أمريكا ترفع عصا النووي في وجه سوريا
دفعت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش حملاتها على سوريا الى الحد الاقصى، عندما اعلنت امس، وفي شكل درامي منظم تولاه البيت الابيض والكونغرس، ان التعاون السوري الكوري الشمالي أثمر المفاعل النووي غير السلمي الذي دمرته اسرائيل العام الماضي في دير الزور، قبل اسابيع او شهور من البدء بتشغيله.
وأثار الاعلان الاميركي اسئلة حول ما اذا كان يهدف الى تقديم مبررات متأخرة لتلك الغارة الاسرائيلية على دير الزور، او تنظيم الخلافات الاميركية الاسرائيلية حول سبل التعاطي مع دمشق، او ربما الى تبرير خطوات اضافية ضد سوريا التي استعادت في ردودها الاولية الاكاذيب الاميركية التي سبقت غزو العراق ومهدت له.
وسارع البيت الابيض الى تقديم استنتاجاته الخاصة لما جرى في الكونغرس: لدينا اسباب كافية للاعتقاد بأن المفاعل الذي لحقت به في السادس من ايلول من العام الماضي اضرار لا يمكن اصلاحها لم يكن للاستخدام السلمي، والتعاون الكوري الشمالي السوري يؤكد على الحاجة الى «مزيد من الخطوات» ضد الأنشطة النووية... لايران !. وعلى ضرورة قيام النظام السوري بالتوضيح للعالم ما يختص بنشاطاته النووية الغير شرعية، وهي إشارة قد تعني احتمال اللجوء الى إجراءات دولية تمهد لعقوبات ما ضد دمشق.
وعلى الرغم من الضبابية والغموض الذي يكتنف الشريط المصور المزعوم والذي خرج من شاهده من النواب الاميركيين بانطباعات مختلفة حوله، فإن احد النواب الذي حضروا جلسات لجان في الكونغرس امس، خرج بخلاصة مثيرة مفادها ان التعاون الكوري الشمالي مع سوريا كان يفترض ان يثمر مفاعلا نوويا في دير الزور خلال اسابيع او بضعة شهور، لولا ان سلاح الجو الاسرائيلي قام بتدميره.
وعلى الرغم من الترويج لوجود شريط مصور يكشف تفاصيل «خطيرة» عن طبيعة هذا التعاون السوري ـ الكوري، الا ان ما اتضح من جلسة لجان الكونغرس مع مسؤولين في كل من الادارة الاميركية والاستخبارات المركزية والقومية، اظهر ركاكة الأدلة حول مثل هذه التهمة النووية، والتي كان مسوؤولون سوريون استبقوها بالقول انها تذكر بالأكاذيب التي اختلقتها إدارة جورج بوش لتبرير غزوها للعراق.
وإذا كانت سوريا معنية مباشرة بهذه الجلسات، فإن اكثر ما كان أثار اهتمام النواب الاميركيين المشاركين في الجلسات، الجانب المتعلق بكوريا الشمالية وبرنامجها النووي، خاصة ان ادارة بوش دخلت معها بمفاوضات منذ العام الماضي لتفكيك ترسانتها النووية، وتحولت القضية الآن الى ميدان لتبادل الانتقادات بين معسكرين، واحد مؤيد لنهج التفاوض الاميركي الحالي مع بيونغ يانغ، وآخر، خاصة في صفوف الجمهوريين، اما معارض تماما، او متحفظ.
وقالت مصادر حكومية وبرلمانية أميركية إن الإدارة الأميركية والاستخبارات أطلعتا لجانا في الكونغرس على المعلومات المتوافرة لديهما عن تقديم كوريا الشمالية مساعدة نووية مفترضة إلى سوريا.
وقال السفير السوري لدى بريطانيا سامي الخيمي «إنهم يريدون فقط ممارسة مزيد من الضغط على كوريا الشمالية. هذا هو سبب هذه القصة»، مضيفا «للأسف فإن سيناريو التقاط وإعادة التقاط صور يشبه ما حدث قبل الحرب على العراق عندما كانت الإدارة الأميركية تحاول إقناع العالم بأن العراق يمتلك أسلحة نووية».
وقام مستشار الرئيس بوش للأمن القومي ستيفن هادلي ومدير الاستخبارات القومية مايك ماكونيل ورئيس الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) مايكل هايدن بإطلاع لجان الاستخبارات والعلاقات الخارجية في مجلسي النواب والشيوخ، خلال جلسات مغلقة، على الملف، الذي تضمن شريط فيديو قدمته الاستخبارات، لتأكيد اتهامات الإدارة الأميركية بوجود علاقة قوية بين البرنامج النووي الكوري الشمالي والموقع السوري الذي أغار عليه الطيران الإسرائيلي في 6 أيلول.
وذكر البيت الابيض، في بيان تلته المتحدثة باسمه دانا بيرينو، «نحن على قناعة، بناء على معلومات متنوعة، ان كوريا الشمالية ساعدت في انشطة نووية سورية سرية». وأضاف «لدينا أسباب كافية للاعتقاد بأن المفاعل، الذي تعرض في 6 أيلول العام الماضي لأضرار غير قابلة للإصلاح، لم يكن الهدف منه استخدامه للأغراض السلمية». ولم يشر البيان الى ان الطيران الاسرائيلي خرق الاجواء السورية لشن الغارة.
واعتبر البيان ان سوريا، التي لم تعلم الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول بناء المفاعل، «سارعت بعد تدميره الى طمر الدلائل على وجوده». وتابع «على النظام السوري التوضيح للعالم ما يختص بنشاطاته النووية الغير شرعية».
ووصف البيان مساعدة بيونغ يانغ النووية لدمشق بأنها «دليل خطير» على برنامج التسلح النووي الكوري الشمالي، الا ان واشنطن اكدت انها ستواصل التحرك الى الامام عبر المفاوضات السداسية من اجل حل الموضوع النووي الكوري الشمالي.
واعتبر ان «بناء هذا المفاعل (السوري) هو تطور خطير ومزعزع محتمل للمنطقة والعالم»، ويظهر ان المجتمع الدولي كان على حق في قلقه حول نشاطات إيران النووية وان عليه القيام «بمزيد من الخطوات» لمواجهة التحدي الايراني.
وذكرت وثيقة للاستخبارات الأميركية «نحن مقتنعون على اساس معلومات متعددة بأن كوريا الشمالية ساعدت انشطة نووية سرية سورية قبل وبعد تدمير المفاعل».
وقال مسؤول كبير في إدارة بوش ان الولايات المتحدة وإسرائيل ناقشتا خيارات سياسية بشأن كيفية التعامل مع المفاعل المشتبه به لكن «في نهاية الامر اتخذت اسرائيل قرارها الخاص للقيام بعمل... هي فعلت هذا من دون أي ضوء اخضر منا».
وقال السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى انه تم استدعاؤه الى وزارة الخارجية الاميركية حيث عمد مسؤولون الى «اخباري قصة سخيفة حول مشروع نووي سوري مزعوم».
ويطرح عرض الموضوع الآن تساؤلات حول عواقبه الدولية. وباتت سياسة إدارة بوش، التي تقضي بتشجيع كوريا الشمالية على التخلي عن أنشطتها النووية مقابل حوافز تدريجية، تواجه ضغوطا من الكونغرس بعد أن كانت موضع انتقاد الجمهوريين المتشددين، بينما يدعمه الديموقراطيون. وقد يكون الاعلان الاميركي عن المنشأة النووية السورية، التي وقعت على معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية، مخرجا لاسرائيل، التي قد تتحجج بأنها دمرت موقعا نوويا. كما قد تتحول القضية الى ذريعة اضافية للجمهوريين المعارضين للحوار مع بيونغ يانغ، او الى ذريعة جديدة للادارة الاميركية تستخدمها في حملات الضغط على كل من ايران وسوريا.
وتضاربت معلومات المسؤولين الأميركيين حول الموضوع. وقال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية، بعد اطلاع الكونغرس على الفيلم إن المفاعل النووي السوري كان على بعد أسابيع أو أشهر من بدء العمل، مشيرا إلى انه تم استكمال غالبية الأعمال في المنشأة إلا أنها ما زالت تحتاج إلى القيام بتجارب مهمة قبل الإعلان عن تشغيلها، برغم انه أوضح أن اليورانيوم، الذي يحتاجه المفاعل للعمل، لم يكن ظاهرا في الموقع.
وأعلن مسؤول كبير أن المفاعل، الذي بني وفقا لنموذج كوري شمالي، كان يمكن أن ينتج البلوتونيوم لتصنيع أسلحة نووية، لكنه دمر قبل دخوله حيز الخدمة. وأشار إلى أن شريط الفيديو الذي شاهده النواب هو عبارة عن مداخلة، ويتضمن أيضا صورا، ولكن ليس فيلما عن مفاعل قيد الإنشاء. وأشار مسؤولون في الاستخبارات الأميركية الى انه تم جمع المعلومات من مصادر متعددة، وليس فقط الاستخبارات الإسرائيلية.
وأعلن مسؤولون اميركيون ان الصور التي قدمت خلال الجلسة، تظهر الشبه الكبير بين معالم معينة بين المنشأة السورية وتلك الموجودة قرب مفاعل «يونغبيون» في كوريا الشمالية، الذي انتج كميات قليلة من البلوتونيوم سابقا. وأوضح مسؤولون انه لم تظهر صور متحركة من داخل المنشأة أو أي عمال كوريين داخله، إلا أنها تضمنت صورا فوتوغرافية تظهر التشابه بين تصميم المفاعل السوري والكوري الشمالي، فيما أشار مسؤول في الإدارة الأميركية إلى ان احدى الصور تظهر اشخاصا من اصول كورية في منشأة.
وقال النائب الجمهوري بيت هوكسترا، الذي حضر الجلسة، إن على كوريا الشمالية أن تقدم أجوبة «واضحة» و«يمكن التحقق منها» قبل التمكن من سحب اسمها عن اللائحة الاميركية للدول الداعمة للإرهاب. وأضاف «انها في الوقت ذاته مسألة خطيرة بالنسبة للانتشار النووي في الشرق الأوسط، والدول التي يمكن ان تكون متورطة فيها في آسيا».
وعبر هوكسترا ورئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب سيلفستر رييس عن غضبهما من تأخر الإدارة الأميركية مدة 8 أشهر عن تقديم موجز للجنة حول الموضوع.
وأعلن مسؤول اميركي ان الولايات المتحدة ابلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن المعلومات التي قدمتها الى الكونغرس. وأوجز مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لمراقبة التسلح والامن الدولي جون رود لمدير الوكالة الذرية محمد البرادعي ما تعرفه واشنطن عن هذا التعاون بين بيونغ يانغ ودمشق. وقال المسؤول ان واشنطن ترغب في لإطلاع الوكالة الذرية على معلومات بشأن كوريا الشمالية، لكنها تريد ايضا ان تثير الوكالة لدى سوريا مسألة ان دمشق «لا تحترم التزاماتها المتعلقة بمعاهدة الحد من الانتشار النووي».
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد