«مهرجان اللاذقية الأول لمسرح الشباب».. الشتات السوري
دفع، غياب وتوقف العديد من مهرجانات المسرح بعد اندلاع الحرب، العديد من مسرحيي المحافظات والبلدات السورية إلى مغادرة خشباتهم التي كانوا لا يزالون ينعشونها بعروضٍ موسمية، لطالما شهدت إقبال شرائح واسعة من الجمهور في تلك المدن، على خلاف عروض العاصمة التي كانت تنأى موسماً بعد آخر نحو «مسرح النخبة». لا أحد يعرف حتى الآن مصير عشرات الممثلين والمخرجين الذين واظبوا بالفعل على إشاعة فن المسرح في بلداتهم ومدنهم، وذلك عبر عديد من المهرجانات كانت تعتبر ملاذاً وحضناً دافئاً لهؤلاء ومساحة جمعت هواةً ومحترفين أمضوا سنوات طويلة على مسارح دمرت التنظيمات الراديكالية معظمها، محيلة إياها إلى مستودعات للأسلحة أو ما يسمى «سجون التوبة» و «المحاكم الشرعية». هكذا توقفت مهرجانات حمص وحماه وأيام جبلة الثقافية، بينما غاب مهرجان الماغوط بالسلمية ومهرجان مصياف المسرحي، في حين عاد مهرجان حمص العام الفائت في غياب العديد من نجومه، وإصرار من تبقّى منهم على إكمال درب رفاقهم، ليسدل بدوره مسرح قومي في حلب ستائره، بعد أن تحول هو الآخر إلى نقطة تماس دموية بين أطراف الصراع، مهدداً أعرق دار للكتب الوطنية بتدمير شامل لقرابة أكثر من نصف قرن من عروض المسرح على خشبته المعروفة.
ظروف قاسية
هذه الظروف القاسية لم تمنع مسرحيي مدينة اللاذقية من إقامة الدورة الأولى لمهرجان الشباب الذي يبدأ عروضه اليوم بافتتاح لفرقة «إليسار» التي ستقدم فيه تحية للفنان دريد لحام بإشراف المخرج نضال جودت عديرة، وتكريم للمسرحي اللاذقاني نبيل مريش. نقرأ في برنامج هذه التظاهرة العديد من العروض والفعاليات المرافقة من ندوات يشارك فيها كل من الباحثة مناة الخير والمخرج المسرحي ياسر دريباتي والناقد جوان جان تحت عنوان «المسرح السوري في مواجهة التحديات» إضافة لتقديم عرض «على شفا موجة حلم» إشراف المخرج محمد إسماعيل بصل.
اليوم الثالث للمهرجان الذي تقيمه مديرية المسارح والموسيقى سيكون مع عرض «فوضى»، تأليف وإخراج مجد يونس أحمد الذي يذهب نحو مستويات مختلفة من اللعب، مسقطاً على واقع البلاد عبر قالب تجريبي تمتزج فيها شخصيات الحلم بالواقع وفق أسلوبية تعتمد حركية الجسد مع الضوء للإطلالة على الدمار النفسي الهائل الذي تعرض له الإنسان السوري، فبعد ست سنوات من الحرب لم يتبق للكائن البشري سوى الاحتماء بمناماته الخاطفة؛ هروباً من قعقعة السلاح وزمجرة الدبابات والمدافع.
ملامح أوغاريتية
المدينة التي تعطلت فيها فعاليات ثقافية عديدة للمسرح، كان أبرزها مهرجاني «الكوميديا» و «المونودراما» الدوليين، إضافةً لمهرجان «ملامح أوغاريتية» للمسرحي والباحث سجيع قرقماز، عادت اليوم لاستنفار ما تبقى من مسرحييها لتقدم في اليوم الرابع من هذه التظاهرة عرض «اليوبيل» عن نص لأنطون تشيخوف وإخراج قيس زريقة الذي ذهب هو الآخر نحو توجيه أصابعه نحو آفة الفساد في ظل الحرب ضمن قالب كوميدي لاذع، لتأتي مسرحية «سايكو»، تأليف جماعي وإخراج رغداء جديد، كي تراهن على إعادة مسرح الارتجال، مبتعدةً عن النصوص الجاهزة، في محاولة لافتة للكتابة أثناء البروفة، ولإنجاز مساحة خصبة لذاكرة الممثل الانفعالية، واستعراض قدرات هذا الأخير في توليف مفارقات الواقع ونكبات من يعيشونه من دون أي تجميل أو مداورة على خراباته الاجتماعية والنفسية في ظل الصراع الدائر.
حفل الختام سيكون مع فرقة «دمشق للموسيقى العربية» بقيادة المايسترو رامز غنيجة، التي ستقدم ما يشبه فقرات غنائية من تراث مدينة اللاذقية وأغنيات البحر والصيادين، إضافة لأغنيات من التراث الشامي والحلبي، في تناص آخر مع عروض المسرحيين، تعكس رغبة قديمة ـ جديدة لديهم في توحيد مهرجانات المحافظات المسرحية على اختلاف مشاربها الثقافية والإدارية والأهلية؛ وذلك عبر مهرجان مسرحي خاص ومستقل يجمع شتاتها على امتداد الساحة الثقافية السورية، بدلاً من الانكفاء نحو مفهوم المهرجانات المحلية.
(]) مهرجان اللاذقية الأول مسرح الشباب ( 19- 24 أيلول ـ خشبة المسرح القومي باللاذقية)
سامر محمد اسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد