رداً على الفنان صفوان داحول

23-07-2010

رداً على الفنان صفوان داحول

قرأت بحزن ما كتبه الصديق والزميل الفنان صفوان داحول يوم الجمعة 9-7-2010  والذي أقحم فيه اسمي في معرض رده على مقالة الصديق الفنان يوسف عبدلكي في الملحق نفسه. وأود الرد على بعض ما جاء فيه ويخصني إذ أجد أن يوسف قادر أن يرد على ما يخصه فيه شخصياً.
وأريد أن أقول قبل أن أرد على بعض النقاط إنني أفهم وأتفهم تماماً السبب الذي دعا الفنان داحول إلى الدفاع عن السيد خالد سماوي، حتى أنني أجد بشكل ما أن هذا الدفاع ضعيف نسبياً إذا ما قورن مع ما قدمه الأخير لصفوان من خدمات تسويقية وتعريفية ومع كونه المستشار الرئيسي لديه في العديد من القضايا.
كما أود الإشارة إلى أن الانتقاد الحاد الذي وجهه لي الصديق داحول في معرض رده يتعلق بشكل رئيسي بالمقابلة التي أجريت معي حول الفن السوري في نشرة «يوميات ثقافية» التي تصدر بدمشق عدد حزيران 2010، والتي تمّت بعد مقابلة مع السيد خالد سماوي في النشرة نفسها، والتي قال فيها مجموعة من الجمل أثارت وقتها العديد من ردود الفعل القوية، مما اضطر النشرة لإجراء المقابلة معي كنوع من التوازن اللطيف في مشهد توصيف الفن السوري.
والحقيقة أنني آثرت في المقابلة المذكورة، كنوع من الأدب، ولكي لا يعتبر كلامي تشهيراً بأحد آثرت عدم ذكر أية أسماء وأجد الآن أيضاً حرجاً في ذلك. ولكن للضرورة أحكاماً كما يبدو.
وأجد أن عبارات محددة في المقابلة قد استفزت البعض في رده لدرجة الخروج أحياناً عن حدود اللياقة المطلوبة بين الزملاء ناسين التحوط على الأقل لعاديات الزمن، حيث لا يدري أحد سر المعادلات القادمة في مشهد الفن التشكيلي السوري الدائم الحركة والتغير.
جاء بلوحاته ليعرض في صالة أيام!
يقول الصديق صفوان في بداية ذكر اسمي في رده إنني جئت بلوحاتي إلى صالة أيام كي أعرض فيها، وهو أمر لم يحصل ولن يحصل أبدا. ليس بسبب أنني ضد صالة أيام فالصالة ممتازة على كل الصعد فيما يخص شروط العرض والدعاية والاهتمام ولا ينقصها أي عنصر من عناصر النجاح المطلوبة لصالة فنية ناجحة، وقد تعاملت مع السيد خالد سماوي شخصياً وقام بشراء العديد من الأعمال الفنية مني وكان تعامله محترماً وصادقاً وودوداً جداً على الصعيد الشخصي كما على الصعيد المادي، فالإنسان لا ينجح دون مزايا رئيسية تؤهله للنجاح كما هو معروف، ولكنني ومنذ العام 1987 وهو عام افتتاحي لصالة عشتار التي أملكها وأديرها حتى الآن لم أكن بحاجة لأن أعرض داخل دمشق بشكل فردي إلا في صالتي أو في صالتي الأخرى ذات اسم «مرسم فاتح المدرس» والتي أملكها بالاشتراك مع السيدة شكران الإمام زوجة الفنان الراحل فاتح المدرس. ويبدو أن الأمر اختلط على الصديق صفوان عندما استعار مني السيد سماوي إحدى لوحاتي ليريها إلى أحد ما، فأنا رسام وأبيع أعمالي للجمهور دون أن أسأل عن هوية المشتري إلا لأغراض الأرشفة عموماً.
العالم الاقتصادي!
أنا رسام وكاتب في شؤون الفن وأعرض للفنانين في صالتي ولست خبيراً اقتصادياً على الإطلاق، ولكن كما كانت أمي رحمها الله تقول فإن «الذي لا يرى من المنخل أعمى»، ولذلك أرى أن ما حدث في السنوات الثلاث الماضية في سوق الفن السوري وعلاقته بما يحدث في هذه السوق ببعدها الإقليمي والدولي هو مسألة هامة جداً وان اختيار البعض دفن رأسهم في الرمال ونصح الآخرين بالمشاركة بدفن رؤوسهم أيضاً كي لا يروا ما يجري لهذا السبب أو ذاك لا يجب أن يثني البعض الآخر عن التفكر فيه ومعاينته. فمزاد كريستيز في نسخته الخليجية ليس مهرجاناً للفوز بجائزة ما في مسابقة لأفضل الأعمال الفنية بل هو إحدى الوسائل والطرق لتعويم سعر سلعة ما بقصد التأثير على اتجاه السوق، والوصول إليه يحتاج إلى طرق تمهد لها مؤسسات، وتحتاج إلى قدرات مالية معينة ومعايير ومقاصد، وهو في النهاية سوق خاصة مع كل ما يحمله هذا التعبير من صفات تاريخية ليست النزاهة والترفع والمبدئية والحرص على المصداقية أهم صفاتها. وأعتقد أن ما أزعج البعض كثيراً هو الفقرة التي أقول فيها إن: «هناك ترابطاً بين ظهور مزاد كريستيز في دبي وبين ما حدث في سورية. ففي الوقت نفسه الذي افتتحت فيه كريستيز دبي بدأت ظاهرة احتكار الفنانين في سورية ودخلت إلى سوق الفن السوري استثمارات بكتل نقدية ضخمة وافتتحت صالات جديدة وتم شراء وجمع كتلة الأعمال الفنية الرئيسية لفنانين تم احتكارهم وللرواد ووضعت بالمستودعات، وبعد ذلك تم أخذ عمل لكل فنان تم احتكاره إلى مزاد كريستيز في دبي ووضع في المزاد ثم تم شراؤه من قبل من وضعوه بهذا الشكل أو ذاك. وبالتالي حصل رفع لقيمة المقتنيات المكدسة من هذه الأعمال إلى مستوى غير مسبوق، وهذه بالمناسبة طريقة تسويق معروفة، ولكن الناس في سورية لم يتمكنوا غالباً من فهم ما حدث بل ظن معظمهم أن هناك لغزاً ما جعل قيمة اللوحة السورية تقفز فجأة عشرات الأضعاف».
هل سأرفض إذا اقترح علي أحد ما التفرغ؟
نعم يا صديقي سأرفض، ولأسباب عديدة منها ما هو شخصي ومنها ما يتعلق بما أراه وأسمعه ويتعلق بـ«توجيهات وملاحظات» يخضع لها الفنانون في تلك الصالات التي تتعامل بسياسة الاحتكار والتي تدور حول الفن البياع والفن غير البياع، وهي مسألة خطيرة جداً على مستقبل الفن في سورية كما أرى من جهتي وأتمنى من الفنانين الشباب في أيام وغير أيام والذين أكن لهم جميعاً كل المحبة والتقدير، والذين سبق وعرضت لمجموعة كبيرة منهم ذات يوم في عشتار بما فيهم الصديق صفوان نفسه الذي شارك في المعارض الجماعية فيها بداية ثم أقام فيها معرضه الفردي الأول وأيضاً المعرض الأول لزوجته الراحلة الفنانة نوار ناصر رحمها الله، أتمنى أن يعملوا دون أن يكون في رأسهم رقيب مالي يهمس طوال ساعات العمل: هذا يبيع وهذا لا يبيع. «انتبهوا من الشخص الثالث» كما قال المدرس، أجلسوا فقط أنتم وعملكم واطردوا الشخص الثالث الذي يهمس بلا انقطاع مثل الشيطان: يبيع، لا يبيع.
هل عمر الفنان شرط لسعر العمل الفني؟
هنا نصل إلى نقطة مهمة جداً في رد الصديق صفوان، وهي تتعلق بنظرة الفنان إلى نفسه وبمقدار الموضوعية التي يمكن أن يتمتع بها وإدراكه للممكن والمستحيل في العملية الفنية والإبداعية والمقارنات التي ينشئها بينه وبين الفنانين الآخرين على صعيد القيمة الفنية ومن ثم السعرية للعمل الفني. وهو يحتج على عبارتي التي قلت فيها «إذا بيعت لوحة لفنان شاب في مزاد كريستيز بـ60000 دولار فهذا يعني أن قيمة لوحة لفاتح المدرس أو لنصير شورى... يجب أن تكون بـ 10 مليارات ليرة سورية». والحقيقة أنني بالغت هنا بشكل مقصود لأنقل رسالة إلى أصحاب اللعبة المكشوفة التي تستعمل فيها كريستيز كرافعة سعرية، ولكن ما لم يخطر ببالي إطلاقاً أن أتصوره، وأعتقد أنه لا يخطر ببال الصديق صفوان أيضاً أن يقارن نفسه أو أحدا من أبناء جيله مع قامة هائلة كقامة فاتح المدرس. ورغم أنه «ليس مكتوباً على الفنان الشاب أن يبقى تحت رحمة أسعار من سبقه من أجيال» كما يقول إلا أن تصور أن تكون لوحة لـ«فنان شاب» أعلى سعرا من لوحة لفاتح المدرس هو مؤشر غير صحي إضافي في هذا العالم المليء بشتى أنواع الغرائب على أية حال. وأرغب في سؤاله هنا هل يجيز أي شاب لنفسه في أوروبا بعد وفاة بيكاسو أن يقارن سعر لوحته بلوحة بيكاسو على سبيل المثال؟ أم أن الهزل يشبه الجد في كثير من الأحيان؟
الفن بين التجارة والثقافة
لا زلت أعتقد أن دخول أي استثمار خاص إلى حقل الفن التشكيلي في سورية هو أمر هام وعظيم ويجب أن يلقى التشجيع والتسهيلات كافة من مؤسسات الدولة المعنية، وأجد أن المشكلة لا تأتي من دخول الاستثمارات الخاصة إلى الفن بل من رغبة بعض أصحاب هذه الاستثمارات في فرض أنماط واستبعاد أنماط استناداً إلى البعد الشخصي حصرياً وهو ما يذّكر أحياناً بتصرف أصحاب رؤوس الأموال الذين عملوا في حقل الإنتاج السينمائي في تعاملهم مع المخرجين السينمائيين حيث رغبوا دائماً بفرض «صديقاتهم الحميمات» على الأدوار الرئيسية مما أساء، ولفترة طويلة، إلى صورة السينما العربية. كما تظهر المشكلة في أحيان أخرى على شكل رغبة صاحب المال في التعبير النظري عما يحسه وفي ابتداع تعريفات جديدة تناسب البزنس بـ«أنواعه» العصية على الحصر وفي اجتراح مآثر على الصعيد الفكري وعدم الرغبة في سماع نصيحة الاكتفاء بالنجاح على صعيد العمل والانتباه إلى دورة المال المغرية بحد ذاتها. فعلى سبيل المثال صرح السيد خالد سماوي، الذي أكن له كل الاحترام فيما يخصّ عمله، جواباً على سؤال عن كونه واحداً من اللاعبين الأساسيين في مجال تسويق الفن التشكيلي السوري بأنه بعد الحديث عن انجازاته على صعيد التسويق وبعد الحديث عن المبالغ التي صرفها في سبيل ذلك فإن الحديث عن لاعبين آخرين غير مبرر. لا آخرين تصوروا، ماسحاً بذلك تاريخاً من تسويق الفن بدأ مع الأخوين دعدوش العام 1960 واستمر حتى يومنا هذا عن طريق مجموعة من الأفراد الذين آمن أغلبهم بقوة وسحر الفن ودخلوا إلى مجال كان من الرائج القول انه لا يسمن ولا يغني من جوع. كما صرح دون أن يرف له جفن أن «الفنان الحلو لوحته حلوة والفنان الغليظ لوحته غليظة». ورغم أننا نتمنى جميعا أن يكون الواقع كما تشتهي النفوس إلا أن درس تاريخ الفن لا يتطابق للأسف مع الرغبات وبالتالي نعرف جميعنا تقريبا انه يمكن لفنان «غليظ « أن ينتج عملا جيدا كما يمكن لفنان «حلو» أن ينتج عملا سخيفا. ولكن التصريح الأخطر، وهو ما يهم فناني أيام خصوصاً فهو الذي قال فيه إن الفنانين الذين بدأ بالعمل معهم لم يكونوا معروفين، مما يعني أوتوماتيكياً أنه صاحب الفضل في وجودهم نفسه، وهو ما يدعونا لسؤال صديقنا صفوان فيما إذا تضمنت عقود الاحتكار بندا يمنع الفنان من مناقشة رب العمل في بعض المسائل الشائكة كهذه وبند آخر عن العقوبات في حال حدوث المناقشة بسبب هذه الآراء على سبيل المثال.
أخيراً
تشير المقالة والردود في ملحق السفير إلى وجود مشكلة داخل الجسد التشكيلي السوري وأعتقد من جانبي كما كتبت أكثر من مرة أن الوسط التشكيلي السوري يعاني اليوم وكنتيجة مباشرة لسياسة الاحتكار، وهو أحد نتائجها، من انقسام حاد بين الفنانين أنفسهم لأن البعض منهم أصبح يعتقد أنه أهم من الآخرين بسبب أنه محتكر، مع ما يعنيه ذلك من بروباغاندا مرافقة بكل ألعابها التي لا تنطلي إلا على الأبرياء أو الحمقى، وهذا شيء خطير وأنا أود مجدداً أن أطلب من الفنانين أن يحتكم كل منهم إلى ضميره وأن يتصرف كفنان حقيقي، أي كحساس ومبدع ومتواضع. وألا يسمح لقوة إغراء المال المرعبة أو لأصحابها في التصرف بموضوع ووسط حساس ودقيق ومرهف كالفن التشكيلي، وأن ينتمي في النهاية ودون أي تردد إلى وسطه الطبيعي مهما كثرت الإغراءات وتعددت مصادرها.

عصام درويش

المصدر: السفير

 

تجارب شابةقلبت التراتبيّةالقديمة:ضياع المحترف السوري أم تقاعس النقد؟

رداً على يوسف عبدلكي: إطلاق نار خلبي

أيهم ديب:بين منطق "عبدلكي" وواقعية "سماوي" في الإنتاج التشكيلي السوري

يوسف عبدلكي يطلق النار على خالد سماوي

عصام درويش يتحدث عن لعبة تسويق اللوحة في سورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...