«ليلي داخلي» لسامر محمد إسماعيل.. فضاء مسرحي مفتوح على فنون الفرجة..
مسرحية (ليلي داخلي) هي التجربة الإخراجية الأولى للصحفي والشاعر (سامر اسماعيل) الذي أعدّها عن نص لماركيز بعنوان (خطبة لاذعة ضد رجل جالس)،
تمثيل (روبين عيسى) والتي هي أيضاً تجربتها المسرحية الأولى، إذ تسرد لنا (مونودرامياً) على امتداد نحو الساعة من الوقت بوحها ووجعها بأداء لافت، شاركها في التمثيل (بسام البدر)، والذي برغم حضوره الصامت فإنه كسر لدينا الإحساس بأننا أمام مونودراما.
لم تكن مسرحية (ليلي داخلي) مجرد مشهد (ليلي داخلي)، رغم أنها تألفت حقيقة من مشهد وحيد، بل كانت عملاً مسرحياً متكاملاً استثار عقولنا وأرواحنا وشكلّ وجبة مسرحية متكاملة لبت نهم الجائعين إلى المسرح في دمشق.
ويحسب لسامر اسماعيل أنه قدم هذا العرض في هذا الظرف غير العادي وبالرغم من أن وقت التدريبات للمسرحية لم يزد عن الشهر ونصف الشهر، ومعاناة كادر المسرحية من عدد من الصعوبات بفعل الظروف الحالية كانقطاع الكهرباء، ما اضطرهم غالباً لإكمال تدريباتهم على ضوء الشموع... فكانت الشموع حاضرة أيضاً في ديكور المسرحية، والتي ربما يكون وجودها في الديكور خوفاً من انقطاع فجائي للكهرباء أثناء العرض، إضافة إلى كونها ضرورة في العرض.
سلطت المسرحية الضوء على الازدواجية التي يتصف بها بعض المحسوبين على الثقافة واليسارية بينما هم في الحقيقة مجرد انتهازيين وبرجوازيين، هؤلاء المدافعين عن حقوق المرأة والداعين إلى تحررها في المنابر المختلفة، والمدافعين عن حقوق الإنسان وحريته وديمقراطيته في المحطات الفضائية، فها هو (سمير الصوفي) الذي يرفع لواء حقوق الإنسان وتحرر المرأة في الفضائيات المختلفة هو نفسه الذي يمارس ضد زوجته أقسى أنواع الاضطهاد فيخونها ويهملها، وهو أيضاً الذي لم يكلف نفسه عناء زيارة والده المريض في فراش الموت أو حتى الاعتناء بابنه المعوق.
تبدو المسرحية ظاهرياً لمن يتابعها مجرد صرخة هستيرية لامرأة مفجوعة بحب ظنته حب حياتها، لتكتشف في النهاية أنه مجرد إنسان وصولي كاذب فاسد فارغ من كل الشعارات الرنانة التي كان يدّعي الإيمان بها والتي أحبته لأجلها، فتخلت عن أهلها وتركت أصدقاءها لأجله، هنا تقوم هذه المرأة المفجوعة بخساراتها بإلقاء خطبتها اللاذعة، راثيةً انكسارها وخيبتها وضعفها وانهيارها أمام رجل أو بقايا رجل ادّعى الرجولة في وقت ما، لينكشف زيفه أخيراً ويظهر وجهه الحقيقي بعد أن حصل على ما يريد من الجاه والسلطة والمال، وتبكي أيضاً وصولها إلى مرحلة أن تخون هي الأخرى زوجها لمجرد الانتقام..
ولكن من يتابع العرض يستطيع أن يستشف مقاصد أعمق من مجرد كون المسرحية صرخة أنثى في وجه رجل خائن لمبادئه وشعاراته..
وما شاشة العرض المنصوبة في عمق المسرح والتي برغم أنها كانت وسيلة لتمرير صور دعمت السياق الكلامي ومونولوجات الزوجة طوال مدة العرض، فإنها أيضاً عرضت لصور أكدت عمق المقصد فلم تكن المسرحية أبداً مجرد مرثية امرأة فجعت بحب حياتها وبخيانة زوجها لمبادئه ولها، بل كانت مرثية لبلد بأكملها تعاني أيضاً من خيانة أبناء لها، ومن متاجرتهم ببلدهم باسم الوطنية وحقوق الإنسان و.. إلخ من الشعارات البراقة، ومن هذه الصور الموحية التي لفتتنا على شاشة العرض: (صورة لأبنية مدمرة في سورية)، وهو ما صار منذ سنتين مشهداً يومياً عن سورية يتابعه الناس عن سورية في نشرات الأخبار و(صورة النفق الطويل والنوافذ العديدة على جانبيه والتي يدخل منها الضوء)، ربما توحي أن النفق الطويل الذي أُدخلت فيه سورية منذ بداية هذه الأزمة، ليس مظلماً بالقدر الذي يتصوره البعض.
و(صورة الطفل الذي يحمل صينية عليها أزهار النرجس في أحد شوارع دمشق)، هذا المشهد الربيعي الذي اعتاده السوريون في بداية كل ربيع، حُرموا منه في وقت سُمي بالربيع العربي وصورة (ياسين بقوش) الرمز الفني السوري من الزمن الجميل والذي كانت صورته على مدى عقود كفيلة بإدخال الفرحة لكل من يراها، فرأيناه ضحية من ضحايا الأزمة يعرضون صور جثته مضرجة بدمائه، لتُستغل جثته في حرب الإعلام القذرة على سورية، فلم تشفع له قامته الفنية الكبيرة باحترام موته وكذلك صورة الإعلامي السوري المتميز (محمد السعيد) والذي برغم عمره الإعلامي القصير نسبياً فإنه شكل علامة متميزة في إعلامنا السوري، هو الآخر كان ضحية من ضحايا الأزمة، والتي لم يسلم منها حتى تمثال أبي (العلاء المعري) حيث تطالعنا صورته مقطوع الرأس... وهو الذي قُطع رأسه على أيدي من يُطلق عليهم في هذا الزمان «ثوار»!!
أما صورة (البيت الدمشقي) والذي نرى فيه ممثلين يؤدون مشهداً من عمل بيئي شامي... ربما هذا ما بقي من الدراما السورية بفعل الأزمة العاصفة عندما لجأ أغلب منتجي الدراما في سورية إلى أعمال البيئة لما تتميز به من (لوكيشنات) مغلقة، بسبب مخاطر التصوير الخارجي في الظروف الحالية.
فلسطين أيضاً كانت حاضرة عبر صورة (المرأة الفلسطينية المتشبثة بشجرة زيتون) وكأننا أمام من يقول اننا لن ننسى فلسطين رغم أن كل ما يجري من فوضى خلاقة في البلدان العربية هو لإشغالنا عن فلسطين.
حتى (حائط الفيسبوك) العائد للزوج، فبالرغم من أن هذه الصورة خدمت سياق العمل، فإننا نستطيع أيضاً أن نسقطه على هذا الواقع المليء بالمناضلين (الفيسبوكيين)، والذين تعجّ بهم صفحات (الفيس بوك) التي تحولت إلى ساحات معارك فنراهم يناضلون بشعاراتهم و(بوستاتهم الفيسبوكية) التي لا تغني ولا تسمن من جوع!!
ختام المسرحية يكون على شاشة العرض بشريط سينمائي يضم لقطات من أفلام سينمائية سورية، ووجوه سورية تعيش الأزمة، كل ذلك على خلفية أغنية سناء موسى (يا نجمة الصبح فوق الشام عليتي) بما تحمله من شجن وأمل..
ليندا حمود
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد