الإعتقال السياسي يتنفس في الـ" فسحة سماوية"
الجمل ـ أحمد الخليل: حتى الامس القريب لم يكن يجرؤ صناع الدراما السورية على الاقتراب من موضوع الاعتقال السياسي والذي طالما صنف ضمن الخطوط الحمراء أو أحد التابوات المعروفة (التعاطي مع السياسة وخاصة الداخلية )، وفي السنوات الأخيرة تم كسر هذا الحظر، في البداية بحذر ثم توسعت دائرة التعاطي الدرامي مع موضوعات سياسية داخلية، وخاصة في الاعمال الكوميدية التي يعود لها الفضل الاول في هذا الأمر (مرايا ياسر العظمة- بقعة ضوء...أيامنا الحلوة) لكن التركيز الاهم في هذه الاعمال انصب على انتقاد الاجهزة الامنية وممارساتها وتجاوزاتها ولم يتعدى الامر الى ملامسة جدية لظاهرة الاعتقال السياسي كون الخطاب الرسمي ينفي الظاهرة أساسا ..
في هذا الموسم تطرق مسلسل فسحة سماوية للاعتقال السياسي، فالصحفية شمس (سلافة معمار) التي تجري تحقيقا صحفيا عن دار الايتام تلتقي بمعتقل سياسي خرج حديثا من سجن صيدنايا (شمال شرق دمشق) الذي أمضى فيه قرابة عشرين عاما، ليجد ابن أخيه في دار الايتام بعد وفاة أبويه في حادث سيارة، هذا المعتقل الاربعيني يعمل في دار للنشر ويكتب بعض المقالات للصحافة لكنه يعيش فقرا مدقعا لايمكنه من اخراج الطفل (عام ونصف) من هذه (الزريبة) حسب تعبير الصحفية (شمس)
يبوح المعتقل للصحفية بهمومه فهو بدون عمل ثابت ولا يملك أية مهنة (فالسجن خرّجنا مثقفين فقط) فهذا الانتظار الطويل لساعة الفرج يقطّعه السجناء بالقراءة الدائمة ..
وفي مشهد آخر جريء تعتقل الشرطة فرقة موسيقية شكلها مجموعة شباب يحاولون طويلا ايجاد مكان للتدرب والعزف دون جدوى فيلجؤون لحديقة عامة للعزف أمام الناس فتقتحم الشرطة الفرقة وتصادر آلاتهم وتسوقهم الى السجن (لأن التجمعات ممنوعة بحسب قانون الطواريء السوري) ويخرج شباب الفرقة بعد أيام بأحلام محطمة وخيبة تؤدي لحل الفرقة (فحتى الموسيقا ممنوعة)!.
يعتمد مسلسل فسحة سماوية على شكل درامي جديد شبيه بالريبورتاج الصحفي فشخصيات العمل تتحدث عن همومها وهواجسها لشمس (الصحفية) عبر المقابلة، لنرى بعد القطع المشاهد الدرامية للشخصية أو يختم اللقاء مع الشخصية عدة مشاهد لها، وهذا الاسلوب يتكرر في كل حلقة مع تصاعد الاحداث وتشابك علاقات الشخصيات داخل المنزل العربي، (منزل أم فواز ) الفنانة منى واصف، حيث تؤجر غرف البيت الكثيرة لمجموعة من الشباب والبنات تتنوع مشاربهم واهتماماتهم وهواجسهم ليعطي العمل صورة بانورامية غنية للمجتمع السوري في يومنا هذا...
ويسجل للعمل ليس فقط جرأته واجتهاد مخرجه في ايجاد حلول فنية تناسب النص بل يسجل له أيضا العمق الذي تناول فيه موضوعاته والتركيز على دواخل الشخصيات وأحاسيسها ووجدانها والابتعاد عن المباشرة فالسياسة مبثوثة في العمل دون أي كلام مباشر في السياسة مما يعطي العمل بعدا انسانيا مميزا نفتقده عادة في درامانا..
مسلسل فسحة سماوية كتبته الدكتورة مية الرحبي المهتمة بالشأن العام وشؤون المرأة وأخرجه الفنان سيف الدين سبيعي وأنتجه شركة المها
الجمل
إضافة تعليق جديد