رأي مواطن سوري لم يُدعَ إلى مؤتمر الحوار
د. نبيل السمان: "ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟" لماذا وصلنا إلى هذا الوضع المأزوم؟
المآزق من طبيعة الحياة.. والأهم هو الاعتراف بها قبل كل شيء، ومن ثم تحليلها وتفكيكها للحصول على علاج، وهنا ماذا يمكننا القول عن مرض يصيب الكبد، فيتم علاجه على أنه مجرد رشح؟!.. لحل أزمة الثقة والاستقالة الجماعية عن العمل العام والذهاب إلى خلاص فردي نفعي آني، و ذلك مما يعمّق الشرخ في بنية المجتمع.. وإن لهذه الاستقالة أو (الإقالة) أسباباً أهمها أحادية التعاطي للحزب الشمولي الواحد الأوحد وإقصاء الآخرين أحزاباً وجماعات عن تداول السلطة، ولم توجد هذه السلطة الأحادية لها إلا أشكالاً ديكورية (كالجبهة الوطنية) التي لم تنتج تشاركية حقيقية. وبالتالي غاب التفاعل الحقيقي بين الأحزاب النهضوية التقدمية العلمانية مع الجماهير لغياب آليات التعاطي والدعم، مما خلق عن قصد أو غير قصد عزلة بين قيادات تلك الأحزاب وقواعدها، ما أتاح للتيارات الأصولية إنتاج نفسها مرة تلو الأخرى.
-الدولة هي الوجه الثقافي للجماعة البشرية مهما كانت، لذلك علينا البحث في ثقافتنا الاجتماعية التي أودت إلى هذا الانسداد العنيف والذي يحتاج إلى ثقافة جديدة تعيد التأسيس لدولة حديثة قادرة وبشكل دائم على الارتقاء.
1ـ ربط المسؤولية بالمحاسبة ليس على الأخطاء فقط وإنما على الإنتاج، فمثلاً الاتحاد الرياضي لم ينتج رياضة في تاريخ حياته مع أن الشعب قدم ملاعب واستادات وأبطالاً فرديين..
2ـ اعتبار الحق والواجب هما الشأنان الأساسيان (مثل قانون الإعلام.. فالحق بالمعلومة هو أساس لثقافة الإعلام، والقانون هو مجرد منظم للنشر)
3ـ ثقافة التنافس.. هي الثقافة الوحيدة القادرة على تمثيل الديمقراطية فهي الوحيدة القادرة على الارتقاء بأي شأن، فالتنافس (وليس العداء والخصومة) هو ضمانة ضبط أداء الذات والآخرين.
4ـ الإنتاج.. ماذا تنتج سوريا؟
لا تنتج سوريا شيئاً ذا قيمة في ظل خرافة الاكتفاء الذاتي، ما يعني خللاً واضحاً في قيم العمل. وقيم توزيع الثروة، ما أدى إلى إحباط إنتاجي.
5ـ الفساد كثقافة، هو حالة من استخدام الذكاء السلبي، بما يعني أنه لم يكن هناك أي ربط بين الأخلاق والمعايرة، أي ترويض القوانين بما يناسب الفساد.
-سياسياً:
ليس المهم وجود دستور أو قانون، ولكن المهم احترامه والانضواء تحته اختياراً، فقوة القانون تأتي من اختيار الشعب لمصلحته وليس من احتكار العنف، وهذا على ما أعتقد أخطر عقدة منتجة للتحدي بين المواطن والقانون وليس التعاون والتكامل بينهما، ما أدى إلى تضخم الفردانية والمصالح الفردية.. وهي شؤون مدمرة للبنية الاجتماعية، وهذا ما وصلنا إليه.. فالمواطنة موجودة بالدستور والقانون نظرياً.. ولكن في واقع الأمر حولنا المواطنين إلى مجرد رعية!..
ـ دمشق تعرّضت لكل أنواع النتائج السيئة للأداء الإداري والاقتصادي والثقافي، إذ يكفي مثلاً أن نذكر أن 40% من أحيائها عشوائيات، ما ينتج بيئة متردية اجتماعياً وتسرّباً للأطفال من التعليم ليتم تلقّفهم فيما بعد وتوظيفهم فيما حدث من عنف صدم السوريين، فتلك الصدمة كانت نتيجة وليست طفرة..
وهنا لا يعني في حديثنا عن دمشق ألا نذكر أن غالبية المحافظات والمدن الكبيرة والصغيرة لاتحمل الرافعة الثقافية التي ترتقي بالمجتمعات.. فحمص بعد الساعة السادسة ضيعة كبيرة، وطرطوس كذلك الأمر، ما يجعلنا مطالبين ومن خلال وضع الخطط التنموية إلى تمدين المدن والريف وخلق فعاليات وآليات لدعم الحالة التنويرية للمجتمع (فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان).
كل تلك المراكز الثقافية لم تجد حالة من التفعيل لها كونها تدار بذهنية الموظفين وببيروقراطية منقطعة النظير، كما أن غياب الأحزاب التنويرية من خلال التشاركية السياسية للدولة وغياب مؤسسات المجتمع المدني، قدم -ومع التراخي للتيارات الدينية- المناخ المناسب لتنشيط وتقديم ما قصرت عنه تلك المؤسسات، لذلك يطلب وبشكل ملحّ علمانية الدولة.. أي فصل الدين عن الدولة، ومنع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء.
فقد لاحظنا في الأزمة الأخيرة -ولأسباب نعرفها جميعاً- أن التيارات الدينية على اختلاف مشاربها قد رفعت سقفها المطلبي.. بينما هيئات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والأحزاب ذات الصوت المنخفض لم نسمع لها حسّاً.
ـ إزالة الحواجز بين الطوائف.. وذلك بعمل ثقافي مكثف وليس بشعارات مثل التعايش والإخاء.. أو (بحفل فني يسمعنا الآذان مع التراتيل مع رقص الميلوية، أو بإفطار لرجال الدين المحمدي و المسيحي في شهر رمضان) مما جعل تلك المظاهر مظاهر فلكلورية بامتياز.
ـ إرساء مبدأ المحاسبة على كل مراتب إدارة المجتمع التي تسمى عادة دولة.. فالفاشل هو تماماً مثل الفاسد.
والانتباه إلى موضوع تراكم الخبرات والعراقة في وضع النظم للمؤسسات أي ليس كلما جاء مسؤولاً لمؤسسة ما عليه البدء من نقطة الصفر على اختلاف مستوى المسؤولية.
ـ إعادة العمل والاعتبار لمسألة الاندماج الاجتماعي عبر التثقيف والتعليم لأنه هو القيمة العليا لكافة مجتمعات الكون، فمثلاً.. هناك خلل في النظام التربوي!! ما أدى إلى الضعف في حس المواطنة..
والسؤال الكبير: كيف تم تجييش هذه الأعمار الشابة غير المحصنة لو لم يكن هناك مشكلة في بنية الجسم التعليمي، فتلك الطرق التلقينية في التعليم والتعلم لم ولن تفرز إبداعاً وإظهاراً للمواهب..
الحوار يبدأ من الصف الدرسي، فعندما لا يسمع رأي الطالب في المواد المعطاة.. وعندما لاتشكل مجموعات بحثية لتنمية حس (الفريق) فهناك مشكلة.. لماذا لايعرف طالبنا وحتى يصل إلى الصف الثالث الثانوي من هو بيتهوفن وتشايكوفسكي ومايكل أنجلو وفان كوخ وبيكاسو.. أبو خليل القباني وعمر البطش وميشيل كرشة وفاتح المدرس ولؤي كيالي.. محمد الماغوط وسعد الله ونوس وأدونيس وآخرين.. ممن شكل إبداعهم الوجدان والذاكرة البعيدة الإنسانية والقريبة المحلية لهذه الأمة، وأن التأكيد على مبدعينا سيبعدنا عن شبح الخوف من العولمة وإلغاء الهوية..
أين مادة التربية المدنية أو البيئية أو تسليط الضوء على بعض مواد الدستور ومنذ الاستقلال لإلقاء الضوء على الحقوق والواجبات للمواطن؟.
ـ إعادة الاعتبار لقيمة العمل والإنتاج وإدانة الثراء غير المشروع بواسطة كافة المنابر، فالفاسدون هم الأبطال والشرفاء بالمقياس الاجتماعي الحالي.
ـ إعادة صياغة الدستور من جديد على أن تكون وحدة المجتمع السوري هي معيار التشريع، وأن يكفل الدستور أن تكون سوريا دولة مدنية يخضع الجميع فيها لقانون واحد، خاصة فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية.
وشكراً
التعليقات
شكرا نبيل. أرجو أن يدعى
إضافة تعليق جديد