سورية...هل تصمد؟

07-11-2012

سورية...هل تصمد؟

الجمل ـ ستيفن غوانز ـ ترجمة رندة القاسم: قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن واشنطن تحتاج معارضة تقاوم بقوة جهود المتطرفين في الاستيلاء على الثورة السورية، غير أنها نسيت أن تضيف وجوب أن تكون منفتحة على الولايات المتحدة التي تقوم بالشيء ذاته.
غالبا ما تكون الانتفاضات الهادفة إلى إسقاط الحكومات مقسمة بين ميليشيات تقوم بالتصعيد على الأرض و سياسيين يقودون القتال في المجال السياسي. و تعمل قوى خارجية على تلميع سياسي مقبول  كقائد يملأ الفراغ عندما تسقط الحكومة الحالية. و يجب أن يكون القائد مقبولا لكل من داعميه الأجانب و الميليشيات على الأرض.
قررت واشنطن أن المجلس الوطني السوري، الذي كان "يغلف المعارضة" ضد حكومة البعث السورية، غير مقبول بالنسبة للمتمردين السوريين، و لهذا ما من أمل له بقيادة حكومة قادمة. وكبديل عن المجلس الفاشل، اختارت قادة حكومة قادمة  سيكشف عنهم في السابع من تشرين الثاني في الدوحة، بعد الحصول على مباركة الجامعة العربية و أصدقاء سورية المجهزة سلفا.و بلا شك، سينبثق عن الدوحة كيان من خلق الولايات المتحدة يهدف الى تمثيل مصالح الولايات المتحدة في سورية و الشرق الأوسط.
و في مؤتمر صحفي تبع لقاء مع رئيس كرواتيا في الثلاثين من تشرين الأول، قالت هيلاري كلينتون أن المجلس الوطني السوري، اختيار واشنطن الأولي لقيادة المعارضة ضد حكومة الأسد، لم يعد يلق دعم واشنطن. فالمجلس ، من وجهة نظرها، أضحى غير ذي صلة بالموضوع. و المعارضة المسلحة تحدث خارج حدود قيادة المجلس الوطني، المنظمة التي تضم مغتربين و لا تتمتع بشرعية ضمن سورية و مقسمة داخليا بالنزاعات المستمرة بين الأحزاب الأصولية و العلمانية. و أحد المتمردين المسلحين قال بأن المجلس الوطني السوري انتهى منذ زمن طويل و يتحدث المقاتلون عنه بتهكم.
و المشكلة الموازية لواشنطن تكمن في قاعدة الدعم السياسي الضيقة التي يتمتع بها المجلس، اذ اعتبر منذ البداية عربة رئيسية للأخوان المسلمين، و لذا فشل في جذب حضور هام من قبل مجموعات الأقلية بما فيها العلويين و المسيحيين و الأكراد. و فشله في الحصول على دعم المقاتلين على الأرض و التوسع إلى ما وراء القاعدة الطائفية الضيقة، يجعل من الصعوبة بمكان اعتباره مناسبا لحكومة قادمة. ومع إعلانها موت المجلس، أقرت كلينتون أنه ما عاد يعتبر قائدا واضحا للمعارضة.
منذ أسابيع و روبرت فورد، سفير الولايات المتحدة السابق إلى سورية، يخطط لتجهيز حكومة جديدة بموافقة الولايات المتحدة. و عرفت المبادرة باسم "خطة رياض سيف"، و هو رجل أعمال ثري من دمشق و عضو سابق في البرلمان السوري لعب طويلا دورا فاعلا في المعارضة ضد حكومة الأسد. و هو مقبول لواشنطن بسبب سياساته كرجل أعمال (عكس إيديولوجية البعث الملتزمة بهيمنة الدولة على الاقتصاد و تهميش القطاع الخاص و السيطرة على الاستثمارات الأجنبية).لذا حصل سيف على مصادقة واشنطن لقيادة حكومة ما بعد البعث، على أمل أن أوراق اعتماده المعارضة(سجن من قبل الحكومة السورية بسبب نشاطاته) ستجعله في موضع جيد مع المتمردين على الأرض.
ترمي الخطة إلى خلق برلمان مبدئي مؤلف من خمسين عضوا ، عشرين من المعارضة الداخلية، خمسة عشر من المجلس الوطني السوري(معارضة المهجر) و خمسة عشر من منظمات معارضة سورية مختلفة. إضافة الى هيئة تنفيذية مؤلفة من ثمانية إلى عشرة أعضاء ، توافق عليها حكومة الولايات المتحدة، تعمل مباشرة معها و مع حلفائها. و ستقوم واشنطن و أتباعها الجامعة العربية و المسمون خطأ "أصدقاء سورية"( و كلاهما مجموعتان كارهتان للديمقراطية مؤلفتان من بلوتوقراطيين و ملوك نفط) بجعل الكيان مقبولا للسوريين باعتباره ممثلا شرعيا عن الشعب السوري.
ما من ضمان لنجاح الخطة. و أحد أهدافها تهميش تأثير الجهاديين، الذين تسرب معظمهم إلى سورية من دول أخرى سعيا إلى  إسقاط حكومة علمانية يقودها رئيس يعتبرون انتماءه العلوي هرطقة. و إذا أمكن وضع السلفيين جانبا، قد تتمكن واشنطن من توفير السلاح لمجموعات مقاتلة "مقبولة"، دون الخوف من استخدامها لاحقا ضد أهداف أميركية. و لكن تدور علامات استفهام حول مدى قبول الميليشيات الدينية لسيف. سيما و أن أيدي الولايات المتحدة، اللاعبة بخيوط الدمية المتحركة، واضحة جدا. و الأمر ذاته ينطبق على مدى تجاوب  المجلس الجديد مع موقف المعارضة العلمانية المعادية للامبريالية  ضد "أي كيان سياسي جديد خاضع لأجندات دول أجنبية"، و بلا ريب المجلس الجديد المصنوع في الولايات المتحدة خاضع لأجندتها السياسية.
و لا حاجة الى التوقف طويلا لأجل دحض الاعتقاد الساذج بأن تدخل واشنطن في شؤون سورية  يملك أدنى علاقة بدعم الديمقراطية. فإذا كان دعم الديمقراطية هو ما يحرك السياسة الخارجية الأميركية، لما  كان ملوك استبداديون، بسجل رديء في مجال حقوق الإنسان و القمع العنيف لانتفاضات شعبية ضد حكمهم الدكتاتوري، يشكلون القسم الأكبر من حلفاء الولايات المتحدة العرب.و الديمقراطية في الخارج أو الداخل هي آخر ما يفكر به المستثمرون الأثرياء و أصحاب البنوك و الشركات الذين يشكلون الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة. بل هم يريدون وجهها المعاكس المتمثل بالبلوتوقراطية، حيث الحكم للأثرياء لأجل تجميع المزيد من الثروات عبر استغلال الناس و الأرض و المصادر و الأسواق في دول أخرى.
حين أرسلت السعودية دبابات و جنود إلى البحرين في الرابع عشر من آذار 2011 لقمع هيجان محلي للربيع العربي، لم تقم الولايات المتحدة بأي شي يقلق اعتداء حليفها المبغض للديمقراطية على انتفاضة شعبية،باستثناء نشر مناداة بلا معنى لأجل "حوار سياسي" كما ورد في نيويورك تايمز.
و سبب تكتم أوباما واضح، فالبحرين تقع على الساحل السعودي، و السعودية لن تسمح بهذا الانتعاش المفاجئ للديمقراطية بالقرب منها، إضافة إلى أن الولايات المتحدة تملك قاعدة بحرية في البحرين و هي هامة للحفاظ على تدفق النفط من المنطقة. و قال ويليام م.دالي رئيس الأركان في حكومة أوباما ذاك الوقت: ( ندرك أن احتمال حدوث أي شيء في السعودية لا يمكن أن يغدو حقيقة، فمن أجل الاقتصاد العالمي ، يجب ألا يحدث هذا)
و اذا أخذنا بعين الاعتبار أن ويليام دالي مستثمر مصرفي من أسرة سياسية ذات علاقات واسعة، فان "الاحتفاظ بتدفق النفط" يعني "الاحتفاظ بتدفق عائدات النفط إلى عمالقة النفط في الولايات المتحدة"، و "الاقتصاد العالمي" يعني "عائدات الاستثمار"، لذا من الواضح لماذا تغاضى البلوتوقراطيون عن قمع حلفائهم لانتفاضة البحرين، فتحت الحكم البلوتوقراطي تكون الخطوات نحو الديمقراطية،حتى الصغيرة منها،غير مسموحة.
و لا حاجة أيضا للتوقف طويلا عند الاعتقاد الساذج بأن الحكومة التي تختارها واشنطن  ستمثل المصالح السورية ضد أولئك الذين يرعونها. فمصالح الولايات المتحدة في سورية لا تتمتع بقوة حقيقية بحيث تحمي اسرائيل التي - بجيشها المرعب و المعونات العسكرية الأميركية السنوية التي تصل الى ثلاثة مليارات دولار و ترسانتها التي تحوي مائتي سلاح نووي- بالكاد تحتاج إلى المزيد من المساعدات للدفاع عن نفسها ضد إيران و حزب الله و حماس الذي لا يشكل أي منهم تهديدا حقيقيا لاسرائيل و لكنها هي من يهددهم.
إن إضعاف إيران ،حليف سورية، واحد من أهداف سورية في محاولتها التخلص من الأسد، و لكن ليس هذا بسبب امتلاكها قوة نووية و بالتالي تهديدها لإسرائيل، و لكن لأنها، كحال سورية، تحمي بحماس اقتصادها من تصميمات بلوتوقراطية الولايات المتحدة، مفسحة المجال للدولة للسيطرة على الاقتصاد و حماية مشاريعها المحلية و أراضيها و مصادرها من الهيمنة الخارجية.السبب الحقيقي وراء رغبة بلوتوقراطية الولايات المتحدة إسقاط حكومتي سورية و ايران هو كونهما مضرتين بمصالحها الاقتصادية. أما الديمقراطية، و التهديد الوجودي لإسرائيل، و عدم انتشار الأسلحة النووية فانها امور لا علاقة لها بما يحدث.
و الحكومة السورية ليست غريبة عن التحديات المرعبة. فقد شنت حربا طويلة مع الإسلاميين الذين رفضوا التوجه العلماني للبعثيين منذ البداية. و حربها مع حكومة الاستيطان و التطهير العرقي في تل أبيب تتأرجح بين الباردة و الحارة. و شنت الولايات المتحدة حربا اقتصادية ضد سورية منذ سنوات و تآمرت سابقا لاسقاط حكومتها.  ومع ذلك دمشق اليوم في مأزق سيء بشكل واضح. فأقوى بلوتوقراطيو العالم صعدوا عدائيتهم، و الإرهابيون الجهاديون من الخارج يبذلون كل ما في وسعهم لارباك الحكم البعثي. غير أن دعم الجيش السوري و قسم هام من الشعب السوري، إضافة الى روسيا و إيران، هو ما يسمح باستمرارها.
في وجه المعارضة الامبريالية و الاسلامية يبدو المستقبل قاتما، غير أن الحكومات من قبل واجهت ظروفا أقسى و صمدت، بل ان بعضها ازدهر فيما بعد. وبالتأكيد هناك اختلاف بين حكومة الأسد و النظام البلشفي المبكر، و لكن الحكومة السورية و مؤيديها يعلمون في أعماقهم انه عند نقطة معينة كان يبدو أن حكومة لينين الغرة ستسقط، فالمجاعة زحفت الى المدن، و دفعت الحرب الامبريالية بروسيا نحو الفوضى و دمرت نظام النقل، و اندلعت الحرب الأهلية و قامت دول عدائية بشن غزوات عسكرية لخنق الحكومة الوليدة في مهدها. و مع ذلك، و في وجه هذه التحديات الرهيبة، صمد الشيوعيون عبر العقود السبع التالية و أسسوا قوة اقتصادية هائلة تخلصت من البطالة و التقلقل الاقتصادي و التفاوت و الأزمات الاقتصادية بينما استأصلت سطوة النازية. و بشكل مشابه قد تتجاوز الحكومة السورية التحدي الداخلي و الخارجي، و تسير في طريق الاستقلال، و التنمية الذاتية، و التخلص من تخلف الأصولية الإسلامية  و الطائفية و سيطرة بلوتوقراطية العالم. دعونا نأمل بذلك.

*البلوتوقراطية : حكومة الأثرياء


*بقلم ستيفن غوانز كاتب و ناشط سياسي كندي.
عن موقع Global Research

الجمل قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...