الشباب المسيحي في سوريا: الدور والبقاء خلال الحرب
تجربة الشباب المسيحي في سوريا تتنوّع باختلاف مناطق تواجده. ولدى الكثير منهم الخوف من الحاضر نتيجة تمدّد التنظيمات المتشدّدة في المنطقة، وخوف على مصير وجودهم مستقبلاً. منهم مَن اختار البقاء في مناطقه وحمل السلاح، والبعض فضّل الهجرة بعيداً عن نار الحرب.
وتُعدّ محافظة الحسكة المرتكز الأساسي لتواجد السريان والأشوريين والكلدان في سوريا. ويشير رئيس «مركز الثبات المسيحي السوري» إدمون السعيد، عن الدور الذي قام به الشباب المسيحي في القامشلي خلال الحرب، موضحاً «قمنا في البداية بتشكيل جناح مسلّح حمل اسم مكتب الحماية السرياني (السوتورو)، ولم نكن ننتمي إلى أي جهة وكان تسليحنا ذاتياً، وندافع عن مناطقنا المسيحية فقط كي يعرف الجميع أننا موجودون وباقون».
وأضاف «بعد سنة تقريباً على التشكيل تم الاتفاق مع الدولة، وأصبحنا تحت رعايتها، وهنا أصبح دورنا حماية كل مناطقنا من دون تمييز».
ويعتبر إدمون أن الخوف الأكبر على المسيحيين هو نتيجة الهجرة القسرية من مختلف المحافظات السورية، وخاصة في الحسكة. وعن أسباب هذه الهجرة، يقول «تتعدّد الأسباب، لكن أهمها كان التجنيد الإجباري لدى القوات الكردية التي ما زالت إلى الآن تضغط على الشباب وتأخذهم بالقوة للخدمة. وكان للأوضاع الأمنية والاقتصادية دور في ذلك أيضاً، إضافة إلى عدم وجود رأس مسيحي أو صوت مسيحي متفق عليه من قبل الجميع لإيصال مطالبنا».
في حمص يصف ميشيل كرم، طالب الهندسة المدنية، كيفية تعاطي الشباب مع الأزمة التي مرت بها المدينة. وقال «جزء من الشباب المسيحي انضمّ إلى بعض الفئات المقاتلة، من أهمها بالنسبة لمحافظة حمص هو الحزب السوري القومي الاجتماعي، إضافة إلى بعض الشباب الذي انضمّ إلى وحدات الدفاع الوطني بناء على وعود بأن هذا الانضمام يغني عن الخدمة في القوات السورية، وأن الخدمة في هذه الوحدات ستقتصر على قراهم والمناطق التي يسكنون فيها، علماً بأن قسماً كبيراً من هذه الوعود تبيّن في ما بعد أنها ليست نظامية».
ويضيف «أما الجزء الأكبر من الشباب المسيحي فقد وجد في الهجرة من البلاد طريقاً أمثل لتجنّب الحرب التي لم يعد قادراً على لعب أي دور فعّال فيها على الساحة المتمثلة بمحافظة حمص وما حولها».
ويعتبر ميشيل كرم أن «المخاوف الحالية لدى الشباب هي في عمليات الخطف»، مشيراً إلى أن «الفئات المسلحة تنظر إلى الشباب المسيحي على انه ضعيف، وتجد في خطفه طريقة سهلة للحصول على الأموال من خلال طلب الفدية أو سرقة ما يملك، إضافة إلى ذلك فإن الشباب المسيحي كغيره من الشباب السوري، يخاف من انعدام وجود مستقبل جيد له، في ظل غلاء الأسعار وصعوبة الحصول على الوظائف في القطاع الحكومي، وعدم وجود شركات خاصة عاملة في محافظة حمص، إضافة إلى الصعوبة الكبيرة في إطلاق أعمال خاصة، ولو كانت صغيرة».
أحد المتطوعين في الدفاع الوطني في دمشق، يجد أن القتال إلى جانب الجيش السوري في هذه المرحلة هو الأساس لحماية البلاد، وبالتالي حماية لكل الطوائف، فمشاركته ليست مسألة حماية المسيحيين في العاصمة. ويقول «نحن موجودون في مواجهة المجموعات المسلحة في ريف دمشق. قد تكون غالبية سكان الأحياء القريبة منها هم من المسيحيين، لكن الخطر هو على كامل سكان دمشق». ويضيف أن «المخاطر تشمل الوضع الأمني غير المستقر، وخاصة مع استمرار تساقط القذائف على أحياء العاصمة، إضافة إلى عدم الاستقرار في أسعار السلع والكهرباء التي تؤثر على عمل الشباب، ما يدفع بعضهم إلى الهجرة».
تلتقي الآراء حول كيفية تثبيت الوجود المسيحي في بلده، والذي يعتبر جزءاً من تأمين الاستقرار للمواطن السوري، فيصنف ادمون سعيد هذا الأمر «من خلال تحسين الوضع المعيشي وتأمين فرص العمل، والاتفاق على شخص معيّن يتم انتخابه وموافق عليه من قبل كل الطوائف المسيحية، كي يصل صوتنا ومطالبنا، وتوعية شبابنا على حب الوطن والتشبث به والدفاع عن المناطق بمساعدة الجيش العربي السوري، والمطالبة في تسهيل قوانين الخدمة الإلزامية للحدّ من الهروب».
وبالنسبة لميشيل كرم فهو يرى أن «معظم الشباب المسيحي، وبالأخص في محافظة حمص، هم من حَمَلة الشهادات وأصحاب الخبرة، لكن المعايير التي تقوم عليها بعض مسابقات التوظيف وبعض الحملات التي تقوم لمساعدة الأعمال الصغيرة تستثني الشباب المسيحي، أو تفضل بعض الفئات الأخرى عليه، بغض النظر عن الخبرة والكفاءة. فإذا تمّ تأمين بعض فرص العمل القائمة على أساس التوافق وتمييز أصحاب الخبرة فإن هذا الأمر سيساعد على إبقاء الشباب المسيحي ضمن البلاد».
وعن فتح باب الهجرة للسوريين، وخاصة الدول التي دعت لاستقبال السوريين المسيحيين، تجمع آراء الشباب المسيحي على أنه كان لهذه الدول يد في تهجيرهم، والآن بدأوا يدّعون الإنسانية كي يصبحوا أصدقاء الشعب السوري، ولو أنهم بالفعل خائفون على مسيحية الشرق لاستطاعوا أن يخدموهم بطرائق أخرى. وتضيف الآراء أن هذه الدول ادعت في البداية أنها تريد الشباب المسيحي بغرض حمايته وتأمينه، ليتبيّن في ما بعد أنها تريد هذا الشباب للعمل في منشآتها الصناعية، بغض النظر عن الشهادات أو الخبرات التي يحملها هذا الشباب بغرض إنعاش اقتصادياتها الراكدة.
وسام عبد الله
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد