذا المنتج؟ فاجابه: مايكروسوفت"
أي عملياً اعلن في هذه اللحظة دمج الانترنت باهم منتجات شركة مايكروسوفت وهي أنظمة التشغيل ومنذ تلك اللحظة بدأ العمل على ايجاد نظام تشغيل لا ينفصل عن المتصفح وانطلقت شرارة أكبر تحدي قضائي انتهى بتدمير شركات منافسة لمايكروسوفت وايضاً لاقصاء بيل غيتس نفسه عن الادارة، وبعد كل هذه الحروب هل فعلا ً طغت الانترنت على المشروع الاصلي للكبار " طريق نقل المعلومات السريع" أم أنهم فقط حاربوا لعدم الانزياح عن هذا الهدف؟.
في غفلة من الزمان اشترى الكبار الاعلام، فمايكروسوفت اشترت شبكة NBC والتي اصبح اسمها MSNBC وستيف جوبز "مؤسس أبل" ابتعدع "iTunes" وبدأ ببيع الموسيقا عبر الانترنت واطلق اجهزة "iPod" الشهيرة، وSony و Warner Brothers وغيرهم من عمالقة الانتاج الاعلامي اتحدوا مع Intel ليقدموا أول بوادر " طريق نقل المعلومات السريع " في تطبيقه الاعلامي التلفزيوني الترفيهي تحت اسم Viiv والتي اعتبرها مدير إنتل الثورة الثانية بعد اختراع المعالج.
وطبعاً هم لم ينسوا أبدا الهاتف المحمول ولا التلفزيون لأنهم يعملون على شيء واحد وهو دمجها في جهاز واحد موصول بكبل واحد الى سيل جارف من المعلومات والتواصل اسمه " طريق نقل المعلومات السريع" ويبقى السؤال هل لنا مكان هناك؟.
ما دخل هذه المقدمة بقانون الاعلام الالكتروني الذي نسعى سورياً الى ايجاده ؟.
المشكلة أنه بدون سرد تاريخي ومستقبلي لما حدث ولما يخطط له لن نستطيع معرفة أين موقعنا فعلاً واين يجب أن نسير وكيف. فما حدث فعلا من العام 1995 في بداية ثورة الانترنت الفعلية الى العام 2005 نهايتها مروراً بانفجار فقاعة الانترنت المالية عام 2000 التي انهارت فيها احلام شباب الانترنت في تحدي الكبار، الكبار ماليا واعلاميا وتسويقياً، علمتناً درساً يجب أن لا نتغاضى عنه عندما نريد أن نلعب لعبة الانترنت.
فالاسئلة البسيطة التي لا يسألها شبابنا من الاعلاميين قد تكون مصيرية لوجود قانون للنشر الالكتروني وحتى لاسلوب صياغته أو ببساطة أخذ قرار بأننا لا نريد قانوناً للنشر الالكتروني.
اسئلة مثل: هل هناك تجربة اعلامية عالمية أو حتى عربية مستقلة نجحت بالكامل عبر الانترنت ومن خلال الانترنت؟ وهل هناك فعلا ضوابط للنشر الالكتروني تختلف عن النشر بالوسائل التقليدية؟ وهل المطلوب من المؤسسات الاعلامية المعتمدة على الانترنت أن يتاح لها من الحرية أكثر ما يتاح للمؤسسات الاعلامية التقليدية؟ وهل اعلامي الانترنت يحق له مالا يحق لاعلامي المطبوعات أو التلفزيون والاذاعات؟
هل فعلاً الانترنت مكان للبوح والانفلات وابداء الرأي غير الموثق ومكان افتراضي يستطيع فيه من يشاء أن يقول ما يشاء عن أي كان، عن رجل مهم، عن دين، عن طائفة، عن شذوذ، عن عواطف، عن خواطر، عن أي شيء دون ضوابط تحكم عالم النشر الالكتروني على الاقل كما تحكم تلك الضوابط الاعلام المطبوع و المرئي والمسموع؟.
هل الانترنت واحة الاعلام المفقود في عالمنا العربي؟
والسؤوال الاصعب هل من الممكن فعلاً ضبط النشر على الانترنت؟. وهل نحجب ما لايناسبنا؟
الانترنت غيرت تصورنا عن الاعلام لفترة واوحت للجميع اننا نستطيع أن نفلت من قبضة الاعلام المؤسساتي وأن الفرد أصبح مؤسسة اعلامية وكاتب وصاحب رأي وناشر بدون تكاليف وبدون ضوابط الا ضوابط معادلات قراء الانترنت وهذا الى حد كبير صحيح لكن كما هي العادة لكل فعل رد فعل وظهرت معادلة أخرى على الانترنت لابد من الانتباه اليها وهي" عندما تنجح ستصبح مؤسسة أو تشتريك مؤسسة" أي عملياً" عندما تنجح فكرة موقع، تقنية، طريقة في التواصل، فنجاحها هو أهم سبب في تحويلها عن مسارها الفطري والشخصي والفردي احيانا الى شكل مؤسساتي يطغى عليه الكبار وطرقهم ورجالاتهم" وهذا ثابت وإن اردتم افتحوا أهم عشرة مواقع في العالم تجدون أن أكثر من ثمانية منها بدأها أفراد تحولوا بعدها الى مؤسسات ومؤسسات عملاقة والآخر اشترته مؤسسات عملاقة ومنهم "ياهو" و" غوغل" ويوتيوب" و"فيس بوك" الخ والأمثلة كثيرة.
غامر البعض بتحدي المؤسسات ومع ندرة المواقع وحداثة الافكار في بداية عصر الانترنت عندهم في منتصف التسعينات وعندنا بعدها بعشر سنوات نجحوا في تحقيق جمهور وقراء ومتابعين ومقلدين ولكن سرعان ماعانوا من ظاهرة تعتبر الافضل والاسواء في عالم النشر الالكتروني بانواعه وهو " فيض المعلومات"،"Data Over flow" وفيض المواقع المتشابهة وفيض كل شيء، وأنا اسميه الضجيج وفي الضجيج لا يسمع الا من كان لديه الصوت الاقوى وحكما هو ليس للافراد.
والسخرية أنه بدلاً من أن تكون الانترنت بديلاً عن الاعلان التقليدي، أصبح الاعلان عن المواقع من أهم زبائن الاعلانات التقليدية.
الضجيج الذي خلقناه كأفراد على الانترنت أعاد الكبار من مؤسسات وافراد ومشاهير في الظهور كمنارات ضمن هذا الصخب، والمؤسسات الاعلامية الكبرى سخرت هذا الضجيج المعلوماتي لتركز بوسائلها الاعلامية التقليدية على نجومها واساليبها وبذلك كسبت جولتها كما في كل مرة.
وعندما تحول الملايين لقراءة الاخبار عبر الانترنت ، تحولت المؤسسات الاعلامية الكبرى لتقديم وجباتها الاعلامية على الانترنت، فما هي فرصة شباب أو حتى مجموعة شباب في منافسة مؤسسات اعلامية كبيرة لديها تلفزيونات واذاعات ومطبوعات والان مواقع انترنت، ومع دمج الفيديو بالنص ضمن المواقع تقلصت فرصة المغامرين الى نسب صغيرة تدفعهم شيئاً فشيئاً الى تبني إعلام الإثارة أو الاعلام المشترى واعلام التسريبات لأنه حلهم الوحيد في منافسة الكبار، ولكن الى حين، فاليوم الذي سيقدمون فيه ترخيص مؤسستهم فسيكون أمامهم خيار واحد وهو اللعب كمؤسسة اعلامية عليهم ما عليها ولا أتصور أن لهم ما لها.
ومع اقتراب عصر طريق نقل المعلومات السريع من العرب انتاب حكوماتنا ما يتنابنا كافراد من صدمة مقارعة المؤسسات، لأنه في الواقع منطق دولنا في ما يتعلق بمخاطبة العالم يشبه كثيراً احلام شبابنا في مقارعة مؤسساتهم.
فهل فعلا نحتاج لقانون للنشر الالكتروني
كل ماندور حوله هو تعريفات، فقط تعريفات، ماهو تعريف الموقع الاعلامي المؤسساتي المتخصص بالنشر الالكتروني؟ ماهو تعريف الموقع الاعلامي التابع لفرد أو مجموعة من الأفراد و المتخصص بالنشر الالكتروني؟ ما هو الحد الفاصل بين المدونة والموقع؟.
من يحق له النشر على الانترنت؟. هل نستطيع أن نضع قانوناً يحدد عملية النشر على الانترنت؟.
هل الموقع مستضاف داخل سورية أم خارجها وهل هذا مهم ؟ وهل الناشرون موجودون داخل سورية أم خارجها؟. وهل سيتم محاسبة المواقع الاعلامية المختصة بالنشر الالكتروني مالياً بشكل مشابه للمطبوعات والاذاعات والتلفزيونات الخاصة أم أنها ستعامل معاملة خاصة وهل هذا عدل؟.
والأهم، هل سيتم الترخيص لمواقع تتعاطى الشأن السياسي علماً بأن مثل هذه التراخيص للاعلام المطبوع نادرة، وماهو مصير مواقع سورية شهيرة تتعاطى الشأن السياسي إذا ما تم ترخيصها.
وأخيرا أنهي هذا الحديث بتسريبة بسيطة الى اصدقائي من اصحاب المواقع ليستعدوا لما سيأتيهم من هذا البند المقترح على قانونهم للنشر الالكتروني وقانوننا الجديد "للمطبوعات" واترك التعليق لهم:
نص المادة /51/ : "الموجودة في قانون المطبوعات الحالي والجديد والمقترحة لقانون النشر الالكتروني"
بعد التعديل لقانون النشر الالكتروني:
أ- تفرض بحق من ينقل قصداً أو متعمداً الأخبار الكاذبة أو ينشر عبر المطبوعات أو الصحف الإلكترونية أوراقاً مختلقة أو مزورة منسوبة كذباً إلى الغير أو مقالات متناقضة من شأنها إلحاق الأذى أو جلب منفعة لشخص طبيعي أو اعتباري لقاء حصوله على مالٍ أو كسبٍ غير مشروع بالغرامة بمبلغ لا يقل عن مائتي ألف ليرة سورية ويطبق قانون العقوبات السوري إذا كان النشر أو النقل قد تم عن سوء نيةٍ أو نال من هيبة الدولة أو مس كرامتها أو مس الوحدة الوطنية أو معنويات الجيش والقوات المسلحة أو ألحق ضرراً بالاقتصاد الوطني وسلامة النقد ما لم ينطبق على الفعل عقوبة أشد ".
تذكروا، اصدقائي في العالم الافتراضي، ما نشرتموه سابقاً وينطبق عليه الكثير مما وصفه هذا البند من القانون، وأهلا بكم في العالم الحقيقي.
إضافة تعليق جديد