الانفتاح العربي على سوريا بداية مرحلة جديدة أم خطة أميركية؟
يؤشّر اللقاء الذي انعقد، في نيويورك، بين وزيرِ الخارجية السوري، فيصل المقداد، ونظيره المصري، سامح شكري، على تحوّلٍ أوسع في تعاطي بعض الدول العربية مع دمشق. ولأنّ هذا اللقاء يأتي بعد محطات سابقة جمعت مسؤولين سوريين مع وزراء من الأردن والسعودية، فإن هذا التلاقي، الذي كان ممنوعاً أميركياً، ما كان ليتم الآن لولا ضوءٌ أخضرُ من واشنطن. فهل هذا الضوء يشكّل بداية مرحلةٍ جديدة؟
ما لا شك فيه أنّ الإرادة السورية هي التي انتصرت، في مواجهة حصارها وعزلها وإضعافها. فكان لقرار الصمود والمواجهة، ثم الانتصار، نتائجُ وثمارٌ حان موعد قطافها، على الرغم من أنّ واشنطن أرادت إسقاط النظام في سوريا، لكن ثباتَ دمشق وقيادتها، ودعمَ الحلفاء، ساهما في إفشال كل المخطّطات التي نفّذتها جماعاتٌ إرهابيةٌ بدعمٍ أميركي وتمويلٍ عربي.
وهنا، لا بدّ من السؤال عن حقيقة ما يجري. فهل هو تحوّلٌ جذريٌ في التعاطي مع دمشق، أم محاولةٌ جديدة للتقرّب إلى سوريا بهدف إبعادها عن حلفائها، ولاسيما إيران ومحور المقاومة؟
أكّد وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد يوم أمس ، خلال مقابلةٍ مع الميادين، أنّ اللقاء بوزير الخارجية المصري، سامح شكري، في نيويورك، سيكون بداية للتقدّم في العلاقات نحو الأمام، مضيفاً أنّ "سوريا ترحّب بأي تواصلٍ للدول الغربية معها، على الرغم من وجوده بصورةٍ سريةٍ".
وأشار المقداد إلى أنّ "الدول الغربية هي التي صنعت الإرهاب في سوريا"، داعياً "الأمم المتحدة إلى الالتزام بميثاقها".
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال عضو مجلس الشعب السوري، الدكتور أحمد الكزبري، للميادين ضمن المسائية، إن "سوريا كانت دائماً وأبداً منفتحة على كل الدول العربية"، مضيفاً أنّ "العرب لم يكونوا يوماً أعداء لسوريا، وكانت أبواب دمشق دائماً مفتوحة لهم".
كما اعتبر الكزبري أنّ"اللقاءات الحالية يمكن أن تنتج منها عودة العلاقات العربية بسوريا إلى طبيعتها"، موضحاً أنّه "يمكن أن يصدر، خلال أشهر، قرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية".
وبيّن الكزبري أنّه "قد يكون للقاء وزير الخارجية السوري نظيرَه المصري نكهةٌ خاصة بسبب الانقطاع لسنوات"، موضحاً أنّه "يمكن القول إنّ هناك غضَّ نظر أميركياً، لكنه ليس تحوُّلاً جذرياً تجاه سوريا".
وشدَّد الكزبري على أنّ "الانسحاب الأميركي من سوريا أمرٌ حتمي"، معتبراً أنّ "المشروع الأميركي فشل بسبب صمود سوريا، ووقوف الحلفاء إلى جانبها".
من جهته، أفاد أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية في واشنطن، الدكتور إدمون غريب، بأنّه "كانت هناك توقعات في واشنطن، مفادها أنّ النظام السوري سيسقط خلال أشهر"، مشيراً إلى أنّ "قدرة سوريا على استعادة السيطرة على أغلبية أراضيها، وتقدُّمَها في الميدان، فرضا التحولات".
ورأى غريب أنّ "من المبكّر جداً القول إن السياسة الأميركية تغيّرت بصورة جذرية تجاه سوريا"، قائلاً "إننا نرى حالياً نوعاً من المرونة في المواقف الأميركية لم تكن موجودة قبل فترة".
بدوره، قال مندوب مصر الأسبق لدى جامعة الدول العربية، الدكتور هاني خلاف، إن "هناك أسباباً سورية وإقليمية ودولية دعت إلى هذا التطوّر المهم، والذي يحدث في العلاقات السورية الخارجية، بحيث نشهد تحولات، سببها كفاءة دمشق في مواجهة الأزمات".
وأضاف خلاف إن "السوريين أنتجوا مُخْرَجات مهمة جداً مع المجتمع الدولي، عندما طُلب منهم الكشف عن أسلحتهم الكيميائية، بحيث قدَّموا بيانات واضحة وشفافة ".
مشهدٌ جديد وتحولات لافتة، سُجِّلت مع إطلالة وزير الخارجية السورية، فيصل المقداد، من على منبر الأمم المتحدة، لأول مرّة منذ شن الحرب على بلاده. مؤشرٌ يجب التوقف عنده، لكنّه لا يكفي للتأكد من حقيقة نيّات الغرب وأميركا، ولاسيما أنّ دمشق ثابتةٌ في الاستراتيجية التي لطالما كانت سبباً في شنّ العدوان عليها.
الغرب عموماً موقنٌ فَشَلَ معركته مع سوريا، وجرّب طوال 10 أعوام، في كل الوسائل، إسقاطَ النظام في دمشق. وبناءً عليه، تقضي البراغماتية الانحناء وإيجاد مسالك مغايرة، ربما تكون القنوات الدبلوماسية، التي يفتحها حلفاؤها العرب مع دمشق أحدَها، في محاولةٍ جديدة لإبعادها عن موقعها، قومياً ووطنياً، في قلب محور المقاومة.
لقاءات متعدّدة جرت بين وزراء سوريين ونظرائهم العرب قبلاً، واجتماع الوزير المقداد بنظيره المصري، سامح شكري، أحدها، وهي تعبّر عن مناخٍ سياسي يجب انتظار تطوره، وعدم المراهنة بالكامل عليه.
إضافة تعليق جديد