أميركيّون يجرّبون «البيتزا السوريّة» والكوارع
خلال السنوات الخمس الماضية، اقترن اسم سوريا بالحرب. فمن لم يزرها أو يسمع بها من قبل، بات يعرفها بلاد دمارٍ وفصائل متشددة و «مهاجرين بؤساء». شكّل هذا الغموض لدى شرائح واسعة من المجتمعات الغربية، سببًا في رواج بعض مقاطع الفيديو التي تدّعي بأنها تقدم تعريفاً عن سوريا. تعرّف هذا الفيديوهات بشكل مختصر بالطعام أو الأزياء السورية، وجوانب أخرى ترتبط بالتراث والثقافة ما قبل الحرب.
آخر المحاولات الاستكشافية، كانت مقطعًا مصورًا، نشر الإثنين الماضي، على موقع «باز فيد» لأميركيين يجربون الطعام السوري للمرة الأولى. يشبه الفيديو عشرات المقاطع المصورة عن أميركيين يجربون طعاماً ألمانياً أو كندياً أو إفريقياً. توثّق المقاطع الانطباعات الأولى إزاء النكهة والقوام ومكونات الأطعمة الجديدة.
يبدأ فيديو باكتشاف الطعام السوري مع مشروب العرق الكحولي، تليه قائمة متنوعة بين وجبات الكوارع والمصارين (الأمعاء المحشوة بالأرز واللحم والتوابل)، والمقلوبة إلى جانب الكبة اللبنية والكبة بالصينية أو «البيتزا السورية» كما أسماها أحد المشاركين في التجربة. قوبل شكل بعض الأطباق بالنفور والاستهجان، فيما نالت أطباق أخرى الاستحسان على اعتبارها غنية بالنكهات، وقد تمنّى أحد الشبان أن يصنع قالب حلوى للزفاف من الكنافة النابلسية. أثناء تجريب الأطعمة، جاهد المشاركون لنطق كلماتٍ عربية مثل «صحتين» و «طيبة» و «أنا بحب الأكل السوري»، ترافقت مع موسيقى أغنية «ع العين موليتين» في الخلفية.
بالرغم من شعبية «حفلات تجريب الطعام» تبقى معايير اختيار مأكولاتٍ تختصر ثقافة الطهي في بلد محدد مجهولة. وفي حين تنتمي بعض الأطعمة فعلاً إلى المطبخ السوري، تظهر أطباق أخرى في الشريط لا تتمتّع بالرواج نفسه، لكن اختيارها جاء لتوليد المفارقات في ردود الفعل. ونظرًا لقصر الفيديوهات وطابعها الكوميدي لا يفكّر مشاهدوها بالتدقيق في المضمون.
لكن الأمر اختلف مثلاً عندما اعتبرت «مناقيش الزعتر» إسرائيلية في أحد المقاطع المنشورة سابقاً. لذلك بدأ البعض يشكو من أن اختيارات الأطعمة ليست عبثية، إنما تستخدم أحياناً لتكريس تنميطات أو أفكار قد تخالف الحقيقة.
قد تكون التنميطات الخاصة بالطعام غير ذات أهمية بنظر البعض، لكنّ فيديوهات أخرى قد تكرّس صورًا نمطية سياسيّة أو اجتماعيّة أو ثقافيّة. ومنها الفيديو الذي نفّذه موقع Watch Cut لتوثيق تطوّر مفهوم الجمال السوري من العام 1910 حتى العام 2010.
وبالرغم من مواظبة الموقع على نشر سلسلة حلقات تجسّد مفهوم الجمال في كينيا والمكسيك وروسيا والهند ودول أخرى، إلا أن الشريط الخاص بسوريا أثار جدلاً من نوع خاص، لما يحمله من رسائل سياسية وفكرية. سرعان ما بدأ مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي بانتقاد الشريط لما يحمله من تنميط، تحديداً في تصويره السنوات العشر الأخيرة. ففي العام 2000 تظهر المرأة السورية وهي ترتدي وشاحًا ملونًا لتعود وترتدي حجابًا أسود في العام 2010، بعد ظهورها سافرة منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
كذلك اقتصر الفيديو على تصوير إطلالات النساء الميسورات في الخمسينيات والستينيات، متجاهلاً شرائح اجتماعية أخرى، فلا يمكن القول أنه صوّر «الجمال السوري» الحقيقي. ينسحب الأمر على الطعام السوري الذي لم يبدُ «سورياً على الإطلاق» حينما يتم التهامه بصحون بلاستيكية، من قبل شبّان يتظاهرون بكونهم «لجنة تحكيم» تقيّم الأطباق وتفرزها بين جيد وسيئ.
في المحصلة تعمل تلك الأشرطة على إعادة إنتاج المضامين والأشكال الثقافية بعد قولبتها وعرضها من زوايا أحادية بناءً على تفضيلات الغرب. ثم تعود وتقدّمها إلى الشعوب باعتبارها تشكل هويتهم الحقيقية.
نور أبو فراج
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد