حقائق عن أكذوبة «الثورة العربية الكبرى»
لا شك في توافر اتفاق بين أهل الاختصاص بوجود حاجة إلى إعادة النظر في كثير من الأحداث التاريخية، حيث توضح وثائق ووقائع واكتشافات خطأ مقاربات سابقة. فعلى سبيل المثال، اكتشف قبل سنوات قليلة، بمحض الصدفة، حطام سفينة حربية أميركية غارقة في المياه الإقليمية اليابانية، قالت اليابان إنها أغرقت السفينة وشنت الغارة على «بيرل هابر» رداً على اختراق السفن الحربية الأميركية لمياهها الإقليمية، بينما أصرت الولايات المتحدة الأميركية على أن اليابان أغرقت السفينة الحربية داخل المياه الدولية. ولأن المنتصر لا يزال منتصراً، لم يعد النظر في تأريخ الحرب في الشرق الأقصى. والأمر ذاته ينطبق على بدء الحرب في أوروبا حيث يدّعى أن ألمانيا النازية هي التي بدأت الحرب، بينما المعروف أن بريطانيا هي التي أعلنت الحرب على ألمانيا في أعقاب قيام الأخيرة بغزو بولونيا. هذا كله ليس هدفه التقليل من عدوانية هذه أو تلك من الدول أو القوى، وإنما ذكر حقائق تاريخية.
فإذا كانت أحداث جسام يعاد النظر بها في بلاد تتوافر فيها حرية البحث العلمي، ضمن ضوابط، فكيف تكون الأمور عندما تتعلق المسألة ببلادنا، حيث لا حرية في أي شيء، سوى إبداء آيات الولاء والطاعة لهذا الطاغية أو ذاك!
لا شك في أن أحد الأحداث الكبيرة التي أثرت في حاضر مشرقنا العربي ما يسمى زوراً الثورة العربية الكبرى، والمقصود هنا ثورة الجواسيس والعملاء العرب عام 1916 على الحكم العثماني بقيادة الجاسوس الكبير لورانس، التي اخترقها بعض الوطنيين والقوميين من بلاد الشام والذين قدموا أرواحهم فداء لقناعاتهم وفي مواجهة الاحتلالين الفرنسي والبريطاني، حيث نذكر كلمات شهيد ميسلون الكبير: من العار أن يكتب التاريخ أن القوات الفرنسية احتلت دمشق من دون مقاومة أهلها.
على أي حال، حقائق عديدة عن تلك الأكذوبة فضحت، لكن ما يهمّنا هنا موقف عائلة أو عشيرة ذوو عون التي عينها الاستعمار البريطاني على رأس تلك الثورة الأكذوبة.
معروف أنه في الوقت الذي فاوض فيه الاستعمار البريطاني بعض العرب على التحالف لمحاربة العثمانيين، كان يوقّع اتفاقات سرية مع الاستعمار الفرنسي وروسيا القيصرية لتقاسم المنطقة. بعد اندلاع الثورة البلشفية، فضح لينين اتفاقية سايكس ـــ بيكو، لكن عربان الثورة الأكذوبة أصرّوا على ولائهم لبريطانيا التي صنعتهم.
بعد انتهاء الحرب، ووجهت بريطانيا بكيفية تنفيذ خططها، مستخدمة الأدوات ذاتها. حسين بن علي، زعيم ذلك التمرد العشيري، صدّق أن «الأم الحنون» بريطانيا ستعيّنه ملكاً على بلاد الشام، وعندما فعل ذلك من دون إذنها، اعتقلته وأرسلته إلى ميناء العقبة، ومن ثم إلى المنفى بعد محاكمته؛ وقيل إنها أذلّته عبر إجبار زوجاته أو أحداهن على المثول أمام المحكمة ورفع النقاب كي يراها القاضي الإنكليزي.
المهم هنا لموضوع مقالنا ردة فعل أبناء المغفور لذنوبه عبد الله «الأول» وعلي وفيصل إزاء تلك التطورات؟ ربما ظن المرء إمكانية العثور فيهم على نخوة الانتصار لأبيهم الذي تعرض لإهانات وإذلال حقيقي! لا. شيء من هذا لم يحصل. استمر الأبناء في تنفيذ أوامر السيد البريطاني، بل إن عبد الله «الأول» بن الحسين بن علي منع والده من الإقامة في شرق الأردن، طبعاً بأوامر السيد من عبر البحار. أما الابن الثاني، فيصل فقصته معروفة حيث أعلن نفسه ملكاً في دمشق، وبعدما طردته القوات الفرنسية فرّ إلى شرق الأردن حيث عينته بريطانيا ملكاً على العراق، بعد تقسيم مناطق النفوذ البريطانية إلى فلسطين وعبر الأردن «شرق الأردن/ cisjordan» والعراق، لكن فقط بعدما اجتمع مع قادة الحركة الصهيونية في «مؤتمر الصلح» في باريس وأعلن موافقته الخطية على اغتصاب الحركة الصهيونية لفلسطين وتأسيس كيانها فيها وعلى أنقاض شعبها.
علي، الابن الأكبر، عيّن نفسه ملكاً على الحجاز بعدما اعتقلت بريطانيا والده، لكن القوات الوهابية المدعومة أميركياً سرعان ما طردته من هناك، حيث لجأ إلى شرق/ عبر الأردن، إلى جانب شقيقه، تحت رعاية «الأم الحنون» بريطانيا، وحماية الحركة الصهيونية.
سيرة عبد الله بن الحسين وثقتها المؤرخة الأميركية ماري ولسن في كتابها الشهير عنه، والذي يحوي فضائح سياسية ومسلكية عنه من العيار الثقيل، ما دفع سلطات عمان إلى مصادرة الترجمة العربية من المؤلف، رغم أن الموقع الرسمي في الإنترنت لمليك البلاد المفدى المغفور لذنوبه وحكومته يضع النسخة الإنكليزية الأصلية مرجعاً رسمياً حتى يوم كتابة هذه الأسطر، ما يوضح أن نظام عمان يعدّ كل النعوت التي وردت فيه مناقب، فقط أمام القارئ «الأجنبي»، لكنه يحاول منع هذه المعلومات غير المشرفة إطلاقاً عن القارئ العربي في شرق الأردن لمعرفته بأنها نعوت.
ما يهمّنا من كل ما سبق أن نظام عمان، الذي يرأسه أشخاص لم يكترثوا لمصير والدهم وشقيقهم اللذين أذلتهما من عينتهم حكاماً على أنظمة وكيانات كاريكاتورية وكرتونية، بل تواطأوا معه ضد شعبنا في الأردن وفلسطين، حتى يومنا هذا، لا يمكن الوثوق بهم للحظة واحدة ولا يمكن ائتمانهم على ذرة تراب واحدة من بلادنا، فكيف بمصيرنا ومستقبلنا!
نظام عمان تاريخه التآمري معروف لكل متابع وعصيّ على أي إصلاح. وأذكر في هذا المقام حادثة فاجأت الناس في مطلع الستينيات عندما قام جلالة مليك البلاد المفدى الحسين بن طلال بزيارة مفاجئة للقاهرة، رغم حالة العداء الإعلامي اليومي بين العاصمتين. ظن الناس وقتها، عن سذاجة، أن جلالته قرر نبذ سياساته في خدمة الاستعمار والصهيونية والعودة إلى الطريق المستقيم. توقفت حملات إذاعة صوت العرب على نظام عمان بعد الزيارة، لكن لم يمر وقت طويل حتى اكتشف الجميع سبب «عودة الوعي» أو «اليقظة العروبية» المفاجئة لصاحب الجلالة بعدما سمعوا بقراره الزواج بأنطوانيت غاردنر، والدة مليك البلاد المفدى الحالي. جلالة المغفور لذنوبه كان يعلم أنه غير قادر حتى على تقرير حياته الشخصية العلنية من دون إذن خالد الذكر، جمال عبد الناصر، فقام بالزيارة لأخذ الإذن أو لضمان سكوت القاهرة، حتى لو كان موقتاً، ليمر الحدث الملكي السعيد بهدوء!
ثمة إثباتات لا حصر لها على أن نظام عمان عصيّ على العروبة وقضاياها، بل إنه أثبت عبر التاريخ، المرة تلو الأخرى، أنه يتمتع بمناعة ضد كل ما يمكن أن يصب في مصلحة قضايا شعوب أمتنا العربية الوطنية والقومية.
ما نعنيه هنا، حتى لو ظن البعض، عن جهل أو عن سذاجة، أن تصرفاً ما قد صدر عن نظام عمان يمكن أن يخدم قضايا أمتنا، فعليه العودة إلى تاريخه الحافل غير المشرف والتأكد من أن قادته تآمروا على بعضهم البعض، وعلى آبائهم، لا يمكن أن يأمن المرء إليهم، ولو لطرفة عين؛ فمن لا يعرف تآمر جلالة الحسين المفدى والمغفور له ذنوبه، على والده الملك طلال رحمه الله حيث أبعده، بالتعاون مع الاستخبارات البريطانية، بعدما ادعى بأنه مختل عقلياً، ليخلو العرش له، وبالتالي للاستعمار البريطاني وللحركة الصهيونية، علماً بأن ماري ولسن ذكرت في كتابها المشار إليه أعلاه أن الاستخبارات البريطانية كانت تشكو دوماً من الميول القومية العربية لدى الملك طلال رحمه الله، وأن والده، عبد الله بن الحسين بن علي كان يكرهه، بل إنه أقدم حتى على إقالته من منصب ولي العهد وعين بدلاً منه جلالة مليك البلاد الحسين!
لذا، فإن أي تسويغ لكل سياسات نظام عمان، وخصوصاً الحالية والعلاقة مع الأحداث الجلل والمؤامرات التي تتعرض لها بلاد الشام، ومحاولة تسويقها وطنياً وقومياً، تخدم بالمطلق أعداء أمتنا والمتآمرين على قضايانا. فمن يتنازل عن حبة تراب من وطنه، فإنما يمهد الطريق للتنازل عن كل الوطن، مقابل الاحتفاظ بعروش قصبية. هكذا علّمنا التاريخ، ولنا عودة. فمن يحاول الترويج لهذا النظام ومنحه شهادات براءة من التآمر على قضايانا الوطنية/ القومية، إما أن يكون جاهلاً أو متواطئاً. فكل مساحيق التنظيف في العالم غير قادرة على مسح ولو بقعة واحدة من تاريخ هذا النظام غير المشرف، والذي هو أولاً وأخيراً نظام وظيفي، لا غير، ليس له أن يقرر في القضايا الأساس التي تمس مصالح الإمبريالية العالمية وكيان العدو الصهيوني، وعليه تنفيذ ما يصدر له من أوامر. وعندما يتوقف أو حتى يتلكأ، لأي سبب كان، عن ممارسة وظيفته التآمرية، تنتهي صلاحيته.
زياد منى: الأخبار
إضافة تعليق جديد