إسرائيل تفقد المبادرة
لم تمرّ السياسة الاسرائيلية الاقليمية سابقاً بمثل هذه التبعية للسياسة الأميركية في المنطقة. والسبب الاساس لهذا الوضع الترابط الكبير بين ما يحدث على الجبهة العراقية والجبهات الفلسطينية واللبنانية والسورية. والراهن اليوم ان الاخفاق العسكري الاميركي في العراق واضطرار ادارة الرئيس جورج بوش الى ادخال تغييرات على سياستها هناك خلق تضارباً في المصالح بين الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها التقليدية في المنطقة، الدولة العبرية. وأبرز دليل على ذلك المواقف التي أعلنها وزير الدفاع الأميركي الجديد روبرت غيتس في شهادته أمام مجلس الشيوخ الأميركي لا سيما في ما يتعلق بكيفية التعامل مع ايران والنظر الى دورها المستقبلي في العراق ومشروعها النووي.
حتى اليوم لا تملك اسرائيل مبادرة حقيقية لا سياسية ولا عسكرية لمواجهة المعركة التي يخوضها النظام الايراني وحلفاؤه في المنطقة ضدها وضد الولايات المتحدة. فرئيس الجمهورية الاسلامية محمود أحمدي نجاد لا يترك مناسبة الا ويصرح أن على اسرائيل أن تزول وأن مصيرها الى فناء. وبعد الاخفاق العسكري للجيش الاسرائيلي في مواجهاته مع "حزب الله" في لبنان عاد نجاد الى التبشير بأن اسرائيل ضعيفة وجيشها عاجز، وأنها فعلاً على طريق الزوال والانهيار. واذا لم تكن اسرائيل فعلاً مهددة بالزوال فانها وفقاً لوزير الدفاع الاميركي الجديد معرضة لتهديد مباشر من جانب ايران في حال تعرضت منشآتها النووية لضربة عسكرية اسرائيلية او اميركية، مما يعني أن لا شيء سيمنع ايران من الحصول على السلاح النووي. وفي اعتقاد غيتس لا شيء يضمن في حال امتلكت ايران هذا السلاح ألا تستخدمه ضد اسرائيل اذا هوجمت ، ورغم ذلك فهو يقترح محاورة ايران والتوصل الى تسوية سياسية معها. وموقف غيتس من سوريا لا يختلف كثيراً رغم أنه ينظر اليها كمصدر تهديد ثانوي لأميركا ويعارض بشدة أي هجوم عسكري على نظامها.
وكل هذه التوجهات تتعارض حالياً مع توجهات حكومة أولمرت التي أعلنت أن مواجهة الخطر الايراني هي الاولوية في جدول أعمالها، وأنه الاخطر منذ نشوء التيار الناصري المعادي لاسرائيل في اوساط الخمسينات. وهكذا لم يعد تصاعد النفوذ الايراني في المنطقة وتوسعه، بحيث يمكن ان يشمل العراق ولبنان وسوريا والمناطق الفلسطينية مجرد احتمال، وانما بات واقعاً على الارض. فاسرائيل تنظر الى الحركة الاحتجاجية للمعارضة في لبنان بصفتها جزءاً لا يتجزأ من المعركة التي يخوضها حلفاء ايران ضد الولايات المتحدة التي تدعم الحكومة اللبنانية الحالية، وتعد اسرائيل العدة لمواجهة احتمالات سقوط هذه الحكومة وما قد يستتبع ذلك من انعكاسات على الوضع السائد على الحدود، وعلى وقف النار المعلن في آب الماضي.
وفي مطلق الاحوال سواء تغيرت الحكومة أم لم تتغير، فالجيش الاسرائيلي يعد نفسه لفرضية نشوب حرب ثالثة في لبنان لا سيما في ضوء معلومات الاستخبارات العسكرية عن تدفق السلاح الى "حزب الله" وعدم تغير الاوضاع فعلاً في الجنوب رغم انتشار قوات الطوارىء المعززة والجيش اللبناني على طول الحدود. ولم تستبعد هذه الاستخبارات امكان توسع القتال ضد سوريا هذه المرة. ولكن كل هذه الفرضيات لا بد ان يعاد النظر فيها بعد تثبيت وزير الدفاع الاميركي وتبني وجهات نظره المعارضه لأي ضربة عسكرية لسوريا.
في مواجهة هذا كله، ثمة في اسرائيل من يقترح على حكومة أولمرت استعادة زمام المبادرة و بلورة خطة سياسية هدفها الاساسي وقف تمدد النفوذ الايراني في المنطقة بالتحالف مع الدول العربية المعتدلة المهددة من ايران وذلك بايجاد مسار لتجدد المفاوضات العربية – الاسرائيلية وتبني الخطة السعودية للتسوية السلمية التي وافق عليها الرؤساء والزعماء العرب في القمة التي عقدوها في بيروت. فبرأي عدد كبير من السياسيين الاسرائيليين السابقين والحاليين ان هذا من شأنه أن يحرم ايران من استخدام النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين والعرب لتعزيز مكانتها في المنطقة، وسيبعد سوريا عن ايران التي باتت اليوم تملك ثلاث أوراق مهمة: الاستقرار في العراق وقطاع غزة ولبنان. في المقابل لا تبدو حكومة أولمرت قادرة على تبني مبادرة سياسية خلاقة تجاه الفلسطينيين والسوريين يمكن ان تغير المسار الحالي للأحداث.
رندة حيدر
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد