الحرب على الجلوس

05-09-2014

الحرب على الجلوس

يكثر الحديث عن أن الجلوس هو المرادف الأول للتدخين..الكلام طبعاً مجازي، ويعني تحديداً الأخطار الصحية الناجمة عن ممارسة هاتين العادتين. وبالرغم من أن العادة الأولى قد تكون إجبارية بحكم الظروف وطبيعة العمل التي تفرضها، غير أن مخاطرها لا تقل تأثيراً على صحة الإنسان من مخاطر التدخين، ويسعى العلماء لتفسيرها وشرحها لعل في ذلك ما يساعد في تقليص مساوئها ونتائجها السلبية على الصحة العامة.
في العادة، يفتخر الإنسان بأنه «مخلوق يقف على قدمين»، وهو ما يميزه عن الحيوانات، أو عن أجداده ربما. ولكن، أليس في كل مكان نذهب إليه، يدعوننا أحدهم إلى الجلوس؟ ألا نجلس في السيارة، وفي محطات المترو، وعلى كرسي وراء مكتبنا؟ إنه فائض من حسن الضيافة في الحياة لإراحة أقدامنا، ولكنه فائض قد يعود بمثيله من الضرر على بقية أعضاء جسدنا.
من المكاتب التي تفرض الوقوف على أصحابها، إلى الآلات التي ترصد مستوى لياقتنا البدنية، إلى الاختبارات التي تجرى في المدارس الثانوية، بدأت الدعوة لـ«الوقوف أكثر ما يمكن، والجلوس لمدة أقصر» في حصد شعبية كبيرة في أوساط المعنيين بصحتهم، مع ارتفاع الدلائل التي تؤكد أن البقاء في وضعية الجلوس لأكثر من ثماني ساعات في اليوم هو خطر جدي، لم يتم توضيحه من قبل، على سلامة الإنسان.
ولطالما أشارت الدراسات إلى ارتباط بين الحياة الخمولة والصحة السيئة، التي تعني تحديداً ارتفاع نسبة أمراض القلب، والسكري، والسمنة، والضغط. ولكن الأطباء كانوا يفضلون تفسير ذلك بأن الأشخاص الذين يجلسون لوقت طويل لم يكن لديهم الوقت الكافي لممارسة الرياضة، وكانت الدعوة توجه غالباً على الشكل التالي: «لنتحرك!».
ولكن اليوم، قد تختلف النظرية بعض الشيء في تفاصيلها. فالرياضة ضرورية، ولكنها وحدها لا تعوض خطر الجلوس لوقت طويل. وتشير البحوث الحديثة إلى أن هناك فرق كبير بين «الجلوس كثيراً، وممارسة الرياضة قليلاً». هذا تحديداً لأن جسم الإنسان يستهلك الطاقة بشكل كامل خلال وضعية الوقوف، بطريقة مختلفة تماماً عن تلك التي يقوم بها خلال وضعية الجلوس. فنحن عندما نكون جالسين، نقوم بحرق السعرات الحرارية أو حفظها، بطريقة مختلفة، حتى أن دماغنا له أسلوب مختلف في العمل عندما يكون الإنسان جالساً.
ولهذا السبـــب، يقول مدير «مبادرة حــــلول السمنة» في جامعة أريزونا الأميركية الدكتور جايمس ليفاين إنه «إذا كان الوضع الغريب اليوم هو أن نبقى واقفين أكثر، فإن هذه القاعدة يجب أن تقلب من اليوم فصاعداً، ليصبح الجلوس الوضع الشاذ الذي يجب محاربته».
ويشير ليفاين إلى انه «مع تحول طبيعة العمل من الأشغال الزراعية إلى أعمال المكاتب، ومع تبدل أشكال المواصلات، أصبح الهم الشاغل لنا هو توفير راحتنا، في مقابل تمضية أجدادنا معظم وقتهم وهم يمشون، ما جعل الحياة العصرية تفرض علينا أن نجلس لأكثر من نصف يومنا».
وتؤكد الاختبارات الحديثة أن «من يمضون نصف يومهم متخذين وضعية الجلوس لديهم نسبة أكثر تصل إلى حدود الـ25 في المئة للإصابة بأنواع مختلفة من السرطان، من أولئك الذين يجلسون لمدة أقل، وذلك بغض النظر عما إذا كانوا يعوضون أوقات جلوسهم الطويلة بممارسة الرياضة». وأثبتت دراسة أخرى أن «كل نصف ساعة جلوس إضافية تسرق بعض اللياقة البدنية التي يكون الإنسان قد اكتسبها من رياضة ما».
ولكن إذا كان الإنسان اعتاد أصلاً، أو أصبح عقله «مبرمجاً» ليجلس كلما سنحت له الفرصة بذلك، فهل يستطيع تغيير ذلك؟ الجواب، يقول ليفاين «هو نعم، لأننا نفعل ما نعتاد عليه، وعندما نبدأ بممارسة الحركة، فسيبدأ جسدنا بطلبها أكثر فأكثر».

 (عن «تايم»)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...