باسل داود: القداسة والجمال على طرفي نقيض

02-10-2010

باسل داود: القداسة والجمال على طرفي نقيض

استضافت دار الأوبرا السورية أخيراً المؤلف الموسيقي والمغني باسل داود. وبالنظر إلى تجربته في العزف مع فيروز وزياد رحباني، والغناء الإفرادي مع الأخير، فإن داود يعتبر آخر الواصلين إلى دار الأوبرا، على الأقل قياساً بأترابه من الموسيقيين السوريين، وبالنظر إلى تجربة جميلة وممتعة في ابتكار أغنية، يصر هو على تسميتها «السورية»، في إطار مشروع بحثه واشتغاله على «الأغنية السورية»، وبالمعنى الضيق للكلمة هذه المرة.
هذا الوصول إلى «الأوبرا» قد يكون متأخراً، وقد يكون انتصاراً لتجربة الموسيقي السوري الشاب. لكنه أولاً يعكس جدلاً واختلافاً حول تجربة واحد من أبرز أبناء جيله دأباً ومثابرة.

كيف تفسر اعتراض البعض على وجودك مع فرقتك في دار الأوبرا، بحجة أن هذا الغناء للشارع ولا يليق بأوبرا؟
^ إذا كان هذا صحيحاً فإن على المصريين إغلاق دار الأوبرا المصرية منذ زمن بعيد لأنها قدمت مثل هذا النوع. علينا أن ندرس تاريخ الشعوب الأخرى، وأن لا نأخذ من الحضارة قشورها. أنا أعرف أنني أقدم أداء راقياً على المستوى الموسيقي، باعتراف الكثير من المختصين. لكن من ناحية المضمون الشعري للأغاني فإنني أميل إلى اعتبار ما يسمى بالشعر والأدب الراقي مقدماً لشريحة صغيرة من المجتمع، وللمفارقة أنا منهم. لكنني أرى أن الحياة تتقدم بخطى سريعة لا يفهمها الشعراء ويفهمها أبناء الشارع الذين يخرجون إلى الحياة كل يوم، وأنا كمنتم إلى فئة الشريحة المفكرة الراقية لم أقترف ذنباً سوى أنني أنقل كلمات من يعيش الحياة بصدق، الناس الذين هم الشعراء الحقيقيون. ولذلك إذا أرادت دار الأوبرا أن تكون لجمهور الفئة القليلة فعليها أن تغير من خطابها الإعلامي، أو أن تستقبل كل الناس بحسب ما يقتضيه مضمون كلمة «دار» في العربية.
عموماً هل تعتبر تأخرك في الوصول إلى دار الأوبرا موقفاً نقدياً من تجربتك، وكذلك هل تعتبر الوصول إليها اعترافاً بالتجربة؟
^ لا هذا ولا ذاك. التأخر جاء لأنني لم أسافر إلى الخارج، حيث كان من الممكن أن أنجح فأعود إلى وطني بعد تقدير الآخرين لي خارج وطني، وهذا بات مألوفاً. كما أنني لم أضع على خصري عازفاً أجنبياً يرافقني في حفلاتي فألقى الاحترام والتقدير بمعية العازف الأجنبي لتقديم حسن الضيافة. كذلك لم ألجأ إلى الأساليب اللاموسيقية للوصول فهذه تحتاج للتدريب. أما وصولي الذي كان محفوفاً ببعض التقصير الأدبي غير المسبوق لجهة عدم تصميم الإعلانات والبروشور، فهو تأكيد بعدم الاعتراف بالتجربة. لكن هذا الوصول علمني أن أكون ممتناً لبعض الأشخاص الموجودين في الدار الذين أحبهم وعلى رأسهم حنان قصاب حسن مديرة الدار.
نسخ كربونية
هناك من اعترض لسبب موسيقي محض، قائلاً ان النحاسيات تليق بالأماكن المفتوحة؟
^ ماذا نسمي النحاسيات التي ترافق الأوركسترا؟ ألم يستخدم سترافنسكي الساكسوفون؟ ماذا تبقى؟ من يرد النقاش فعليه أن يدرس التاريخ الموسيقي قبل أن يجادل. ثم إن هناك مصطلحاً تقنياً في هندسة الصوت اسمه كوندينسر، أي مكثف يمنع الصوت من خدش آذان المعترضين وقد تم استخدامه في الحفل على النحاسيات.
لماذا هذا الاحتكار في تجربتك للغناء وللتأليف الموسيقي وكتابة الكلمات؟
^ نسيت التوزيع الموسيقي أيضاً.. للشراكة غموضها، وهي لم تنجح كثيراً عبر التاريخ، وفي المرات القليلة التي نجحت فيها الشراكة خلد أصحابها. أنا أتحدث عن انسجام بين روحين. دائماً ينظر الناس إلى كل شريكين موفقين بعين السائل: أي سر جمع بينكما؟ من يرد أن يغني لك لحناً فعليه أن يعرف معنى الاتحاد بين روحين، فالأغنية وثيقة أنتجتها روح، فأي روح ستغنيها؟ وأن أغني ما كتبت وما لحنت أرحم عندي من أن يمزق أحدهم وثيقة روحي.
البعض لمح إلى أنه ما حاجتنا إلى زياد رحباني آخر، في إشارة إلى تشابه تجربتك مع تجربة زياد في الموسيقى والكلمات الساخرة؟
^ يا سيدي لو كان الجمال لاتاريخياً لكننا قلنا ما حاجتنا إلى زكريا أحمد بعد سيد درويش ولموتسارت بعد هايدن. هناك نظرية متخلفة في الفكر تقدس كل ما هو سابق، وتجد أنه كلما كان موغلاً في القدم كلما كان أجود. نحن بحاجة لمعلمين جدد على الدوام في كل شيء. الجمال تاريخي، والناس بحاجة لرؤية الـجمال في زمنه، ولو كان كل شيء واحداً على الأرض لما احتجنا إلى الجهات الأربع. إن الذين توقفوا عند الرحابنة لا يعترفون بزياد بل يعتبرونه مخرباً. لماذا نقــبل التنوع الهائل في ماركات الثياب والسيارات والطعام ولا نقبله في الموسيقى. ببساطة إذا لم ترغبوا في سماع أحد فاستمعوا لمن قبله. إن الذين كانوا نسخاً كربونية عمن سبقهم لم نسمع بهم فالتاريخ لا يرحم، ومن لا يستأهل البقاء فلن تسمعوا باسمه.
أما أن نكون تاريخيين في التقاط الجمال لتقديمه للناس فهذا يشبه عجز الذين لا يرون إلا ما هو سابق. وفي هذا السياق أنا أثق برأي المرأة والطفل أكثر من الرجل العادي والمفكر اللذين يتأخران في تلمس الجديد. لا أدعي عدم التأثر، لكنني لا أؤمن بنزول المبدعين من السماء، فالقداسة والجمال على طرفي نقيض.
استعرت في أغنيتين هما «ماني نايم» و«نحنا يا» من موسيقى الصين، أي معنى لهذه الاستعارة الغريبة، وكيف جاءت الفكرة؟
^ أنا أحب كل الناس وكل الشعوب، وهذا حقيقي ونابع من الداخل وليس فيه انتظار لسماع أي إطراء. أنا أشعر بأن الجغرافيا ليست حاسمة في ما نحس به ونفكر فيه، فالبشر بالنسبة إليّ هم أدوات حية وأعظم اختراع كوني للاتصال بالكون، فجنسياتهم لا تهمني، المهم أن يكونوا بشراً محبين، فالحب سبب التقائي بالناس، وإن لم يتواجد أنسحب، وإذا صادفت الكارهين فوجودي يضايقهم، لهذا المعنى أحب الشعب الصيني، بموسيقاه وثقافته. نوع الأسلوب الموسيقي المستخدم محبب لي وللكثيرين، أما الكلام ومعنى الكلام فهما بيت القصيد، وقد أتى استخدامي لأسلوب الموسيقى الصينية نوعاً من تلطيف الكلام، علماً بأن هناك من قال لي ان هذا الكلام خال من المعنى. الفكرة جاءت إثر استماعي للإذاعة الصينية منذ عام 1990 بقصد التقاط كلمة غريبة، وبعد مضي ساعات طويلة من دون جدوى، نظراً إلى صعوبة هذه اللغة، كتبت أنا الكلمات وأرحت رأسي، ومن يومها لم أفتح على الإذاعة الصينية.

راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...