صناعة الكذبة الكبرى حول سوريا: اطردوا شهود الزور
الجمل ـ شارماين نارواني ـ ترجمة رندة القاسم: تقرأ في الفقرة الخامسة من خطة مبعوث الأمم المتحدة كوفي أنان لأجل سورية ذات البنود الستة: ( ضمان حرية التنقل عبر البلد للصحفيين و منحهم تأشيرات دخول دون تمييز).
في لحظة حرجة من الصراع الشديد في سورية، و الذي قد يؤدي إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط برمته، تؤمن الأمم المتحدة أن دخول المزيد من الصحفيين إلى سورية هو واحد من الأمور الست الأهم التي يجب أخذها بعين الاعتبار؟؟ لماذا؟ هل يملك الصحفيون الأجانب مهارات "مراقبة" خاصة مع قدرات فريدة على تقصي الحقائق؟؟ و ما الشيء الذي سيروه و لم يستطع السوريون رؤيته بأنفسهم و هم الأعلم بسوريه؟
في الواقع تطالب الأمم المتحدة الحكومة السورية فتح بلدها للصحفيين "الغربيين". و مع ذلك ، و خلال جميع الصراعات الحديثة، لا أذكر صراعا تمت تغطيته من قبل وسائل الإعلام الغربية بشكل أسوأ مما حدث مع الأزمة السورية.
يبرر الصحفيون الغربيون مسؤولية تغطيتهم السيئة للأحداث في سورية بناءا على حقيقة منعهم من دخولها، و يبدو أنهم يعتقدون بأن العالم يحتاج وجودهم هناك لكي يفهم ما الذي يجري داخل سورية.
باول كونروي، مصور في Sunday Times ،أصيب نتيجة انفجار في حمص شهر شباط، قال في برنامج Hard Talk على محطة BBC بأن السوريين يحتاجون أن توثق أحداثهم من قبل أشخاص مثله و مثل زميلته، التي توفيت فيما بعد، مراسلة الحرب ماري كولفين، لأجل أن يصدقهم العالم: (انه وضع محزن يحتاج أشخاصا للذهاب هناك... و في الواقع يكونوا صحفيين غربيين و رسميين لجعل الأمر حقيقيا في الرأي العام).
و لكن هل هذا فعلا ضمان لدقة التقرير؟؟ لأنني صدقا، و حتى الآن، لا أعتقد بوجود أشخاص أقل كفاءة من الصحفيين الغربيين في التحقق من صحة ما يجري في سورية. و لا يعود هذا فقط لكونهم غير موجودين بأجسادهم هناك، و لا لأنهم لا يعرفون أكثر من كلمتين في اللغة العربية. بل السبب الأساسي هو أنهم يأكلون من معلف روايات حكوماتهم حول كل شيء.
الصحفيون الغربيون عنيدون يحملون الإحساس بالاستقامة المترشحة من الكلمتين المتناقضتين (القيم الغربية) اللتين أقحمتا في حناجرنا الجمعية. إنها القيم الغربية ذاتها التي تطالب كل الدول بالمسؤولية و الشفافية، بينما تمنح الغطاء للحكومات الغربية لشق طريقها عبر الأجساد العربية و المسلمة في حروب (أمن قومي) لا نهائية.
أخبروني... ما هي وسيلة الإعلام الغربية في التيار الرئيسي التي تساءلت حول روايات حكومتها عن كل تلك الحروب؟؟ من هو الصحفي الغربي الهام الذي عرض مهنته للخطر لأجل حقيقة ما يحدث في الشرق الأوسط؟ أعطوني اسم ذاك الصحفي الشجاع التابع لشبكة غربية و الذي سبب الفوضى في مؤتمر صحفي بسبب سؤال غير ملائم عن الأسلحة التي تباع لديكتاتورية الخليج و لم يخب مسعى مدرائه لأجل ضمان بقائه ضمن قائمة الصحفيين في البيت الأبيض. أروني الصحفيين الغربيين في واشنطن بوست، و نيويورك تايمز، و CNN و BBC و فرانس 24 الذين صنعوا شهرتهم من التساؤل بإلحاح عن استخدام إسرائيل غير المتكافئ للقوة ضد سكان مدنيين. صحفيين وضعوا المايكروفون تحت أنف ساركوزي أو أوباما أو كاميرون و سألوا بصوت عال: (أية عملية سلام لعينة تتحدثون عنها؟؟)..
لا يوجد؟؟ لا أحد؟؟؟ بالله عليكم!
(لا توجد فيزا سورية) هو فقط العذر الملائم للتغطية الكسولة و القذرة للصراع السوري من قبل الإعلام الغربي. و هو لقمة سائغة هذه الأيام ، و يتجاهل تماما و عن عمد تقرير مراقبي الجامعة العربية في كانون الثاني 2012 و القائل بأن 147 مؤسسة إعلامية أجنبية و عربية كانت تعمل في سورية طوال شهر تواجد المراقبين.
(لا توجد فيزا سورية) عبارة تحاول بقوة صرف الانتباه عن حقيقة أن معظم الصحفيين الأجانب لم يذهبوا فعليا إلى الخطوط الأمامية من الصراع بينما كانوا يضعون تقاريرهم. فالصحفيون كانوا يرسلون في قوائم منظمة من قبل الحكومات المضيفة أو من قبل الجيوش الغازية كما في حالة الحروب التي شنتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
و عبارة (لا توجد فيزا سورية) يجب أن تسبب الخجل عندما نذكر أنه لم يكن هناك غضب إعلامي غربي جمعي مع إعلان حكومة إسرائيل(لا دخول لغزة) حين سجنت الشعب الفلسطيني بين عامي 2008 و 2009.
المشكلة في الصحفيين الغربيين أن تاريخ صلاحيتهم قد انقضى ، فهم بقايا صناعة آمنا يوما أنها ستكون معيارا للموضوعية التي لم نشهدها أبدا.
إنهم احترافيون في الأخبار التي تكون كالتسلية، يحزمون محتويات براقة لأجل الحد الأعلى من التوزيع و الكثير من الدولارات. و الهدف ليس صحافة موضوعية، إذ أن أهدافهم تحدد و تعزز من قبل خطة اقتصادية في مكان ما.و النجاح يتوقف على وصفة بسيطة: (ابق ضمن المجال المفهوم من قبل الجمهور الواسع الذي يلتهم العبارات القصيرة و القصص المألوفة على مدار الساعة). و يقوم قسم التسويق في الإعلام المشترك بدراسة نماذج البيع لأجل استهلاك ما تعلن عنه، و الجمهور يطالب بالإشباع و الإعلام الغربي يوفره له.
باستثناء بعض من الأشخاص المحترمين، صنعت وسائل الإعلام الغربية الخط المباشر للقصة المثيرة في سورية، و التي هي بالأساس القصة الخيالية للربيع العربي مع بعض التعديلات: نظام سيء، نشطاء جيدون ، و لكنهم يريدون طرد الدكتاتور، و هذا يسمى ثلاثة في واحد إذا وضعنا إيران و حزب الله في الحسبان.
و هناك فقط قواعد ثلاث لعمل معظم الصحفيين الغربيين داخل و خارج سوريه: 1- فقط الاقتباس عن السكان المعادين للحكومة، 2-عدم السعي وراء شخصيات معارضة وطنية مستقلة 3- الأدلة غير مهمة، طالما أنك تذكر المصدر بطلاقة.
يذهبون مباشرة صوب النشطاء السوريين، المظاهرات المعادية للحكومة، الرجال المسلحين في المناطق الساخنة. و بالطبع يشكل هؤلاء جانبا من القصة السورية، و لكنك لن تجد صحفيا غربيا من التيار الإعلامي الرئيسي يتحدث عن مسيرات عشرات الآلاف المؤيدين للحكومة، و العلم الوطني المرسوم على وجوه مؤيدي الأسد(كبارا و صغارا) يلوحون بصور رئيسهم. لم يقم أولئك الصحفيين بمقابلة أي من السوريين المؤيدين للحكومة، و هم الأغلبية الذين صوتوا لأجل تعديل الدستور في شباط.
لن تجد أيا من الصحفيين الغربيين المنحازين لمعارضة المجلس الوطني السوري الصديق للناتو يجري مقابلة مع شخصيات معارضة سورية محلية، أمضى معظمهم سنوات في السجن، غير أنهم يجمعون على رفض عسكرة و تدويل الصراع.
و الأهم من كل شيء، أنك لن تجد صحفيا غربيا من التيار الإعلامي الرئيسي يبحث عن "أدلة" لدعم الروايات المزيفة لحكومته: من هم المشمولين في أعداد الموتى التي تنشر يوميا عبر العالم؟ من الذي قتل آلاف الجنود السوريين؟ من الذي يقتل الأطفال في سورية؟ من الذي يقتل الصحفيين في سورية؟ من المستفيد من هذا الموت؟ من المستفيد من مقاطع الفيديو أو الصور التي ترسل لي عبر البريد الالكتروني ؟و كيف لي أن أعلم أن كانت سحب الدخان سببها مدافع الهاون الحكومية؟ من هم القناصون؟ و لماذا لا يزال هناك الكثير من السوريين الداعمين لبشار الأسد؟
"الكذبة الكبرى" هي تقنية بروبوغندا تستخدم عمدا في الشرق الأوسط من قبل الحكومات الغربية. "الكذبة الكبرى" تشير إلى تكرار رواية أحداث معقدة بحيث يبرر الفعل اللاحق. وصف هذه الأحداث يحمل شيئا من الحقيقة ، و تعميمات "الكذبة الكبرى" تندمج مع الحقائق و في نهاية المطاف تحل مكان التفسير الدقيق للأحداث الضمنية.
استخدام تقنيات الكذبة الكبرى سهل جدا في الشرق الأوسط، لأن الإعلام الغربي و بسعادة مشارك في ترويج الصورة النمطية أحادية الجانب عن العرب و المسلمين. و هي مبرمجة بشكل عميق جدا، بحيث أنه و رغم مرور أشهر و نحن نتابع على شاشات التلفزيون شعوبا متفاوتة و من كل الانتماءات السياسية تحتشد لإعادة تشكيل أنظمتها الحكومية، لا زلنا نرى أحداث المنطقة فقط عبر موشور بمقاس واحد يناسب كل الربيع العربي.
يصف كتيب يحمل عنوان " الحروب غير التقليدية للقوات الخاصة في جيش الولايات المتحدة" الوسائل لإسقاط حكومة ما بعيدا عن الشكل التقليدي للمعركة. و في فقرة تحت عنوان: (إرادة الشعب) تقرأ في الكتيب طرقا للتغلب على الدعم الشعبي لحكومة وطنية قائمة و التخلص من العداء الطبيعي تجاه التدخل الأجنبي:
(نشاطات المعلومات التي تزيد من حالة الاستياء ضمن الحكومة المعادية أو المحتلة و تصور المقاومة على أنها بديل قابل للحياة هي عناصر مهمة جدا في جهود المقاومة. هذه النشاطات يمكن أن تزيد من دعم المقاومة عبر الرسائل المقنعة التي تخلق التعاطف ضمن السكان)
و يشرح الكتيب الأمر في مكان آخر فيقول: (بذلت حكومة الولايات المتحدة أقصى الجهود للبدء سلفا بتشكيل البيئة المستهدفة . و جهود التشكيل قد تضم عمليات لزيادة شرعية عمليات الولايات المتحدة و حركة المقاومة، بناء دعم خارجي و داخلي للحركة، و خلق الظروف لتدخل قوات الولايات المتحدة... و يكون الشعب في هذه الدولة مستعدا نفسيا لتقبل رعاية الولايات المتحدة، و خاصة إذا كانت الدولة صديقا سابقا لها. و في حالات أخرى قد يتطلب الإعداد النفسي فترة أطول قبل الوصول إلى أية نتائج مرغوبة).
الصراع السوري لا يتعلق بالإصلاح، لقد أضحى معركة جيوسياسية لأجل النفوذ في الشرق الأوسط.و من بين أطرافها الناتو و مجلس التعاون الخليجي و دول BRIC. و لم تقم وسائل الإعلام الغربية بنقل هذا الصورة الواسعة و التي هي واضحة بالنسبة لشعوب المنطقة. و عوضا عن ذلك، ركزت على فكرة "داوود مقابل جالوت" أو "الخير مقابل الشر" التي تروق لجمهورها العريض المستهلك للمعلومات السهلة.
و بدورها تغدو تلك الشعوب "قادة" التفكير حين تقوم بدعم مغامرات أجنبية عسكرية في استطلاعات الرأي التي تبثها علينا وسائل الإعلام الغربية و تسميها"موافقة مدنية".
و لكن في سورية لم يحدث هذا. فبعد مرور أكثر من سنة على أول احتجاجات ضد الحكومة، و التي لم تصل إلى مئات الآلاف و الملايين التي شهدتها المنطقة في أماكن أخرى، لم يطرد السوريون قائدهم و ما من دليل على أن معظم السوريين يريدون ذلك. وما التصويت على التعديلات الدستورية في شباط إلا إشارة إلى أن التعاطف الشعبي لا تعكسه صور غير موثوقة في هواتف خليوية.
و أرقام الضحايا اليومية في سورية تتعرض و بشكل متعمد للتحريف و تقدم على أنها جرائم النظام، و صور الأقمار الصناعية عن القصف الحكومي المزعوم تتناقض مع الروايات السائدة، و الحقائق المزورة من قبل النشطاء تدفع المرء للتساؤل عن الحاجة إلى تزوير الأدلة طالما أن النظام متوحش؟ غير أن الإعلام الغربي لا يسمع و لا يرى الا ما يناسب روايته النمطية.
بعد سنة من ظهور الاحتجاجات الأولى الصغيرة في سورية، لا تزال الحكومة السورية قوية، يدعمها الكثير من شعبها، و بعيدة عن الانشقاقات التي شهدها القادة العرب الآخرون. و يبدو أن البروبوغندا لم تكن كافية لتقويض أساسات كل الدول العربية. و حان الوقت لتبحث وسائل الإعلام الغربية عن خطأها. وبالتأكيد لابد و أن البعض يتساءل الآن عن المعلومات و المصادر و الافتراضات.
و يتبادر إلى ذهني صحفيون غربيون قاموا بأكثر من عمل الكتابة عن سورية من خارجها مثل باتريك كوكبورن من صحيفة الاندبندنت و سيموس ميلن من الغارديان، و يجب أن نحتفل بشجاعتهم. أما بالنسبة للآخرين فقد كان جبنهم و غرورهم خطيرين. فالروايات المزيفة شجعت السوريين و عاملين آخرين في المنطقة على التصرف بتهور و غضب بل و حتى بابتهاج مفرط ، عندما يستفيدون من اختلاف الروايات و الأرقام. بينما الناس تموت مع إطالة مدة الصراع.
من الواضح أن الوقت حان لتحدي الفكرة العتيقة القائلة بأن الإعلام الغربي نزيه و موضوعي و احترافي في تغطيته لأحداث الشرق الأوسط. و لكن يجب ألا نكتفي بالنوح على هذا الظلم في تيار آخر من المقالات و الافتتاحيات العاجزة. يجب أن نجلب صناعة التضليل هذه إلى الميدان العام، و نحاسبها على ما قامت به من تأثير على الأحداث و القراء.
يجب أن يسقط كوفي أنان المادة الخامسة من الخطة. و بينما تعتبر حرية التعبير هامة جدا اليوم، فان الصحافة الغربية الرئيسية ليست سوى وجه آخر للتدخل الخارجي الذي يحذر منه. اقذفوا أولئك الصحفيين الغربيين خارج سوريه إلى أن يتمكنوا من وضع تقارير مستقلة و محايدة و مسؤولة عن هذا الصراع. الروايات المزيفة تسبب زهق أرواح عربية و مسلمة. و يجب أن يتوقف "مقاتلو" وسائل الإعلام عن ممارسة حرفتهم في هذا المنطقة.
*شارماين نارواني صحفية و محللة سياسية معنية بشؤون الشرق الأوسط، زميلة مساعدة في كلية سانت أنطوني بجامعة أوكسفورد،تحمل شهادة الماجستير في الشؤون الدولية من جامعة كولومبيا للشؤون الدولية و العامة في كل من الصحافة و دراسات الشرق الأوسط.
عن موقع Mideast Shuffle
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد