استعادة الآثار السورية المنهوبة : الإستحقاق الأول أمام وزارة الثقافة السورية
تقف وزارة الثقافة السورية أمام الإستحقاق الأبرز لها منذ تكوينها والمتمثل في محاولتها الدؤوبة لإستعادة الآثار السورية المنهوبة إلى مختلف دول العالم وهو أمر يبدو شاقا للغاية وإن لم يكن مستحيلا، الشق الأسهل في المحاولة يتعلق بتلك الآثار الموثقة في المتاحف السورية والتي لها أرقام ومحاضر ملكية، أما الآثار التي سرقها لصوص الحرب من المواقع الأثرية المترامية على الجغرافيا السورية فدون الوصول إليها عقبات وعقبات، وتحتاج إلى توثيق روح التراث لإستعادتها وإثبات ملكية سوريا لها، سيما وأن السوريين لا ينسبون سرقة آثارهم لتجار هذه الآثار فقط، وإنما لجهات استخباراتية تريد أن تمحو عبر هذه الآثار تاريخا يثبت كيف تحولت الخرافة إلى واقع سياسي فضلا عن رغبتها وهي صاحبة الخواء الفكري في كتابة تاريخ جديد لا تستطيع الآثار السورية المغيبة أن تطعن في صحته أو تثبت كذبه على أقل تقدير فما نقش على الصخر لا يمكن ان تزيله رياح الكذب والإفتراء إلا إذا غيبت هذه الآثار في قرار سحيق لا تبدو الإسرائيليات بعيدة عنه.
آثار سورية في عراء التاريخ
صعق أحمد ابن محافظة إدلب وهو يرى رقما أثرية خاصا بقريته يعرض للبيع في أحد متاجر الآثار في تركيا، تجمدت نظراته طويلا عليه قبل أن يشيح بوجهه عنه ويعود أدراجه إلى الوراء، ” آثار البلاد تعرض في عراء التاريخ ” حدث الرجل نفسه وهو يغادر على جناح الذكرى إلى الأيام الخوالي حين كان المسنون من أبناء ضيعته يحدثونه عن كنوز الآثار المدفونة في الجبال والتلال القريبة والتي كانت الحكومة السورية ترسل إليها بعثات الإستكشاف المحلية والأجنبية بغية الإحاطة بتاريخ البلاد والحفاظ على هذا الإرث الإنساني الذي لا تملك الكثير من الدول ولو جزءا يسيرا منه.
يتذكر أحمد كيف غزا لصوص الآثار هذه المواقع بعدما انحسرت سيطرة الدولة السورية عنها وكيف عاثوا فيها فسادا ودمروا الكثير منها عبر وسائلهم البدائية في التنقيب .
أمر صعب ولكنه ليس مستحيلا
من خلال اتصالنا الهاتفي معه كشف نظير عوض معاون مدير عام الآثار والمتاحف في سوريا أنّ استعادة المسروق من التراث الثقافي السوري يبدو مسالةٌ معقدة و شائكة جداً، فالأمر أبعد من مجرد لصوص يريدون أن يتاجروا في ذاكرة وطنهم بل يتصل بدول بعينها فعلت أجهزة استخباراتها لهذا الغرض.
“التعدي على الآثار السورية خلال الأزمة كان مُمَنهجاً ومدعوماً بشكل لوجستي من قبل دول كثيرة حيث بات جزء كبير من آثار تدمر وحلب و أفاميا وإيبلا وغيرهم من المواقع خارج البلاد ولا يمكن تقدير أعداد القطع الأثرية المسروقة حتى اليوم بشكل دقيق لأنّ سوريا من أغنى دول العالم بالمواقع الأثرية والتي نُهبَت بشكل عشوائي و وحشي”.
انتهى الأمر وفق عوض إلى بيع آلاف القطع الأثرية السورية في تركيا و منها عبرت لدولة الكيان المحتل ودول أخرى “ليس لها تاريخ كسوريا و تحاول أن تبني لنفسها تاريخاً”، مشيراً إلى أنّ ” المتاحف السورية فقدت القليل ولكن المواقع الأثرية التي لم تُنقبها الدولة أو البعثات الأثرية و التي تتواجد في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة مثل محافظة ادلب المفتوحة على تركيا حدودياً قد فقدت كنوزها و دمّرت مواقعها بوحشية لأنها لم تُحفر بأياد خبيرة غايتها قراءة تاريخ المنطقة و إنّما بآخرى تريد تدمير تاريخ و ثقافة سوريا”.
التعاون مع اليونيسكو لإستعادة الآثار المسروقة
وحول الآلية التي تنتهجها وزارة الثقافة السورية في استرداد القطع الأثرية المنهوبة أكد عوض أنّ ” المديرية العامة للآثار والمتاحف تملك كما هائلا من المعلومات عن آلاف القطع الأثرية المسروقة والمهربة إلى خارج البلاد وتعمل بشكل كبير على استردادها فالمديرية تلاحقها في الدول التي تتواجد بها، والقطع التي سُرقت من المتاحف لها وثائق تُثبت ملكيتها السورية وتستطيع المديرية إعادتها أينما ثبت وجودها وهذا أمر أسهل بكثير من مسألة إعادة القطع التي سرقت من المواقع التي لم تنقب عنها الدولة والتي عاث فيها اللصوص دمارا ” فهذه برأيه هي المشكلة الأكبر.
عوض أكد أن هناك حراكاً سورياً مكثفاً عبر منظمة اليونسكو لإلزام الدول التي تنتشر فيها الآثار السورية المسروقة لإعادتها إلى سوريا وفق طرائق قانونية والأمر يتم “بمساعدة علماء الآثار السوريين وغير السوريين ممن يستطيعون تمييز القطع الأثرية ذات الهوية السورية الخاصة التي هي سمة الحضارات التي كانت متواجدة على أرض سوريا و لكن ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً”.
محمد عيد -العهد
إضافة تعليق جديد