الغزو التركي لجرابلس قد يؤخر مشروع اندماج الفصائل
المخاض الطويل الذي مرّت به الفصائل المُسلّحة في سوريا قد لا يؤدي إلى ولادة طبيعية لـ «الكيان المُوحّد» بسبب التشوّهات العقائدية والخلافات العميقة والجذرية بين الفصائل بعضها البعض، أو بين التيارات المتباينة داخل كل فصيلٍ منها. وقد جاءت العملية التركية في مدينة جرابلس صباح أمس، لتخلط أوراق الشمال السوري كافةً، بما فيها ورقة «الكيان الموحد».
وسرت منذ أيام أنباء مُتلاحقة حول قرب الاندماج بين الفصائل الكبرى في الشمال السوري، وعلى رأسها «أحرار الشام» و«فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقاً) و«فيـلق الشام» و«حركة نور الدين الزنكي» وفصائل أخرى. وأكد بعض قادة الفصائل، ومنهم المتحدث الرسمي باسم «أحرار الشام»، أن موعد الاعلان عن الاندماج بات قريباً. وكان الحديث عن توحّد الفصائل قد بدأ منذ إعلان «جبهة النصرة» حلّ نفسها وتشكيل جسم جديد باسم «فتح الشام» وعدم ارتباط الأخير بأي جهة خارجية، وهو ما كانت تتذرّع به العديد من الفصائل لرفض التوحّد مع «النصرة» بسبب ارتباطها مع تنظيم «القاعدة»، فأوحت خطوة «النصرة» بأنها مُحاولة لتسهيل عملية التوحّد.
لكن هناك العديد من العقبات التي لا تزال تُعرقل الوصول إلى اتفاق جدي بين الفصائل بخصوص التوحّد أو الاندماج. ومن هذه الأسباب، ارتباط الكثير من فصائل الشمال السوري ارتباطاً تنظيمياً مع غرفة عمليات «الموم» في تركيا، وهو ما يُشبه ارتباط فصائل الجنوب مع غرفة «الموك»، وبالتالي فإن هذه الفصائل لا تستطيع اتخاذ قرار الاتحاد مع فصائل إسلامية مُتشدّدة، وإن كانت غير مُصنّفة على قائمة الارهاب، وهو ما يعني أن مفاوضات التوحّد تقتصر على نوعية مُعينة من الفصائل، لا تكاد تخرج عن الفصائل المُشتركة في «جيش الفتح» باستثناء القليل منها.
وتحدّثت بعض أوساط المُسلّحين، خلال الأيام الماضية، عن تهديد «غرفة الموم» لبعض الفصائل بقطع الرواتب والدعم عنها في حال مُشاركتها في خطوة الاندماج، وهو ما يُذكّر بالسيناريو ذاته الذي حصل في الجنوب السوري، حيث أدى قطع الرواتب والدعم عن فصائل الجنوب إلى تجميد الجبهة الجنوبية.
وبدأت ظاهرة التمرّد على غرفتي العمليات «الموم والموك» تنتشر بين بعض الفصائل والدول الداعمة، وهي تُنذر على المدى الطويل بإمكان حدوث مواجهات بين الفريقين.
وتُعدّ الخلافات العميقة بين التيارات داخل الفصائل أو بين الفصائل، من الأسباب التي قد تؤدي إلى عرقلة مشروع الاندماج، خصوصاً بعد موجة الانشقاقات التي ضربت «جبهة النصرة» وفقدت بسببها أحد مؤسسيها وثلاثة من أبرز قادتها، كان آخرهم أمير الساحل في «جبهة النصرة» أبو جليبيب الأردني، بعد نقله من إمارة درعا قبل أشهر عدة.
وتأتي الخلافات العقائدية في مقدمة الخلافات التي تُهدّد مشروع التوحد، وهي خلافات مستفحلة ومتشعّبة ويتعذّر إيجاد حلّ لها، لذلك انطلقت بعض الدعوات التي تُنادي بتجاهلها وتأجيل النظر فيها ريثما يتمّ تحقيق الأهداف العسكرية المتوخاة من وراء التوحّد وأهمها إسقاط النظام السوري. وهناك خلافات سياسية طفت على السطح مؤخراً في أعقاب المُقابلة الصحافية التي أجراها لبيب النحاس، وتطرّق فيها لموضوع الديموقراطية بصيغة لم ترق للكثيرين من داخل الحركة أو من خارجها، وخصوصاً من «جبهة النصرة» التي كان للمتحدث الرسمي باسمها ردّ قاس على النحاس.
ثم هناك الخلافات على تقاسم كعكة السلطة ضمن «الكيان الموحد» المزمع تشكيله، إذ كل فصيل يُحاول سحب البساط تجاهه في محاولة لضمان نفوذ قوي داخل الكيان يمنع ابتلاعه من قبل باقي الفصائل. وتسرّبت بعض المعلومات بأن سجالات عنيفة حصلت في بعض الاجتماعات المُخصّصة لمناقشة موضوع التوحّد بسبب إصرار بعض الفصائل على حيازة مناصب معينة في التشكيل الجديد، وهو ما رفضته فصائل أخرى، ليبقى الأمر مُعلّقاً وغير قابل للحلّ أيضاً.
في هذه الأثناء، برزت دعوات مُوجّهة من قبل شيخي السلفية الجهادية في الأردن أبي قتادة الفلسطيني وأبي محمد المقدسي إلى أنصارهما داخل «جبهة النصرة»، تتمحور حول وجوب عدم الانشقاق عن «الجبهة» لا بسبب فكّ الارتباط ولا بسبب رفض مشاريع التوحد، لأن مصلحة «الجهاد» بحسب الشيخين تقتضي التمسّك بالبقاء في «جبهة النصرة» لحراسة «الكيان الجديد» ومنعه من الانحراف نحو التميّع والارجاء. وقد جاءت هذه الدعوات بعد انشقاق قادة «جبهة النصرة» مؤخراً، وهي تكشف عن تقلّص نفوذ الشيخين داخل «الجبهة»، وإلا كان يُمكنهما توجيه الدعوة بعيداً من مواقع التواصل الاجتماعي.
ثم جاء التدخّل التركي في جرابلس كي يزيد من تعقيد موضوع التوحّد، لأن من شأنه تسليط الضوء على واحد من أكثر الأمور الخلافية من الناحية الفقهية بين «أحرار الشام» و «جبهة النصرة» وهو أمر جواز الاستعانة بالكافر. وما سيزيد من حساسية هذا الأمر، أن التدخل التركي جاء تحت غطاء طائرات «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن. ففي حين أجاز بعض شرعيي «أحرار الشام» مثل أيمن هاروش جواز قتال «داعش» بمساعدة «دول كافرة»، فإن «جبهة النصرة» ترفض الأمر جملة وتفصيلاً، لذلك من غير المستغرب أن يؤدي التدخل التركي إلى تأخير مشروع التوحّد، وربما إفشاله لاحقاً.
تقرير دولي يتهم الحكومة السورية وداعش بشنّ هجمات كيميائية
اتهم تحقيق مشترك للأمم المتحدة والمنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية، القوات الحكومية السورية وتنظيم "داعش"، بتنفيذ هجمات كيميائية في سوريا عامي 2014 و2015.
وأشار تقرير أممي إلى أن التحقيق المشترك خلُص إلى أن قوات الحكومة السورية مسؤولة عن هجومين بغاز سام، وأن "داعش" استخدمت غاز خردل الكبريت.
وركّز التحقيق المستمر منذ عام، والذي أجازه مجلس الأمن بالإجماع، على تسع هجمات في سبع مناطق سورية، حيث أشار تحقيق منفصل لتقصي الحقائق أجرته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى احتمال استخدام أسلحة كيماوية.
وقال نائب السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة ألكسي لاميك، مساء أمس، إن تقرير الأمم المتحدة "يقول بوضوح إن النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية نفذا هجمات كيميائية في سوريا".
ودعا لاميك مجلس الأمن إلى "تحمّل مسؤولياته"، في إشارة إلى فرض عقوبات على المسؤولين عن الهجمات الكيميائية، قائلاً إن النظام السوري متورّط "في الكثير من الحالات" بهجمات وثّقها التقرير.
وتمهّد النتائج الساحة لمواجهة في مجلس الأمن بين البلدان الخمسة التي تملك حق النقض يتوقع أن تشهد معارضة روسيا والصين لمساعٍ أميركية وبريطانية وفرنسية لفرض عقوبات.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد