السيناريو القادم على خط إسلام آباد-واشنطن
الجمل: دخلت العلاقات الباكستانية-الأمريكية مرحلة جديدة من التوتر وذلك على النحو الذي نظرت إليه بعض التقارير والتحليلات بأنه ينطوي على قابلية التصعيد لجهة إلحاق المزيد من الأضرار بجهود القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو الموجودة حالياً في مسرح الحرب الأفغانية: ما هي توترات علاقات خط واشنطن-إسلام آباد؟ وما هي تداعيات هذه التوترات على مجريات الحرب في المسرح الأفغاني؟
* التطورات الجديدة في مسرح الحرب الأفغانية: ماذا تقول المعلومات؟
أعلنت السلطات الباكستانية قبل بضعة أيام رسمياً عن إغلاق أحد أهم طرق نقل الإمدادات العابرة للأراضي الباكستانية لإمداد قوات حلف الناتو والقوات الأمريكية المتمركزة في أفغانستان. وفي هذا الخصوص أشارت المعلومات أن القرار الباكستاني قد جاء على خلفية مقتل ثلاثة جنود باكستانيين إضافة إلى بعض المدنيين الباكستانيين بسبب الغارات التي شنتها قادة حلف الناتو ضد بعض مناطق القبائل الباكستانية المتاخمة لشريط الحدود الباكستانية-الأفغانية، هذا، وقد تضمنت غارة حلف الناتو استخدام طائرات الهليكوبتر ووحدات القوات الخاصة المحمولة جداً.
تحدثت المصادر الباكستانية الرفيعة المستوى قائلة بأنه إذا كانت إسلام آباد قد تسامحت مع قيام الطائرات بدون طيار الأمريكية باستهداف مناطق القبائل الباكستانية، فإن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال مبرراً كافياً يتيح لقوات حلف الناتو التغلغل في مناطق شمال باكستان وتنفيذ المزيد من العمليات العسكرية تحت مبررات ضرورة قيام قوات حلف الناتو بعمليات التعقب الساخن للعناصر المسلحة التي تنفذ عملياتها العسكرية في مناطق جنوب أفغانستان، ثم تنسحب عبر الشريط الحدودي إلى ملاذاتها الآمنة الموجودة في مناطق شمال باكستان.
* الإستراتيجية العسكرية الأمريكية: أبرز الإشكاليات الحرجة
تحدثت بعض التقارير والتسريبات عن النوايا الأمريكية الجديدة لجهة ضرورة العمل من أجل إنفاذ خارطة طريق عسكرية أمريكية تؤدي في نهاية الأمر إلى انسحاب وخروج القوات الأمريكية من المسرح الأفغاني. وفي هذا الخصوص، يقول بعض الخبراء بأن البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) والقيادة الوسطى الأمريكية وقيادة القوات الأمريكية في أفغانستان تقوم جميعها باعتماد إستراتيجية عسكرية تنطوي على قدر كبير من التناقض والتعاكسات غير المواتية:
• ترغب القيادة العسكرية الأمريكية الموجودة في واشنطن لجهة إدارة الحرب الأفغانية باتجاه تثبيت استقرار أمن أفغانستان ثم الانسحاب في نهاية المطاف.
• ترغب القيادات الأمنية الأمريكية الموجودة في واشنطن لجهة إدارة الحرب الأفغانية باتجاه القضاء على تنظيم القاعدة والحركات الأخرى المتحالفة معه.
اتفقت واشنطن مع إسلام آباد من أجل تحقيق هدف تثبيت استقرار باكستان، عن طريق إشعال المواجهات لجهة مكافحة التمرد المسلح داخل أفغانستان، ثم العمل في نفس الوقت من أجل شن الغارات بواسطة الطائرات بدون طيار ضد منطقة القبائل الموجودة في شمال باكستان، وذلك لاستهداف البنيات التحتية الخاصة بتنظيم القاعدة والحركات الإسلامية الأخرى المتحالفة معه وبالذات حركة طالبان باكستان، جماعة عسكر طيبة، وجماعة عسكر الجبار وجماعة عسكر عمر وجماعة سبح الصحابة.
أشارت بعض التحليلات إلى أن القيادات العسكرية الأمريكية تعمل بجدية أكثر من أجل إنهاء مهمة تثبيت أمن واستقرار أفغانستان بأقل ما يمكن، ولكن، وعلى المقابل من ذلك تعمل القيادات الأمنية باتجاه محاولة إطالة أمد الحرب في أفغانستان، وذلك انتظاراً لحدوث التغييرات المتوقع حدوثها في حالة صعود الجمهوريين إلى الكونغرس الأمريكي، ثم بعد ذلك استغلال فرصة توظيف قدرات الكونغرس باتجاه عرقلة خطط إدارة أوباما لجهة سحب القوات الأمريكية ليس من أفغانستان وحسب، وإنما من العراق أيضاً.
* السيناريو القادم على خط إسلام آباد-واشنطن
تقول التحليلات والمعلومات بأن قرار السلطات الباكستانية لجهة إغلاق الطريق الرئيسي الناقل لإمدادات القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو قد تم على خلفية رغبة إسلام آباد في مقابلة الابتزاز الأمريكي بابتزاز باكستاني، ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
- تتميز واشنطن ومعها إسرائيل بامتلاك القدرات التكنولوجية المتطورة لجهة رصد حركة الأعاصير والزلازل، وعلى غرار إدراك واشنطن لحقيقة وقوع زلزالي هاييتي وزلزال تشيلي، فقد سعت واشنطن لإخفاء حقيقة كارثة الأمطار والسيول الأخيرة التي ضربت باكستان، علماً بأن الأقمار الصناعية الأمريكية والإسرائيلية قد ظلت ترصد ومنذ فترة طويلة حركة السحب الكثيفة واتجاهات الرياح الحاملة لهذه السحب. وبالتالي، فقد كانت واشنطن تدرك مسبقاً بحقيقة كارثة الأمطار والسيول ولكنها أخفت هذه الحقيقة بما أدى إلى حرمان باكستان من مزايا الإنذار المبكر. والآن، عندما حلت الكارثة بباكستان امتنعت واشنطن عن تقديم المساعدات وظلت تسعى لفرض الشروط لجهة الحصول على المزيد من التنازلات والمزايا التي تتيح لواشنطن السيطرة على باكستان وإضعافها.
- أدركت إسلام آباد بأنه لا حيلة أمامها سوى البحث عن طريقة لتحقيق التوازن. وبالتالي، فقد أدركت السلطات الباكستانية بأن الأفضل هو إغلاق منافذ الإمدادات بما يجعل القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو في وضع حرج وشديد الخطورة خاصة وأن طبيعة عمليات القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو تعتمد أولاً وقبل كل شيء على الاستمرار المكثف للإمدادات.
وبالنتيجة، وكما تشير بعض التحليلات، فقد نجحت إسلام آباد في أخذ واشنطن معها إلى ما يطلق عليه الخبراء الإستراتيجيون تسمية "حافة الهاوية" بحيث إما أن تحصل باكستان على المساعدات وتحصل القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو على الإمدادات، بحيث تكون النتيجة رابح-رابح، أو أن لا يحصل أي طرف على ما يريد، وبالتالي تكون النتيجة خاسر-خاسر!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد