أحداث سورية تؤمن بيئة خصبة لنشاط "هيومن رايتس ووتش"
"تعثّرتُ في الطريق بيد مقطوعة. تناثر أقرب الناس من السيارة أشلاء. ثم رأيت جثمان أبي على الأرض. كان سليماُ، لكنّ مصاب (حفرة) في الجانب الأيسر من صدره. ساقه مكسورة ومعقوفة بزاوية. حاولتُ تنظيف وجهه واحتضنته. وشعرتُ بنفسه الأخير". هكذا وصف هاني التفجير الانتحاري الذي استهدف جرمانا في 28 تشرين الثاني من العام 2012، وقُتل على اثره والده وشقيقه.
شهادة هاني، جزء من شهادات وثّقها تقرير جديد لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" نشرته اليوم الاثنين بعنوان: "ما كان يجب أن يموت: الهجمات العشوائية لجماعات المعارضة السورية"، الذي يستند في 97 صفحة، إلى شهادات الضحايا والشهود، وتحقيقات ميدانية ومقاطع فيديو متاحة في الحيز العام، ومعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي عن الهجمات التي ارتكبها مقاتلو المعارضة المسلّحة في مناطق كثيفة السكان تسيطر عليها الحكومة في دمشق وحمص بين كانون الثاني 2012 ونيسان 2014، والتي استمرت في العام 2015.
وقالت المنظمة، في تقريرها، إن جماعات المعارضة المسلّحة في سوريا شنّت هجمات "عشوائية وعديمة التمييز" في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة باستخدام السيارات المفخّخة والهاون والصواريخ، مشيرة إلى أن هذه الهجمات أدّت إلى قتل وتشويه مئات المدنيين وتدمير البنية الأساسية المدنية في "انتهاك لقوانين الحرب".
وأضاف التقرير أن الجماعات المسلّحة "لا يمكنها أن تستغّل" ما ترتكبه قوات النظام والفصائل المتحالفة معها من "انتهاكات" لتبرير شنّ أعمال عنف "كثيراً ما استهدفت مناطق تضمّ أعداد كبيرة من الأقليات الدينية".
ورفضت المنظمة مبدأ بعض الجماعات المعارضة المسلّحة التي تعتبر أن المقيمين في مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة "يجوز الهجوم عليهم ثأراً" من الهجوم على المدنيين في مناطق المعارضة، مشدّدة أنه " ليس لتلك الحجج أي مشروعية بموجب قوانين الحرب، فجماعات المعارضة المسلحة ملزمة بالتقيد بقوانين الحرب، بصرف النظر عن الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الحكومة السورية والمليشيات الموالية لها، والتي دأبت هيومن رايتس ووتش على توثيقها".
وأضافت أن "احترام القانون لا يعتمد على مبدأ المعاملة بالمثل، بمعنى أن طاعة القانون غير لازمة إلا إذا أطاعه الجانب الآخر، بل إن كل طرف من أطراف النزاع يتحمّل التزامه الخاص بالتصرّف وفق مقتضى القانون وبغض النظر عن تصرفات الجانب الآخر".
وأكدت أنه "يُحظّر" على جميع الأطراف المتحاربة، بما فيها جماعات المتمرّدين، شن هجمات تستهدف المدنيين عمداً أو لا تميز بينهم وبين المحاربين أو تسبب خسائراً مدنية غير متناسبة مع المكسب العسكري المتوقع، مشيرة إلى أن الأشخاص الذين يُخطّطون لهجمات غير مشروعة أو يأمرون بها أو ينفذونها بنية إجرامية، بما في ذلك بموجب مسؤولية القيادة، يقعون تحت طائلة الملاحقة لارتكاب جرائم حرب.
وقال نائب المدير التنفيذي للشرق الأوسط في المنظمة نديم خوري: "لقد شهدنا سباقاً نحو القاع في سوريا، إذ تحاكي الجماعات المتمردة وحشية القوات الحكومية بشكل تكون له عواقب مدمّرة على المدنيين".
وأضاف أن المدنيين "يدفعون الثمن، سواء كان هذا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة أو المعارضة، مع قصور الاستجابة الدولية".
ووثّق التقرير 15 هجوماً، استهدف 17 هجوماً منهم مدينة جرمانا في ريف دمشق، وواحد وسط دمشق، وستة آخرون منطقتي الزهراء وعكرمة في حمص، وعملية واحدة قرية الثابتية في ريف حمص.
ولفت التقرير الانتباه إلى أنه في جميع الهجمات التي استُخدمت فيها سيارات مفخّخة وحقّقت فيها المنظمة، قال الشهود إنه لم يكن هناك وجود لأهداف عسكرية حكومية سورية في أي مكان قرب الموقع، مشيراً إلى أنه "بدا على العديد من تلك الهجمات، بخلاف عشوائيتها، أن الغرض الرئيسي منها هو نشر الفزع وسط السكان المدنيين".
وأشار التقرير إلى أن "جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية في العراق والشام"-"داعش" تبنيا مسؤولية 10 هجمات.
وحثّ التقرير مجلس الأمن الدولي على رفع الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية وفرض حظر على السلاح على القوات المتورطة في انتهاكات واسعة أو منهجية بصرف النظر عن الجهة التي تقاتل معها.
وقال حوري: "مع تجاهل الطرفين قرار مجلس الأمن الذي يدين الهجمات العشوائية، بات على المجلس أن يتخذ خطوات أقوى لمعاقبة مرتكبي جرائم الحرب".
("موقع السفير")
إضافة تعليق جديد