التدخّل الروسي يعزّز أسئلة الغد في سوريا

20-10-2015

التدخّل الروسي يعزّز أسئلة الغد في سوريا

لم ينسَ العديد من أبناء جيل السبعينيات والثمانينيات في مدينتَي طرطوس واللاذقية، الحضور الروسي في شوارع وأسواق المدينتين، لا سيّما في الأولى التي كانت قبلة الجنديّة البحريّة الروسيّة في المتوسط.
تكثر ألبومات الصور التي تحتوي صوراً تذكاريّة لشبّان صاروا رجالاً، إلى جانب بحّارة روس من أيام الحقبة السوفياتيّة بثيابهم الزرقاء والبيضاء وقبّعاتهم الصيفية، خلال تجوالهم في الأسواق الشعبية المحليّة.
في الثمانينيات، كما يروي أربعينيّ من جعبة ذكرياته، كان ورفاقه يتجادلون في ما إذا كانت موسكو السوفيّاتية، حينئذ، تمتلك فعلاً العملاق الالكتروني الذي اشتهر في برامج الأطفال «غرندايزر»، وإنْ كانت مستعدة لاستخدامه، يوماً ما، ضدّ إسرائيل في أيّ حرب كبرى!صورة وزعتها وكالة «سانا» لجندي سوري يشير بإصبعه إلى إحدى طرق الريف الشمالي الغربي لحماه (أ ف ب)
حديث الأمس، يحضر في دورة التاريخ القصيرة الآن، برغم أنَّ «التعلّق بالروس»، لم يغادر الهواجس السوريّة يوماً، خصوصاً على الصعيدين الأمني والعسكري.
حديث الساعة، على خلفيّات الحضور الروسي الجوّي، بدءاً بتحويل مطار حميميم المدني إلى قاعدة عسكرية، وصولاً إلى تخيّلات عن المشروع السياسي الذي، ربّما، تُخفيه روسيا تجاه سوريا، أو أنّها قد لا تمتلك تصوراً عملياً واضحاً له بعد.
كل هذا في صميم اليوميّات السورية التي تتدرّج من محاولة قراءة الخرائط اليوميّة للأعمال الميدانيّة، وصولاً إلى هموم العودة إلى المنزل بسلام، وفي الجيب ما يكفي للغد من مالٍ.
كثرٌ متفائلون بالتدخّل الروسي، متشائمون من الوضع الاقتصادي، حائرون حيال المستقبل، قلقون من الإيديولوجيات الدينيّة التي تنمو بشكل متوازٍ مع نفوذ أفراد كانوا مجهولين وصاروا أصحاب نفوذ جارف من المجموعات المسلحة، يفاخر بعضهم برصيد مالي تكوّن سريعاً من مئات ملايين الليرات.
لكن اليوم التالي للأزمة يبقى بعيداً جداً، والقلق بشأنه ما زال ترفاً فكرياً. تقريباً، لا حديث يعلو على حديث الفاقة. كيلو البطاطا الذي سعره صار سبعة أضعاف، والليرة التي فقدت 70 في المئة من قيمتها، وهموم مونة الشتاء التي لا عون لأحدٍ فيها.
في منطقة مثل طرطوس، استغنت العائلات هذا العام عن الاستعانة بالعمّال لتجميع محصول الزيتون من الكروم المنتشرة في المحافظة. صارت الأُسر تنزل بمن فيها صغاراً وكباراً لتوفير أجرة العامل من جهة، وقطاف الموسم من جهة أخرى، بعدما باتت قدرة التموّن تفوق إمكانية الأسرة المتوسطة الدخل، إذ ارتفع سعر ليتر الزيت من 150 ليرة قبل أربعة أعوام، إلى ما يقارب الـ 750 ليرة الآن. يسرد البعض تفاصيل رحلته بين البقّال واللحّام ليسأل في النهاية إن كانت الضربات الروسية ستعجّل في «الخلاص» المرتقب!
المعادلة المبسّطة شعبياً في مناطق سيطرة الدولة، هي ضربات روسية قوية تُقدّم للجيش السوري انتصاراً ساحقاً. المعادلة الشعبية الأعقد بقليل، هي ضربات روسية تُقدّم للجيش تسوية دولية - إقليمية تُفرَض كأمرٍ واقع.
يلي ذلك، في الحالتين، مشاريع إعادة إعمار، وتحسّن في مستوى الليرة، وتالياً في فرص الحياة الاقتصادية. السيناريو الثالث يُهمَس همساً، وهو ضربات روسية تُقدّم للجيش دعماً من الأعداء للخصوم، ومن ثمّ جبهات جديدة، ودوران في مربع عنف السنوات الأربع، من دون أن يعرف أحدٌ إلى متى.
الحتميّة بالنسبة إلى أهالي مدينتَي اللاذقية وطرطوس، هي أنَّ الوجود الروسي سيغيّر شيئاً في سوريا المُتغيّرة أصلاً. من الصعب قراءة المستقبل، ولكن الروس كانوا «أليفين» طوال العقود السابقة، وهم، في سوريا، كانوا يهتمّون بشؤونهم فقط.
اختاروا مطار حميميم بديلاً عن مطار «التي فور» الأعقد تجهيزاً في حمص، نتيجة قرب قاعدة الإمدادات الروسية في طرطوس. وعملياً، أقاموا معسكرهم في أرض سبق لهم أن خبروها منذ السبعينيات.
لا يفرض الروس ولا يرغبون في فرض عقيدة عسكرية أو سياسيّة أو دينيّة. يحلّل كثرٌ التواجد الروسي في شكله الحالي، باعتباره مناورة سياسيّة. ربّما هي أكثر من ذلك، بحيث يكون تحصيناً للعمق الاستراتيجي لموسكو. لكن لا نية لدى الروس، لفرض ثقافتهم.
مع إيران، تصبح الحسابات أكثر تعقيداً، باعتبار أنَّ للحليف الإيراني وجوداً عسكريّاً بريّاً في سوريا، فضلاً عن أنَّه يمتلك عقيدة دينيّة هي في صلب تكوين الدولة، هذا إلى جانب أنَّ طهران عاصمة بطموحات كبيرة. فهل يجر هذا إلى مواجهات أكثر عنفاً في المشهد السوري؟
 التجانس المذهبي الذي تفرضه الحرب على الجبهات المُتصارعة، يعزِّز مجدداً مخاوف التقسيم الذهني لسوريا، خصوصاً في ظلّ استحالة التقسيم الجغرافي. مؤخراً، على عكس الشائعات التي سرت عن قرب حلّ قوات الدفاع الوطني، زاد الاعتماد على هذه الفئة من المقاتلين، كما ارتفع معدّل المتطوّعين من فئات أخرى تنتمي إلى جنسيات أجنبيّة، تحرّكها العوامل المذهبية.
ومع ازدياد فعاليّة المشاركة في القتال لهذه المجموعات، وازدياد نفوذها في المجتمعات المحلية، زاد الاستقطاب أيضاً على الجبهة الأخرى. وترافق ذلك مع تصريحات أميركية علنيّة تضع سوريا في سياق مشروع تقاسم مذهبي للسلطة، وفقاً لما جاء على لسان كل من الرئيس الأميركي باراك اوباما، ووزير خارجيته جون كيري، خلال الأسابيع الماضية.
الاستماع إلى التصريحات، لا سيّما تلك التي تحمل مؤشّرات مثيرة، لا يزال عادة لدى البعض. البحث عن أمل يتجاوز الفضول الإخباري، صار أشبه بعادة صيد يوميّة للأخبار التي يمكن أن تُطمئِن.
أخبار الأمس، تتحدَّث عن ثلاث حملات عسكريّة للجيش في ثلاث مناطق، تتوزّع بين حلب وحمص وإدلب. يقول الخبر إنَّ فصائل مُعارِضة في الشمال، أطلقت تحالفاً عربياً ـ كردياً برعاية أميركية. الخبر الثاني، يتحدَّث عن اتفاق سعودي ـ قطري ـ تركي على تشكيل «هيئة عمل وطني» تضمّ فصائل عسكرية غالبيتها إسلامية، وسياسيين من قوى «الائتلاف الوطني» المعارض. أخبار أخرى متفرقة تتحدَّث عن تنسيق روسي ـ إسرائيلي لتفادي تضارب المصالح في الأجواء السورية، وأخرى تتنبّأ بغرفة عمليّات لتنسيق بري روسي ـ سوري ـ إيراني ـ عراقي، في حين لا تجزم الأنباء بحصول توافق أميركي ـ روسي على تنسيق القتال في الأجواء السورية.
الـ «سوخوي» تحلّق، تقصف وتعود. الجيش يعلن عن عمليّة وراء أخرى، ويتقدّم. نشرات الأخبار المنحازة، تقود الهواجس في هذا الاتجاه أو عكسه. لكن الدولار لا يتوقف عن تسلّق السلم. ووفقاً لخبير اقتصادي مقيم في سوريا، فإنَّه من المتوقع أن تلامس العملة الخضراء سقف الـ 400 ليرة نهاية العام الحالي، تزامناً مع ارتفاع الطلب على وقود التدفئة.
يتكرَّر السؤال اليومي «ماذا عن الغد؟». يجيب أصحاب الأسر، كما يجيب جيرانهم الأقرب والأبعد: «نعيش الغد كما عشنا الأمس، على أمل الفرج القريب».

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...