التفرد المائي الإسرائيلي في الأردن وتجاهل حصة سوريا من اليرموك
بقيت المفاوضات الأردنية ـ الإسرائيلية حول مسألتي المياه والأرض تراوح مكانها خلال العقود الأخيرة إلى أن تسارعت وتيرتها فجأة وأسفرت عن توقيع معاهدة سلام في 26 تشرين الأول / أكتوبر 1994 .
وكان المسؤولون الأردنيون حتى وقت قريب يعبرون عن خيبة أملهم من استمرار إسرائيل، خلال المفاوضات، في التعنت إزاء مسألة الأراضي الأردنية المحتلة ومسألة تقاسم موارد المياه. وقد لاحظ المراقبون أن إسرائيل تتبنى مواقف متصلبة وتطالب بالحد الأقصى في المسائل، في الوقت الذي المتعلقة بالمياه والحدود ، وكانت تعمد إلى المماطلة في بحث هذه المسائل ، في الوقت الذي كان الأردن يصر على الإسراع في تحديد حصته المائية وتعيين حدوده وفقاً لمعاهدة الانتداب ـ البريطانية الموقعة في العام 1921 ، ومن الأمور التي أدت إلى تعقيد المسألتين : وجود إسرائيليين على أراض أردنية قاموا بزراعتها، ووجود مياه جوفية ومجار مائية (اليرموك والأردن) على الحدود المشتركة.
لقد أكد العاهل الأردني الملك حسين، في خطاب متلفز ألقاه في 15 /11/ 1994، أن معاهدة السلام مع إسرائيل أعادت إلى الأردن سيادته الكاملة على أرضه التي كانت محتلة، كما أعادت إليه "حقوقه المائية (في اليرموك والأردن) من أحد الأطراف المعيين بأمر المياه (إسرائيل) " وألمح إلى ضرورة استرجاع الأردن حقوقه المائية التي يستغلها الأطراف الآخرون.
ومع أن الملك لم يذكر سوريا بالاسم فالمعروف أن الأردن يشكو من استحواذ سوريا على كمية من مياه اليرموك الذي يخترق أراضيها تتجاوز حصتها المتفق عليها بحسب مشروع جونستون للعام 1955. غير أن حجة سوريا في تجاوز نصيبها في تجاوز نصيبها تستند إلى، اتفاق سد الوحدة المعقود بينها وبين الأردن في 3/9/1987.
وإذا كانت إشارة الملك حسين تعتبر تمهيداً لمطالبة رسمية بإجراء مفاوضات ثنائية مع سورية حول تقاسم مياه اليرموك بعد تسوية مسألة الحصص المائية بين الأردن وإسرائيل ضمن معاهدة السلام، فإن الجدل الأردني –السوري سيدور حول النظام القانوني لمياه اليرموك والآثار التي ستترتب على إغفال حصة سوريا فيها بعد معاهدة السلام المذكورة.
والحقيقة أن معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل لم تحقق كل تطلعات الأردن في الأرض والمياه. والملابسات التي اكتنفت توقيعها، تنبئ باستمرار إسرائيل في إتباع الأسلوب الذي يحقق أغراض إستراتجيتها العامة، والذي يقوم على تفاعل أربعة مبادئ: واقعية تعين الحد الأقصى للمطالب، ومرونة تكيّف الأشكال والوسائل، وعدم تراجع عن الحد الأدنى للمطالب، وتصاعد أو انتقال إلى مرحلة جديدة للإفصاح عن مطالب جديدة يكون حدها الأدنى ما كان في المرحلة السابقة حداً أقصى.
فلماذا تصلبت إسرائيل في البداية، ثم أظهرت بعض المرونة في مسألتي الأرض والمياه؟ وما هو مسمار جحا الذي غرسته في الأراضي الأردنية؟ وما هي، باختصار، البنود المتعلقة بمياه اليرموك في هذه المعاهدة؟ وما هي المعايير المعتمدة لتوزيع مياه اليرموك بين سوريا والأردن في اتفاق سد الوحدة؟ وما هي الآثار القانونية لتجاهل حصة سوريا المائية من اليرموك بعد معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية؟
1- تصلب إسرائيل إزاء مسألتي الأرض والمياه:
تعثرت المحادثات الأردنية – الإسرائيلية التي جرت قبل توقيع معاهدة السلام بسبب الخلاف على نصيب الأردن من مياه نهري اليرموك والأردن، ومطالبته بانسحاب إسرائيل من أراضِ مساحتها 385,91 كلم2، منها 380,08 كلم2 في وادي عربة، جنوب البحر الميت، 0,83 كلم2 في الشمال قرب ملتقى النهرين المذكورين أي في المثلث الأردني-السوري –الإسرائيلي، و5 كلم2 بين بلدتي العقبة الأردنية وإيلات الإسرائيلية على خليج العقبة.
فالجزء الأكبر من الأراضي الأردنية المحتلة يقع في منطقة تمتد من جنوب البحر الميت حتى خليج العقبة. وتحتوي هذه الأراضي على مياه جوفية غنية نسبياً تستغلها حالياً بعض المستعمرات الإسرائيلية.
وتضاف إليها قطعة أرض ذات موقع استراتيجي، مساحتها 0,83 كلم2 تقع شمالاً بالقرب من النهرين. وكانت إسرائيل قد احتلت هذه القطعة في العام 1948 «بقصد السيطرة على متلقى نهري اليرموك والأردن في منطقة الباقورة واستغلال مياه خزان اليرموك». لكن الأردن أكد مراراً رغبته في استعادة السيطرة على الممرات التي تفضي إلى النهرين، والاستفادة تالياً من حصته الضائعة من المياه، لأن استرداد هذه القطعة من الأرض يسمح له باستخراج المياه العذبة من اليرموك قبل التقائه بنهر الأردن، جنوب بحيرة طبريا.
وإذا كان الأردن يطالب باستعادة الشريط الحدودي الممتد من البحر الميت إلى خليج العقبة فلأن إسرائيل احتلت هذه الأراضي الأردنية بعد حرب 1967، وهي غير مشمولة بقرار مجلس الأمن الرقم 242، الذي يفترض أن تجري على أساسه مفاوضات السلام العربية – الإسرائيلية.
ويراوح عرض الشريط المحتل بين 200 متر و 8 كلم، وهو يتميز بوجود مساحات زراعية فيه وبانتشار مستعمرات إسرائيلية على مقربة منه.
والحقيقة أن إسرائيل اغتصبت هذه الأراضي في العام 1970 بواسطة عمليات أشرف عليها أرييل شارون عندما كان قائداً للمنطقة الجنوبية، وبدعوى حماية الطريق الرئيسية التي تصل مرفأ إيلات ببقية المناطق الإسرائيلية. وفي مقابلة مع صحيفة هآرتس الإسرائيلية في 11/11/ 1993، أماط شارون اللثام عن الدوافع الكامنة وراء احتلال هذه الأراضي، فقال إنه لم يقم بذلك لمبررات أمنية فقط، بل لأنه وضع في اعتباراته أيضاً الأهمية الاقتصادية لتلك المنطقة بالنسبة إلى المستعمرات الإسرائيلية في وادي عربة.
والأهمية الاقتصادية لتلك المنطقة ليست، في الواقع، سوى مائية، فقد قال المفوض الإسرائيلي لشؤون المياه، جدعون تسور، إن القرى الجماعية والتعاونية الواقعة في منطقة وادي عربة بين سدوم، جنوب البحر الميت، وإيلات على خليج العقبة، وعددها 35 مستعمرة، تستهلك نحو 40 مليون متر مكعب من المياه سنوياً، منها 15 مليوناً تأتي من الأراضي الأردنية المحتلة. وأكد المفوض أن هذه الموارد ستزول «إذا لبّت إسرائيل كل مطالب الأردن».
وبسبب أهمية العامل المائي اضطر رئيس الاستخبارات الإسرائيلية في الجيش، الجنرال أوري ساغي، إلى رفع تقرير إلى لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، قبل توقيع معاهدة السلام، جاء فيه: «إن التواصل إلى معاهدة سلام بين إسرائيل والأردن لا يزال بعيداً كل البعد بسبب مشكلة المياه». واعتبر المتحدث باسم الوفد الإسرائيلي إلى محادثات السلام، يوسي غال، أن قضية المياه معقدة وتستلزم الكثير من العمل والجهد.
وشاطره الإقرار بهذا الواقع المرير المتحدث باسم الوفد الأردني، مروان المعشر، حين صرح بأن «تقاسم موارد المياه وترسيم الحدود يظلان المشكلتين أمام المتفاوضين». وكان رئيس الوفد الأردني، فايز الطراونة، يفكر حتماً في مشكلة المياه عندما تحدث عند وجود «فجوة واضحة في ما يتعلق بالمسائل الرئيسية»، في جدول أعمال المفاوضات.
وعلى رغم هذا التصلب «الظاهري» والقلق «المعلن» فقد ذُللت الصعاب وعُقدت معاهدة السلام وتوصل الطرفان إلى «حلول خلاقة»، في مسألتي الأرض والمياه.. واستطاعت إسرائيل أن تدق مسمار جحا في الأرض الأردنية.
2- مسمار جحا الإسرائيلي في منطقتين أردنيتين:
إن الحرص الأردني على ترسيم الحدود مع إسرائيل واقتسام مياه النهرين لم يلقَ تجاوباً في بنود المعاهدة. ففي المعاهدة حديث عن «حقوق امتلاك خاصة إسرائيلة» و«نظام خاص» في المنطقتين الحدوديتين: منطقة الباقورة –نهاريم، شمال إسرائيل (مساحتها 0,83 كلم2) ومنطقة الغمر –تسوفار في وادي عربة (مساحتها 1,3 كلم2)، وحديث آخر متداول خارج المعاهدة عن تأجير الأراضي الأردنية.
إن المادة الثالثة المتعلقة بالحدود الدولية تنص على وجوب الأخذ في «الاعتبار الأوضاع الخاصة بمنطقة الباقورة – نهاريم والتي هي تحت السيادة الأردنية، وفيها حقوق امتلاك خاصة إسرائيلية. يقرر الطرفان تطبيق المواد المنصوص عليها في الملحق 1 (ب)، وفي ما يتعلق بمنطقة تسوفار تطبق المواد المنصوص عليها في الملحق 1 (ج)». وبنص الملحقان على اتفاق الطرفين على «تطبيق نظام خاص» على المنطقتين المذكورتين.
فماذا يتضمن هذا النظام الخاص؟
إنه يتضمن اعترافاً إسرائيلياً بأن المنطقتين تقعان تحت السيادة الأردنية، وتعهداً إسرائيلياً بعدم السماح بقيام أنشطة في المنطقتين من شأنهما الإضرار بأمن الأردن وسلامته، وبعدم السماح بإلقاء الفضلات فيها.
أما الأردن فيتعهد في مقابل ذلك، بالكثير من الالتزامات، ومنها:
- الاعتراف بحقوق ملكية الأراضي الخاصة والمصالح التي يملكها الإسرائيليون فيهما.
- منح المتصرفين الإسرائيليين بالأرض، أو ضيوفهم أو مستخدميهم الذين يعبرون من إسرائيل إلى المنطقتين، حرية غير مقيدة بالدخول إليهما أو الخروج منهما، والتخلي بحرية عن حقوقهم بالتصرف بالأرض، وذلك من دون استيفاء أي رسوم.
- عدم تطبيق التشريعات الأردنية، الجمركية أو الجنائية أو المتعلقة بالهجرة، على الإسرائيليين.
- عدم فرض ضرائب أو رسوم تمييزية على الأرض أو الأنشطة.
- اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية أي إسرائيلي يدخل المنطقتين.
- السماح لضباط الشرطة الإسرائيلية بدخول المنطقتين للتحقيق في الجرائم أو الحوادث المتعلقة بالإسرائيليين.
- السماح لإسرائيل بتطبيق تشريعاتها على المتصرفين بالأرض من الإسرائيليين.
- الموافقة على تنفيذ الملحقين لمدة 25 سنة قابلة للتجديد.
ولعل الناحية المثيرة في المعاهدة هي قصة الأراضي التي تخلى عنها الأردن (أو أجرها) لإسرائيل. والقول بخضوعها للسيادة الأردنية لا يغير شيئاً من الواقع المفروض.
والغريب أن الطرف الأردني ما زال يُصر على نفي حقيقة التخلي أو التأجير. ففي الوقت الذي كشفت فيه الصحف الإسرائيلية الصادرة في 18/10/1994 عن أن المعاهدة تنص على قيام إسرائيل باستئجار منطقتين لمدة 25 سنة قابلة للتجديد، صرح رئيس الوزراء الأردني، في مؤتمر صحافي، وفي اليوم نفسه، بأن الأردن «لم يتخلّ عن شبر من أرضه»، وبأن التعديلات التي طرأت على مسار خط الحدود المشتركة لم تؤثر في حق الأردن في استعادة كامل أراضيه. غير أنه ناقض تصريحه عندما اعترف «بأن إسرائيل أقامت مزارع في بعض المناطق الأردنية»، وبأن قيمة هذه الأراضي «ليست هائلة ولا يوجد فيها نفط لنختلف عليه».
قد لا يكون فيها نفط، وقد تكون مساحتها صغيرة إذا ما قيست بمساحة الأردن، ولكنها غنية بالمياه التي أصبحت من علامات الحياة والوجود في إسرائيل.
إن معظم المحللين السياسيين في العالم أشاروا بحق، إلى أن أحد الأسباب الرئيسية للحروب التي خاضتها إسرائيل ضد الدول العربية كان رغبتها في وضع اليد على المصادر المائية العربية، وفي طليعتها نهر الأردن, وقد عبرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية في نشرتها الدولية الصادرة في 18/8/1990 عن هذه الرغبة عندما نشرت على صفحة كاملة إعلاناً لوزير الزراعة الإسرائيلي يحذر فيه من الخطر الماحق الذي يتهدد إسرائيل في حال انسحابها من الأراضي العربية المحتلة وتخليها عن «مراقبة» المياه في جوارها.
3- مياه اليرموك في معاهدة السلام الأردنية –الإسرائيلية:
عندما ننتقل إلى الملحق الثاني من المعاهدة المتعلق بالمياه فماذا نجد؟
نجد أن الترتيبات المتعلقة بمياه اليرموك تبدو، للوهلة الأولى، مرضية، فقد جاء في البندين (أ) و(ب) من المادة الأولى من المحلق الثاني إن إسرائيل تضخ 12 مليون متر مكعب من مياه اليرموك في فترة الصيف الممتدة من 15 أيار/مايو حتى 15 تشرين الأول /أكتوبر من كل عام، ويحصل الأردن على باقي التدفق. كما تضخ إسرائيل 13 مليون م2 في فترة الشتاء الممتدة من 16 تشرين الأول /أكتوبر حتى 14 أيار/ مايو من كل عام، ويحصل الأردن على باقي التدفق.
ولكن الفقرة الثانية من البند (ب) تتضمن استثناء للالتزام الإسرائيلي الذي نص عليه مشروع جونستون، فقد ورد في هذه الفقرة أن الأردن يوافق على أن تضخ إسرائيل كمية مقدارها 20 مليون م3 من نهر اليرموك شتاء في مقابل موافقة إسرائيل على نقل كمية إضافية للأردن مقدارها 20 مليون م3 خلال فترة الصيف من نهر الأردن.
إضافة إلى ذلك، يحق لإسرائيل المحافظة على استعمالاتها الحالية لنهر الأردن، أما الأردن فيحق له الحصول على كمية مساوية لتلك التي تستعملها إسرائيل، على ألا تضر استعمالاته بكمية المياه التي تستعملها إسرائيل وبنوعيتها.
وتحدد إسرائيل للأردن كمية المياه المحلاة التي يمكنه الحصول عليها من الينابيع المالحة المحولة إلى نهر الأردن، ويتعاون الطرفان على بناء سد تحويلي / تخزيني على نهره اليرموك، وعلى إقامة نظام لتخزين المياه على نهر الأردن.
وبالنسبة إلى الآبار التي حفرتها إسرائيل واستعملتها والتي تقع على الجانب الأردني من الحدود، فإن إسرائيل تعترف بخضوعها للسيادة الأردنية، ولكن المعاهدة تقرّ لإسرائيل بالاستمرار في استعمالها وتمنع الأردن من «اتخاذ أي إجراء من شأنه التأثير، في شكل ملحوظ، في تقليل إنتاج هذه الآبار أو في نوعيتها»، وحتى الآبار الفاشلة فإنها «ستعامل كما لو أن حفرها تم بموجب رخصة من الجهات الأردنية المختصة وقت الحفر. وستقوم إسرائيل بتزويد الأردن بالبيانات البيولوجية والفنية عن كل بئر ليصار إلى حفظها. وسيتم ربط البئر الجديد بأنظمة المياه والكهرباء الإسرائيلية». أما «تشغيل وصيانة الآبار وأنظمتها الواقعة في الأراضي الأردنية والتي تزود إسرائيل بالمياه، وكذلك أنظمتها الكهربائية، فستكون من مسؤولية الأردن».
وهناك نص آخر في الملحق الثاني يوحي بوجود «حماسة» إسرائيلية لحماية مخصصات الأردن المائية في مقابل تعهد أردني بحماية حصة إسرائيل، فالمادة الثالثة تنص على «تعهد الأردن وإسرائيل بحماية المياه المشتركة في نهري الأردن واليرموك، كل ضمن مناطق نفوذه، وكذلك المياه الجوفية في العربة إزاء أي تلوث وتلويث وأذى أو الاعتداء على مخصصات أي منهما من المياه».
وعندما تطلع على تصريحات المسؤولين الأردنيين حول أهم ما ورد عن مياه اليرموك في معاهدة السلام، نجد أن وزير المياه والري، الدكتور صالح أرشيدات، يؤكد التزام إسرائيل بعدم الحصول على أكثر من حصتها المحدد بـ 25 مليون م3 من مياه اليرموك، وبتعهدها تزويد الأردن بـ 50 مليون م3 من هذه المياه في فصل الصيف سنوياً، وقيامها بتخزين 20 مليون م3 من مياه فيضان النهر سنوياً لمصلحة الأردن بها عند حاجته إليها.
ويأمل الأردن الذي يعاني نقصاً حاداً في المياه الحصول على نحو 218 -230 مليون م3 من مياه اليرموك بعد تنفيذه معاهدة السلام مع إسرائيل، وهي كمية تقل عن الحصة التي كانت خصصت له في مشروع جونستون لتقاسم مياه اليرموك، «لأن سوريا أخذت أكثر من حصتها من هذه المياه على حساب الأردن "، كما يردد المسؤولون الأردنيون.
أ- اتفاق سد الوحدة واقتسام مياه اليرموك
يشكو الأردن من «أن سوريا تستغل نحو 200 مليون م3 سنوياً، أي أكثر من ضعف الكمية المخصصة لها من مياه اليرموك في خطط تقسيم المياه السابقة، بما فيها خطة جونستون للعام 1955، المقدرة بـ 90 مليوناً كحد أقصى».
ولكن سوريا ترفض هذا الإدعاء بالاستناد إلى أمرين: عدم موافقة الدول العربية على مشروع جونستون، والتزامات الأردن النابعة من اتفاق سد الوحدة، الموقع في عمان في العام 1987 بين رئيسي الوزارة في البلدين.
ونذكر أن الاتفاق استأثر، عند توقيعه باهتمام الصحف في البلدين، فأشادت به واعتبرت أنه يرسي دعائم العلاقات الأخوية بينهما ويقدم نموذجاً لتوثيق العلاقات بين الدول العربية من شأنه أن يجعل من سد الوحدة على مجرى اليرموك أسما على مسمى.
لقد نص الاتفاق على احتفاظ سورية بكل تصريف مياه الينابيع الواقعة فوق منسوب 250 متراً في مقابل استغلال الأردن كل الينابيع الواقعة تحت هذا المنسوب، إضافة إلى المياه المخزنة في سد الوحدة (نحو 486 مليون م3)، إن سوريا كما ورد في الفقرة (أ) من المادة السابعة، «تحتفظ بحق التصرف بمياه جميع الينابيع التي تتفجر في أراضيها في حوض اليرموك وروافده ، باستثناء المياه التي تتفجر ما قبل السد ّ تحت منسوب 250 متراً ، وتحتفظ بحق الانتفاع بالمياه لتي ترد مجرى النهر وروافده في ما بعد السد لإرواء أراضيها المحاذية لمجرى النهر".
ونجد في المادة السادسة تأكيد إضافياً لحق سوريا في مياه اليرموك فهي تنص على أن الأردن يقوم بإنشاء السد لتخزين المياه المارة في النهر "بعد تأميم المياه لملء خزانات السدود السورية المحددة في الجدول المرفق، ومقدار تخزينها وحق سوريا في الحفاظ ، على كل هذا المخزون من المياه والذي يعتبر جزءاً من هذا الاتفاق لا يتجزأ .."
صحيح أن سد الوحدة لم يتحقق بسبب عدم توافر المال المطلوب آنذاك (350 مليون دولار تقريباً) ، وبسبب الضغوط التي مارستها إسرائيل على الولايات المتحدة، وهذه على البنك الدولي ، إلا ن المادتين السادسة والسابعة المذكورتين تبقيان ملزمتين للأردن وبذلك يحق لسوريا الاحتفاظ بحصة من مياه اليرموك لا تقل عن 156,16 م3 ، وفقاً للمادة السادسة ، كما يحق لها الاستئثار بكل مياه الينابيع التي تتفجر فوق مستوى الـ 250 متراً والمستغرب في المعاهدة الأردنية ـ الإسرائيلية أنها لم تتعرض، لا من بعيد ولا من قريب لحقوق سوريا أو حصتها في المياه المشتركة فما هي الآثار والنتائج التي قد تترتب على هذا الإغفال أو التجاهل؟
ب ـ الآثار القانونية لتجاهل حصة سوريا من مياه اليرموك
يؤكد أساتذة القانون الدولي " ن الأصل في المعاهدات أن لا تنشئ حقوقاً وواجبات إلا بين الدول التي أبرمتها . وقد أيد الاجتهاد الدولي هذا المبدأ في قرارات عدة .. بيد أن مبدأ نسبية المعاهدات ليس مطلقاً فكثيراً ما يحدث ن تمتد آثار المعاهدات إلى دول لم تسهم في إبرامها ولم تكن طرفاً فيها.." وهذا ما نشهده في المعاهدة الأردنية ـ الإسرائيلية ، حيث يحتفظ الأردن ، بعد حصول إسرائيل على نحو 45 مليون متر مكعب بكل مياه اليرموك من دون التفات إلى حصة سوريا.
فكيف يمكن للأردن التوفيق بين التزاماته الناجمة عن معاهدتين : اتفاق سد الوحدة (اعترافه لسوريا بقسم من مياه اليرموك) ومعاهدة السلام مع إسرائيل (إسرائيل بم تبقى من مياه اليرموك بعد استحوذ إسرائيل على حصتها)؟
إن القانون الدولي المعاصر يضع شروطاً لصحة انعقاد المعاهدات منها التوافق بين الالتزامات السابقة والراهنة ، وهذا الشرط يثار غالباً في الحياة العملية والدولية ويستحق الانتباه . وهو يتلخص في السؤال الآتي : هل تعتبر المعاهدة باطلة إذا كانت مخالفة لمعاهدة سابقة أبرمت بين بين الأطراف أنفسهم ؟ أو هل تصبح المعاهدة غير صحيحة وقابلة للبطلان إذا كانت الالتزامات التي تنص عليها منافية للالتزامات التي اتفقت عليها ذاتها في معاهدة سابقة. ؟
ولو طبقنا هذا الشرط على حالة الأردن لطالعنا السؤال الآتي : ما مصير المعاهدة الأردنية ـ الإسرائيلية الراهنة التي تنص على التزامات منافيه للالتزامات التي اتفق عليها الأردن مع سوريا في معاهدة سابقة ؟ أو هل بإمكان سد الوحدة أن يحد من حرية التصرف والتعاقد التي يتمتع بها الأردن ؟ أو ما هو حكم معاهدة السلام الأردنية ـ لإسرائيلية في هذه الحالة؟
إن الاجتهاد والفقه الدوليين أقرا بأن المعاهدة السابقة بين دولتين تبقى صحيحة وملزمة للطرفين فيها ، غير أن إحدى الدولتين التي تبرم لاحقاً مع طرف ثالث معاهدة مناقضة للمعاهدة السابقة تعتبر مسؤولة حيال الدولة الطرف في هذه المعاهدة بسبب مخالفتها لالتزاماتها فيها.
وتطبيقاً لهذه القاعدة يتعين على الأردن إما أن يسارع إلى تبديل معاهدته مع إسرائيل لكي يتمكن من احترام التزاماته في اتفاق سد الوحدة ، وإما أن يعمد إلى التفاوض مع سوريا للاتفاق من جديد على الوضع الجديد الذي أسفر عنه إبرام معاهدة سلام مع إسرائيل ، وذلك بغية التوفيق بين المعاهدتين.
إن براعة إسرائيل في بث الفرقة والانقسام تستعصي على الوصف ، وهي تستعين بهذه الموهبة لتحقيق إستراتيجيتها في الشرق الأوسط . وبما أن فكرة السيطرة على الشرق الأوسط بسكانه وموارده واقتصاده هي من صميم هذه الاستراتيجية ، فقد حاولت إسرائيل التسرب بالسر أو العلن ، إلى مراكز القرار في معظم الأنظمة العربية من دون أن تتمكن ، حتى الآن من اختراق الموقف السوري واستشارت مراكز الأبحاث فيها فأشارت عليها بإثارة الخلافات بين سوريا وجيرانها، لعرب وغير العرب ، في المجال المائي بغية إنهاك قواها وإكراهها على الرضوخ، وكانت فكرة إثارة الخلاف على اقتسام المياه بين الأردن وسوريا أول الغيث.
فصل من كتاب "لا أحد يشرب "
تأليف خبير المياه والباحث
طارق المجذوب
صادر عن دار رياض نجيب الريس بيروت عام 1998 .
إضافة تعليق جديد