استبعاد كوشنير عن إعداد زيارة ساركوزي لدمشق
توصيف العلاقات الفرنسية السورية المستجدة بالاستراتيجية، ليس مبالغة. المبادر إليه ليس عربيا. كلود غيان، الأمين العام للأليزيه، انتقى العبارة ليرددها مرات عديدة، على مسمع نائب رئيس مجلس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردري الذي التقاه مساء أمس الأول في باريس.
وقال الدردري إن »القاعدة الاقتصادية والعلاقات الاستراتيجية بين البلدين قد قامت، وهي ستجعل تجدد أي انقلاب أو قطيعة مستقبلية، احتمالا صعبا وضئيلا، لأنها بنيت على قواعد صلبة«.
ذلك أن الدردري في نهاية ماراتون من اللقاءات المكثفة على مدى يومين، مع أقطاب الاقتصاد والصناعة الفرنسية، الرسمية والخاصة، قد أنجز »ما أرسلني من أجله الرئيسان بشار الأسد ونيكولا ساركوزي إلى باريس، وتحضير الملفات الاقتصادية« لزيارة الرئيس الفرنسي إلى دمشق منتصف أيلول المقبل.
ويوضح أنه أصبح لدى الطرفين »تصور تفصيلي في مجالات النفط والغاز، وسيتم التوقيع على برنامج واسع من العقود مع شركة »توتال«، ونقيم معها شركة مختلطة لتطوير استخراج الغاز ونقله، في سوريا والمنطقة. ومع »ايرباص« في مجال النقل الجوي، حددنا اتفاقا مبدئيا، لشراء ٥٠ طائرة، في صفقة لعشرين عاما، واتفقنا مع »آلستوم« على بناء محطة لإنتاج الكهرباء بقوة ٧٥٠ ميغاواط. كما يقيم اتفاق بين الحكومتين إطارا لدعم الإصلاحات الاقتصادية، وإرسال خبراء فرنسيين إلى دمشق لتأهيل الكادرات السورية، وتوسيع نطاق عمل المدرسة الوطنية للإدارة، لتأهيل، ليس فقط الكوادر المتوسطة بل العليا أيضا، وإعداد الموظفين السوريين الكبار في الإدارة والاقتصاد، لأننا نحتاج إلى نخب جديدة منهم، وهناك التعاون المالي«.
التعاون المالي في أي قطاع، ولماذا، لأن سوريا، عند الدردري »تحتاج إلى ٥٠ مليار دولار في الأعوام العشرة المقبلة، لتأهيل البنى التحتية، من الطرق والمطارات والمرافئ والمياه والتعليم والصحة، ولن تستطيع، وحدها، من دون الاستثمارات الأجنبية، تمويل هذه المشاريع«.
وقال مصدر سوري إن »الدردري وغيان اتفقا على وضع آلية لمتابعة تنفيذ ما اتفق عليه، وبالتنسيق مع وزير الشؤون الأوروبية جان بيار جوييه، لكي يستكمل الخبراء في سوريا التعديلات التي تنوي دمشق إدخالها على نص الشراكة الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي، لوضعها في أقرب فرصة على جدول أعمال المفوضية الأوروبية وإقرارها«.
الدردري لم يلمس مرة واحدة لدى من التقاهم، ربطا بين تقدم العلاقات الاستراتيجية الفرنسية السورية والأداء السوري في الملف اللبناني. وقال »لم أسمع أحدا يقول لي لا نستطيع أن نتعاون اقتصاديا إذا لم تفعلوا ما نريد في لبنان، لم يحدث ذلك أبدا«.
ولن يحدث. فالتوازن بدأ يعود إلى العلاقة السورية الفرنسية، بعيدا عن التوصيفات من استراتيجية وبنيوية التي اختارها مقتصد في الإطراء، ككلود غيان، استدعتها مع ذلك ربما »الحماسة« الفرنسية، للتعويض عن الوقت الضائع بين البلدين خلال فترة القطيعة. وتدل على ذلك كثافة العقود والاتفاقيات التي أعدها الدردري في باريس، للاحتفاء بها في دمشق مع ساركوزي. والفضل في ذلك يعود إلى خيار فرنسي بتقديم المصالح مع دمشق على الأداء السوري في الملف اللبناني، والتخلي عن فرض الشروط على دمشق، بعد نقاش جرى داخل الأليزيه والكي دورسيه، حول الاتجاه المناسب للعلاقات مع دمشق، خصوصا بعد »اتفاق الدوحة«، ورسا جواب استئنافها بقوة، واستبعاد وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير من مسارها، كما جرى استبعاده نهائيا من مسار إعداد زيارة ساركوزي إلى دمشق، بخلاف تصريح رئاسي كلفه بذلك الأسبوع الماضي، وأصبح مؤكدا أنه لن يذهب إلى العاصمة السورية منتصف الشهر المقبل للاتفاق مع السوريين على جدول أعمال الزيارة.
لكن التوازن في العلاقات مع سوريا لن يستقر على قدميه إلا باستكمال فك الارتباط مع الجانب الآخر لهذه العلاقات، والتي يرهنها رئيس فرنسي، صديق لإسرائيل، بالتطورات على المسار السوري الإسرائيلي، وبموقف دمشق من الدولة العبرية. هل نرفض الانفتاح على بلد يفاوض إسرائيل، رد ساركوزي على منتقديه قبل أسبوعين لاستقباله الأسد.
وقد يقدم ساركوزي خلال زيارته إلى دمشق، على خطوة باتجاه فك ارتباط العلاقات الفرنسية السورية بالمسار الإسرائيلي، إذا ما تأكد عزم الرئيس الفرنسي على تطوير عرض تجري دراسته، للتعاون في ميدان الطاقة النووية مع دمشق.
وإذا كان فصل المسار اللبناني عن العلاقات مع سوريا أتاح تحقيق توازن فرنسي سوري، فإن »المدى الحقيقي لاستراتيجية العلاقات المستجدة« يحتاج إلى اختبار التعاون النووي مع سوريا، خصوصا أنه يمس بأحد المحرمات الكبرى، وبتوازن القوى مع إسرائيل »صديقة« ساركوزي.
وكان الدردري يلتزم الصمت كلما طرح عليه سؤال عن التعاون النووي، لأنه يتجاوز فعليا صلاحيته، بما فيها صلاحية مجرد الإعلان عنه، لكنه كان يكتفي »بأن فرنسا عبرت على الدوام عن دعمها للبلدان العربية لكي تكتسب القدرات النووية الكهربائية، وهذا ينطبق على سوريا أيضا«.
- ورأى الأسد، خلال لقائه رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية الفرنسية السورية في مجلس الشيوخ الفرنسي فيليب ماريني في دمشق، أن »الحوار بين باريس ودمشق يسهم في إيجاد الحلول المناسبة لقضايا المنطقة«.
وذكرت (سانا) أن الأسد »قدم شرحا عن رؤية سوريا لعملية السلام، والدور الذي يمكن أن تقوم به فرنسا في هذا الصدد«. وتم تبادل وجهات النظر بشأن مستقبل مشروع »الاتحاد من أجل المتوسط«.
ونقلت »سانا« عن ماريني أن »زيارة الأسد الأخيرة إلى فرنسا فتحت الآفاق لتطـوير العلاقات السورية الفرنسية على جميع الأصعدة، وأكدت الدور المحوري لسوريا في المنطقة«.
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد