المعارضة وأخلاقية الفرز الجديد
الجمل ـ عبد الله علي: أصبح لزاماً علينا في سوريا أن نتساءل بجدية من هي المعارضة وما معاييرها؟ لاسيما بعد أن كثر الحديث في أوساط المعارضة عن تقسيمات وتنويعات وفرز بين معارضة الداخل ومعارضة الخارج، ومعارضة تعارض النظام ومعارضة توالي النظام، ومعارضة تريد الاصلاح والتحول الديمقراطي ومعارضة لا تريد إلا إسقاط النظام، ومعارضة تقبل الحوار بشروط ومعارضة لا تقبل الحوار مطلقاً.
من المؤكد أن الأزمة السورية الحالية خلطت الكثير من الأوراق وأدت إلى التداخل بين حدود مفاهيم المعارضة والموالاة بحيث لم يعد معناها واضحاً في ذهن المواطن في كثير من الحالات.
ويبدو أن كثيراً من أطياف المعارضة التقليدية لم تعد تعتبر معارضة حقيقية، بينما الكثير ممن قضوا سنين عمرهم صامتين قبل هذه الأزمة يعتبروا حالياً معارضين شرسين، وهذا غريب ويحتاج إلى الكثير من الأجوبة!! وكأن ثمة قرار صدر بتشكيل المعارضة من جهات وفئات وأفراد معينين، ونزع هذه الصفة عن الباقين بغض النظر عن تاريخ كل جهة أو فئة أو فرد، وصدر القرار بمفعول رجعي يشمل جميع المراحل السابقة فمن ليس معارضاً الآن لم يكن معارضاً أبداً، والمعارض اليوم هو معارض تاريخي ولو لم ينطق بكلمة من قبل.
من المؤكد بالنسبة لي أن معيار المعارضة الجديدة أصبح المطالبة بإسقاط النظام والاعتراف بتمثيل المجلس الوطني الذي شكل في اسطنبول التركية، أما كل من نزلت مطالبه عن سقف إسقاط النظام فلن يحوز "شرف" المعارضة مهما تحدث ونظّر في الاصلاح والتحول الديمقراطي!!!
ومن مفارقات هذا الفرز الجديد للمعارضة، أنه أدى كما قلنا إلى نزع صفة المعارضة عن بعض المعارضين التقليديين ممن اشتهروا بمعارضة السلطة والمطالبة بالديمقراطية، بينما كرّس أشخاص آخرين على أنهم معارضة حقيقية بينما كان معظمهم في زمن "الطوارئ" لا يجرؤ على أن ينبس ببنت شفة في انتقاد السلطة وبعض هؤلاء هم من أبناء المؤسسات الحكومية وبقوا مخلصين لها حتى زمن قريب.
والمشكلة في هذا الفرز هي مشكلة أخلاقية، لأن البعض من المعارضين الجدد لا يبالي أن يسرق تاريخ ومعاناة بعض المعارضين ممن تعرضوا للكثير من المضايقات في حياتهم قبل هذه الأزمة وما زالوا ثابتين على نفس مواقفهم السابقة من النظام، إلا أن هذه المواقف لم تعد تتناسب مع مقتضيات "المرحلة" الحالية، فكان كل ذنبهم أنهم كانوا صادقين مع أنفسهم ومؤمنين بمبادئهم ومنسجمين مع مطالبهم، ولم يقبلوا أن يتخطوا هذه المبادئ حتى عندما سنحت لهم الفرصة، حالياً، بل بقوا ملتزمين بما كانوا يقولونه ويطالبون به.
إضافة تعليق جديد