إحدى عشرة نظرية لتفسير قرار البرزاني بانفصال إقليم كردستان عن العراق
الجمل: شهدت مدينة إربيل عاصمة إقليم كردستان العراقي تطوراً ديناميكياً جديداً بفضل تداعيات تصريح الزعيم الكردي مسعود البرزاني لجهة الدفع باتجاه إعطاء الأكراد حق تقرير المصير: ما الذي يحدث حالياً في إقليم كردستان العراقي؟ وما هي نوايا الزعماء الأكراد الحقيقية؟ وما الذي سوف يحدث على خلفية تصريحات مسعود البرزاني؟
* المسرح الكردستاني العراقي: توصيف المعلومات الجارية
تقول التقارير بأن عاصمة إقليم كردستان العراق إربيل تشهد حالياً حراكاً سياسياً متواتراً بسبب انعقاد فعالية مؤتمر الحزب الديمقراطي الكردستاني الثالث عشر، هذا وتقول التقارير والمعلومات بأن مؤتمر الحزب قد تطرق إلى مناقشة:
• التقرير السياسي الذي تم وصفه بواسطة المكتب السياسي.
• التقرير التنظيمي المتعلق بحياة الحزب الداخلية.
هذا، وبرغم أن مؤتمر الحزب مازال مستمراً حتى الآن، فقد تمثلت أبرز القرارات في تشكيل لجان لمناقشة البرنامج والتنظيم العام والمالية والإعلام وملفات قوات البشمركة ومنظمات الحزب المهنية والجماهيرية.
برغم أن شعار مؤتمر الحزب الحالي كان بعنوان (التجديد، العدالة، التعايش المشترك) فقد فوجئت الأوساط السياسية والدبلوماسية والإعلامية بتصريح مسعود البرزاني زعيم الحزب الذي يتولى حالياً منصب رئيس كردستان، والذي طالب من خلاله بطرح مبدأ المطالبة بحق تقرير المصير للتصويت في المؤتمر.
* موقف البرزاني الجديد: لماذا المطالبة بحق تقرير المصير؟
من المعروف أن التحالف الكردستاني الذي يضم الحزب الديمقراطي الكردستاني (البرزاني) والاتحاد الوطني الكردستاني (الطالباني) قد أبدى بعد انهيار النظام العراقي السابق قدراً من المرونة، وخفف كثيراً من النزعة الانفصالية. ولكن، وبعد مرور أكثر من ثمانية سنوات على انتهاء نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، فقد عادت النزعة الانفصالية الكردية إلى الواجهة مرة أخرى، وفي هذا الخصوص تشير التحليلات إلى الأسباب الآتية:
- النظرية التفسيرية الأولى: تقول بأن الرغبة في الانفصال قد اكتسبت روحاً وطاقة دفع جديدة في أوساط الرأي العام الكردي، وذلك بفعل تأثيرات انفصال إقليم كوسوفو عن صربيا، وإعلان أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الشركسية الانفصال عن جورجيا، إضافةً إلى انفصال جنوب السودان الذي أصبح على الأبواب واحتمالات نجاحه 100% إذا تمت عملية التصويت في استفتاء 11 كانون الثاني (يناير) 2011 القادم.
- النظرية التفسيرية الثانية: وتقول بأن إبراز النوايا الانفصالية لم يتم خلال الفترات الماضية وذلك بسبب عدم رغبة واشنطن في أن يؤدي ذلك إلى توتير علاقاتها مع تركيا. ولكن بعد توتر علاقات واشنطن مع تركيا، فإن واشنطن أعطت الضوء الأخضر لحليفها البرزاني لجهة إبراز النوايا الانفصالية بما يتيح لأمريكا استخدام الورقة الانفصالية الكردية لجهة الضغط على أنقرا.
- النظرية التفسيرية الثالثة: وتقول بأن تل أبيب قد سعت إلى التنسيق مع أربيل، بما يتيح بناء ملف الانفصال الكردي لجهة استخدامه لاحقاً في معاقبة أنقرا. ومن أبرز الدلائل على ذلك أن تصريحات البرزاني قد جاءت ضمن توقيت يتزامن مع الخلافات التركية-الإسرائيلية بشأن تطبيع العلاقات والتي تشهد حالياً المزيد من الخلافات.
- النظرية التفسيرية الرابعة: وتقول بأن الزعيم مسعود البرزاني ظل طوال الفترة الماضية أكثر تحفظاً إزاء طرح ورقة الانفصال، وذلك بسبب إحساسه بعدم القدرة على الدخول في أية مواجهة مع تركيا، والآن، وبعد أن تمت عملية بناء قوات البشمركة الكردية، وتعزيز قدراتها العسكرية، وأيضاً وعلى خلفية علاقاته الوثيقة مع أنقرا التي ساومها في ملف حزب العمال الكردستاني، فإن البرزاني لم يعد يخشى الخطر التركي، وبالتالي سعى إلى إبراز النوايا الانفصالية.
- النظرية التفسيرية الخامسة: وتقول بأن إبراز النوايا الانفصالية يرتبط حصراً بكاريزمية البرزاني وطموحاته السياسية، فهو لم يعد ينظر إلى نفسه كمجرد رئيس لحكومة إقليمية، وإنما أصبح أكثر اهتماماً بتصعيد نفسه إلى مصاف رؤساء الجمهوريات، وبسبب ارتباطه بكردستان، فقد قرر أن يمضي خطوة للأمام لجهة المطالبة بالانفصال.
- النظرية التفسيرية السادسة: تقول بأن التنافس الكردي-الكردي هو السبب الذي حفز البرزاني لجهة إبراز الورقة الانفصالية، وذلك لأن تزايد القوى السياسية الكردية قد أدى إلى تهديد شعبية البرزاني وحزبه السياسي، إضافةً إلى أن الأجيال الجديدة التي نشأت في إقليم كردستان خلال العشرين عاماً الماضية أصبحت أكثر اهتماماً بتحقيق طموحات الدولة الكردستانية المستقلة.
- النظرية التفسيرية السابعة: وتقول بأن إبراز البرزاني للنزعة الانفصالية هو مجرد مناورة يهدف البرزاني من ورائها إلى عقد صفقة لجهة مقايضة تجميد ملف الانفصال مقابل الحصول على كركوك، وبالتالي، من المحتمل أن تشهد الفترة القادمة قيام بغداد بتقديم التنازلات لإربيل في منطقة كركوك.
- النظرية التفسيرية الثامنة: وتقول بأن إبراز البرزاني للنزعة الانفصالية هو مجرد محاولة لابتزاز الكتل العراقية الثلاثة (تحالف دولة القانون- التحالف الوطني العراقي- تحالف القائمة العراقية) وذلك لجهة الحصول على المزيد من التنازلات الإضافية وعلى وجه الخصوص في نصيب إقليم كردستان من عائدات النفط العراقي، إضافة إلى تخصيص المزيد من المناصب للتحالف الكردستاني وإقرار المزيد من التشريعات التي تتيح لحكومة إربيل المزيد من الصلاحيات الجديدة الإضافية.
- النظرية التفسيرية التاسعة: وتقول بأن إبراز البرزاني للنزعة الانفصالية هو أمر يتوجب التعامل معه بمصداقية وحمله محمل الجد، وذلك لأن النخبة السياسية الكردستانية أصبحت أكثر إدراكاً ووعياً بأن صيغة الحكم الذاتي الكردستاني قد استنفذت أغراضها، وبالتالي، وبعد مرور ثماني سنوات يتوجب الانتقال إلى صيغة جديدة تفيد لجهة اعتماد القوى السياسية والكردستانية لبرامج عمل جديدة، والمضي قدماً باتجاه مشروع الدولة الكردية.
- النظرية التفسيرية العاشرة: وتقول بأن النخبة السياسية الكردستانية قد أدركت أن التطورات الإقليمية والدولية أصبحت تعكس المزيد من المؤشرات التي تصب في مصلحة الانفصال، وذلك لأن البلدان العربية والنظام الإقليمي العربي يواجهان حالياً حالة من الضعف وتراجع القوة بسبب هيمنة أمريكا على المنطقة وعلى النظام الدولي، إضافة إلى أن إيران تنهمك حالياً في كيفية مواجهة العقوبات الدولية المتزايدة، وتركيا لن تستطيع على الأقل في الوقت الحالي القيام بعمل عسكري واسع النطاق في إقليم كردستان في ظل الوجود العسكري الأمريكي.
- النظرية التفسيرية الحادية عشرة: وتقول بأن إبراز النوايا الانفصالية قد تم الاتفاق عليه في واشنطن وتحديداً بين دوائر اللوبي الإسرائيلي واللوبي الكردي وجماعة المحافظين الجدد والزعماء الجمهوريين، وذلك لاستخدام ورقة الانفصال لتهديد بغداد وابتزازها لجهة تأجيل استمرار وجود القوات الأمريكية لفترة إضافية لحين إكمال الجمهوريين لصعودهم القادم في عام 2012 للبيت الأبيض الأمريكي، وهو الصعود الذي أصبح شبه ممكن.
حتى الآن، من الصعب ترجيح أي واحدة من هذه النظريات التفسيرية، ولكن على الأغلب أن تكون النظرية التفسيرية التاسعة هي الأكثر تطابقاً مع احتمالات بوجود العناصر الأساسية للنظريات التفسيرية العشر الأخرى، بحيث أن البرزاني يريد المزايا ويريد الانفصال، وفي نفس الوقت فهو من غير الممكن أن يسعى لاعتما هذه الخطوة إذا لم يكن قد حصل مسبقاً على الضوء الأخضر من محور واشنطن-تل أبيب.
* سيناريوهات ما بعد تصريحات البرزاني
تشير التوقعات إلى أن مؤتمر الحزب الديمقراطي الكردستاني سوف يصوت بلا شك لصالح دعم مبدأ حق تقرير المصير، وسوف يترتب على ذلك جملة من التداعيات أهمها:
• حصول الحزب الديمقراطي الكردستاني على المزيد من الدعم والسند بواسطة الأطراف الانفصالية الكردستانية.
• سعي القوى السياسية الكردستانية الأخرى إلى انتهاج نفس موقف البرزاني.
• سعي حكومة بغداد إلى العمل من أجل إخماد النزعة الانفصالية.
• قيام القوى العراقية الأخرى غير الكردية لجهة استهداف الحركات الكردستانية بما يعمق الانقسام في الشارع السياسي العراقي.
وإضافة لذلك، فمن الواضح أن دول المنطقة سوف تلتقط الإشارات الانفصالية القادمة هذه المرة من إربيل، وسوف تسعى إلى قراءة شيفرات هذه الإشارات، وبالتالي، فعلى الأغلب أن تسعى كل من طهران وأنقرا إلى التنسيق المبكر لجهة إجهاض خطر المشروع الانفصالي الجديد القادم من إربيل خاصة وأن تداعياته لن تنحصر على إقليم كردستان العراق، فهل يا تُرى سوف تمر العواصف الشرق أوسطية بسلام؟ أم أن إربيل سوف تضيف عاصفةً جديدة والتي على الأغلب أن ترتد تداعياتها على إربيل نفسها بعد أن اختار البرزاني أن يضيف عاصفة ساخنة إلى عواصف هذا الشتاء التي بدأت أكثر برداً؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
جغرافيا العصابات و الحلم الوطني
إضافة تعليق جديد