بعد نصف قرن: فرنسا تسترجع لويز بورجوا

07-05-2008

بعد نصف قرن: فرنسا تسترجع لويز بورجوا

أطلق النقد الفني على مسيرة معرض الفنانة لويز بورجوا عدداً من المواصفات التي ترمز الى المغزى البعيد في تجربتها التشكيلية خلال أكثر من نصف قرن (النصف الثاني من القرن العشرين) مثل: السيدة العنكبوتية أو سيدة الطواطم أو السيدة المسكونة بإعادة انشاء ذاكرتها، وهكذا. تؤكد هي نفسها في أكثر من مناسبة أن «ما أنجزته من خصوبة مواد وموضوعات ابتداءً من رسوم القلم الأحمر وانتهاءً بالمنحوتات النصبية (بما فيها اللبونة) تعكس وجوهاً من سيرتي الذاتية: الطفولة – العزلة – العائلية والمنزلية».

عاشت في ظل زواج والدها من شابة ودعوتها للعيش في المنزل نفسه ومعاشرتها أمام أولاده، وهنا تشير الى ان العنكبوتة بحكمتها ووحشتها ترمز الى مكابرات والدتها – قد تكون مجموعة العناكب البرونزية من أشد المعروضات أصالة، واحدة منها تقعى بقياسها العملاق في «حدائق التويلري» المتاخمة لمتخف اللوفر، الى جانب تماثيل «مايول». أما الإنشاءات الفراغية فهي تستعيد العمارة والديكور الداخلي لمنزلها الطفولي الحميم وفي هذا ما يعبّر عن مرارة هجرتها المكانية الى قحط نيويورك الروحي. وقس على هذا الارتباط منحوتاتها الجنسية وأبرزها يمثل عرائس محاكة من الأقمشة الرخيصة أو الكاوتشوك أو اللاتكس. مشاهد اتصالية تواصلية تجري بين عرائس من دون هوية أو خصائص، تقترب أحياناً من الطواطم وتصر على تسميتها: «أشخاص».

تحركت أسطورة الفنانة لويز بورجوا متأخرة. وصلت من نيويورك الى «تات غالوري» في لندن قبل أن يكرس لها متحف الفن المعاصر لمركز بومبيدو في باريس تظاهرة احتفالية استعادية تليق باسترجاعها للمرة الأولى بعد قرن من الزمان الى حاضنتها: الثقافة الفرنسية التشكيلية.

هي فرنسية الجنسية على رغم انها مولودة في نيويورك عام 1911، ومعرضها اليوم يواكب بلوغها السادسة والتسعين، ثم انها لم تهاجر الى الولايات المتحدة حتى عام 1938، درست قبل ذلك في «بوزار باريس»، وأصبحت مساعدة «لفرناند ليجيه» في تدريس الفنون للطلبة الأميركيين، ثم انخرطت في العمل في «محترف بيسيير» وذلك قبل أن تعاود الدراسة في جامعة السوربون لتختص في الرياضيات، ثم تعد الدكتوراه حول تأثير الفنون البدائية على الفن المعاصر، لعلها تشبه روضة شقير النحاتة اللبنانية الرائدة، ليس فقط من الناحية الفيزيولوجية وقوة الشخصية والموهبة وانما وهو الأهم من الناحية النظرية والفن المعاصر.

من حسن الحظ أن المعرض مرتّب بحسب التسلسل التاريخي، ابتداءً من عروضها الأولى في نيويورك (ما بين 1950 و1960) وحتى اليوم. مثلها مثل «مارسيل دوشامب»، أي أنها غير معروفة في بلدها فرنسا، مع انها حققت نجاحات لا يستهان بها في نيويورك، ووصلت أبرز متاحف الفن المعاصر، وأشهر المجموعات العالمية الخاصة.

أحد أسباب عدم شهرتها أيضاً توزع أعمالها بين أساليب متباعدة مستقطبة أبرز منعطفات الفن المعاصر في النصف الثاني من القرن العشرين.

لا يمكن التفريق في موادها المخبرية التجريبية بين مفهوم النحت والانشاءات أو بقية وسائط «ما بعد الحداثة». لنتخيل تحولها من نحت طواطم الخشب (التي تقع بين جياكوميتي وبرانكوسي) مشبعة بالأبعاد السحرية والتعويذية والتطيّرية للأقنعة الأفريقية. أقول تحولها الى ما يشبه «المنمالية» المبسطة، عبوراً من تعبيرها بالمواد الرخوة السيالة من الجص وأللاتيكس، وذلك لبلوغ عالم عضوي جنسي أو عالم خلوي مجهري مكبر على قياس عملاق. ناهيك عن الدمى والعرائس القماشية الساخرة المعلقة في الفراغ. يبدو نحتها بالنتيجة نسيج ذاته لا يملك أي احالة صريحة أو من اشتقاق مصدر أحادي، لذلك فهي صعبة على التصنيف النقدي المعاصر.

تتفوق جاذبية المعرض على توزعاته وانفصاماته الأسلوبية، لدرجة أن بعض صور الأعمال (كالدمى والعرائس المتعانقة) انتشر في كل وسائل الإعلام، أعمال فنية لا تُنسى خصوصاً أن لويز بورجوا من الرواد المعادين لتقاليد وحدة الأسلوب. لا شك في أن المعرض فرصة لمراجعة تيارات «ما بعد الحداثة» في نيويورك وصراعها من أجل البقاء أمام متوازيات «الفن الحديث».

بدأ العرض في آذار (مارس) ويستمر حتى 2 حزيران (يونيو) 2008 في «مركز بومبيدو».

أسعد عرابي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...