المعلن وغير المعلن في جولة هيلاري كلينتون على دول الخليج
الجمل: نفذت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون جولة دبلوماسية خليجية زارت فيها ثلاثة من دول الخليج، وعقدت فيها المزيد من اللقاءات الثنائية والمتعددة الأطراف مع رموز عملية صنع واتخاذ القرار الخليجي: فما هي أبعاد جولة الوزيرة كلينتون الخليجية؟ وما هي البنود المعلنة وغير المعلنة التي سعت الوزيرة الأمريكية إلى تفعيلها في المنطقة؟
* جدول أعمال زيارة الوزيرة كلينتون: توصيف المعلومات الجارية
تقول التقارير والمعلومات بأن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قد نفذت جولة دبلوماسية خليجية تعتبر الثانية من نوعها لجهة النطاق والأهمية مقارنة بجولاتها وزياراتها السابقة إلى الخليج العربي. وفي هذا الخصوص تقول المعلومات بأن زيارة كلينتون قد تضمنت الآتي:
• النطاق المكاني: زيارة كل من دولة الإمارات العربية المتحدة، سلطنة عُمان ودولة قطر. وشملت الزيارة أربعة مدن رئيسية هي: أبو ظبي، دبي، مسقط والدوحة.
• الأجندة: تطرقت لقاءات كلينتون مع القادة الخليجيين إلى النقاط الآتية:
- كيفية وضرورة تشديد تطبيق إنفاذ العقوبات المفروضة على إيران.
- الوقوف الصلب في مواجهة المحاولات الساعية إلى زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط.
- كيفية القيام بدور خاص لجهة الدفع من أجل إعادة استئناف محادثات السلام الإسرائيلية-الفلسطينية.
- كيفية تطوير وترقية مشروع واسع النطاق من أجل التوصل إلى تسوية وحل الصراع العربي-الإسرائيلي.
- كيفية توفير الدعم اللازم لجهة دعم دول الشرق الأوسط التي تهددها الاضطرابات الاقتصادية مثل تونس وغيرها من الدول "المعتدلة"، وخصوصاً الأردن ومصر.
- كيفية تطوير الفعاليات السياسية بما يتضمن المزيد من الانفتاح الخليجي لجهة توسيع مشاركة المرأة.
تشير المعطيات الجارية إلى أن الوزيرة كلينتون قد أجرت حوارات وتفاهمات مستفيضة مع رموز عملية صنع واتخاذ القرار الخليجي، إضافة لذلك تجدر الإشارة إلى أن جدول أعمال زيارة كلينتون الخليجية قد تزامنت مع حدث آخر، وهو لقاء الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي-العاهل السعودي الملك عبد الله في مدينة نيويورك الأمريكية. وتقول المعلومات بأن ساركوزي –وإن كان التقرير قد أكد بأن زيارته للملك عبد الله من أجل الاطمئنان على صحته- فإنه قد سعى من خلال هذا اللقاء إلى فتح رؤوس بعض المواضيع التي تتطابق مع بنود جدول أعمال زيارة الوزيرة كلينتون إلى الخليج.
* البعد غير المعلن في جولة الوزيرة كلينتون: تأثير العامل الإسرائيلي
التدقيق الفاحص في معطيات جولة الوزيرة كلينتون الخليجية يكشف جانباً في غاية الأهمية، وبكلمات أخرى، فإن كل بند من بنود زيارة كلينتون تحمل قراءتين، الأولى معلنة، والثانية غير معلنة. ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
• تشديد العقوبات ضد إيران من الناحية المعلنة، يتطابق مع توجهات واشنطن العامة إزاء طهران سواء على مستوى الأمم المتحدة أو الكيانات الدولية والإقليمية ذات العلاقات التحالفية مع أمريكا. ولكن ما هو واضح هذه المرة، أن الوزيرة كلينتون قد أشارت للخليجيين لجهة أن إيران تسعى لتقويض استقرار الشرق الأوسط عن طريق حلفائها الموجودين في المنطقة، وذلك في إشارة واضحة إلى دمشق وحزب الله وحركة حماس، وذلك بما معناه أن قيام الخليجيين بتشديد العقوبات ضد إيران يجب أن يتضمن الأخذ في الاعتبار لهؤلاء "الحلفاء".
• الوقوف الصلب في مواجهة زعزعة استقرار الشرق الأوسط، يتطابق من الناحية المعلنة مع توجهات واشنطن العامة إزاء ضرورة تحقيق الاستقرار والسلام، ولكن من الناحية غير المعلنة، المقصود هو ضرورة أن يسعى الخليجيون لجهة الالتزام بأمن إسرائيل، ومنع خصومها من استهدافها على أساس اعتبارات أن أي استهداف لإسرائيل سوف يؤدي بالضرورة إلى عدم الاستقرار.
• القيام بدور خاص لجهة الدفع باتجاه إعادة استئناف مفاوضات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية هو أمر يتطابق مع التوجهات الأمريكية العامة الرامية إلى دفع الفلسطينيين من أجل العودة إلى المفاوضات دون التقيد بشرط وقف الإسرائيليين للأنشطة الاستيطانية، ولكنه من الناحية غير المعلنة هو أمر معناه دفع الخليجيين ليس إلى التخلي عن وجهة النظر الفلسطينية وحسب، وإنما إلى اعتماد وجهة النظر الإسرائيلية القائلة بضرورة عودة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات دون قيد أو شرط والقبول بملف توسيع الاستيطان باعتباره أمراً واقعاً.
• تطوير وترقية مشروع واسع النطاق من أجل التوصل إلى تسوية وحل الصراع العربي-الإسرائيلي هو أمر يتطابق من الناحية المعلنة مع الموقف الأمريكي العام الساعي إلى حل الصراع العربي-الإسرائيلي، ولكن من الناحية غير المعلنة هو أمر ينطوي على نوايا أمريكية لجهة إلغاء مبادرة السلام العربية ودفع الخليجيين إلى تبني مبادرة جديدة تدفع باتجاه التطبيع المباشر مع إسرائيل دون التقيد بشرط إلزام إسرائيل برد الحقوق العربية العادلة.
• كيفية توفير الدعم لدور الشرق الأوسط الذي تهدده الاضطرابات الاقتصادية، هو أمر يتطابق من الناحية المعلنة مع توجهات أمريكا التي تتحدث عن ضرورة تعزيز الاستثمار والتنمية كمدخل للاستقرار، ولكن من الناحية غير المعلنة هو أمر معناه بأنه يتوجب على دول الخليج أن تخصص المال اللازم لإنقاذ حلفاء أمريكا:الرئيس زين العابدين بن علي، الملك الحسن الثاني ، الرئيس حسني مبارك ، الملك عبد الله الثاني والرئيس علي عبد الله صالح.
• كيفية تطوير الفعاليات السياسية بما يتضمن المزيد من الديمقراطية والانفتاح الخليجي لجهة توسيع مشاركة المرأة هو أمر معناه من الناحية المعلنة يتطابق مع الشعارات الأمريكية العامة التي تتحدث عن نشر الديمقراطية وحقوق المرأة وما شابه ذلك، ولكنه من الناحية غير المعلنة قصد به إحراج الخليجيين وذلك لأن النخب الخليجية الحاكمة لديها حساسية مفرطة إزاء ملف نشر الديمقراطية وملف حرية المرأة، وبالتالي، فإن الوزرة كلينتون قد سعت إلى طرح هذا الموضوع لجهة نقل رسالة واضحة للنخب الخليجية تقول بأن أمريكا يمكن أن تغض النظر عن موضوع نشر الديمقراطية وحقوق المرأة، مقابل قيام النخب الخليجية بإنفاذ مطالب أمريكية أخرى.
حتى الآن، لم تتحدد بشكل واضح مدى استجابة النخب الخليجية لبنود وزير الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، ومن الواضح أن جولة كلينتون الخليجية تمثل في حقيقة الأمر الجانب العملي-التطبيقي للجانب النظري المفهومي الذي سبق أن تحدثت عنه الوزيرة كلينتون خلال المحاضرة التي قدمتها الشهر الماضي في معهد سابان لدراسات الشرق الأوسط التابع لمؤسسة بروكينغز الأمريكية والذي دعت من خلاله صراحة إلى ضرورة الانتقال والتحول نحو مفهوم جديد لعملية سلام الشرق الأوسط لا يقوم على الشروط والمطالبة بالحقوق، وإنما يقوم على الرغبة من أجل التعايش مع إسرائيل والتعامل العربي معها بإخلاص ضمن وتائر تجعل الإسرائيليين يقتنعون بإمكانية رد الحقوق والمساومة عليها مع جيرانهم العرب.
فهل يا ترى سوف تستجيب النخب الخليجية الحاكمة لمطالب الوزيرة كلينتون المتعلقة بملف العقوبات ضد إيران واستقرار الشرق الأوسط وعملية سلام الشرق الأوسط والتطبيع مع إسرائيل، أم أنهم سوف يرفضون ذلك ويتمسكون دون خوف أو وجل من احتمالات أن تلجأ الإدارة الأمريكية لجهة استخدام "العصا الغليظة" ضدهم والمتمثلة في مشروع "نشر الديمقراطية" ومشروع "حرية المرأة"!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد