دراما البيئةالشامية:شوّهت الحارات وحوّلت نساءهامن فاعلات إلى تابعات

20-07-2010

دراما البيئةالشامية:شوّهت الحارات وحوّلت نساءهامن فاعلات إلى تابعات

شباب «الصح النوم» يتآمرون وفي الخلفية صورة لفطوم الآمرة الناهيةتشكل البيئة الشامية منبعاً خاصاً للكتابة الدرامية التلفزيونية منذ سبعينيات القرن الفائت. فالكوميديا التي قدمتها الدراما السورية من خلال إنتاج تلفزيون «الشرق» في بيروت بنجاح باهر على يد الثنائي دريد لحام ونهاد قلعي (غوّار وحسني) عادت للظهور في مسلسلات «باب الحارة» و«أهل الراية» و«ليالي الصالحية» وسواها على شكل تراجيديا نحّت جانباً كل أنواع المفارقات التي كونت فكرة هامة عن أساليب العيش والحياة في حارات كانت مفتوحة على بعضها، وليس لها أية أبواب إلى حارات مغلقة لها زعماء ووجهاء وشيوخ كار ودين يقررون ويحسمون الاختلافات في كل صغيرة وكبيرة.
إن أعمال مثل «صح النوم» و«حمام الهنا» لم تسعَ إلى تقديم واقع افتراضي لمشاهدي القنوات الفضائية. فهذه القنوات لم تكن على مساحة بث القمر الصناعي العربي الذي بدأ بثه بداية ثمانينات القرن العشرين، أي بعد ذلك بكثير. بل يمكننا اعتبار هذه الأعمال وثائق بصرية هامة عن الحياة المدينية الناشئة في دمشق إبان الاستقلال، وبعد سنوات طويلة من شغل الفنانين السوريين الرواد على مسارح العاصمة السورية، حيث كان افتتاح التلفزيون السوري في الثالث والعشرين من تموز 1960 بمثابة فرصة حقيقية لانطلاقة تلفزيون وطني بعيد كل البعد عن إملاءات المال النفطي الذي يدفع الآن ضريبته المشاهد السوري والعربي على حدٍ سواء. مثلما تدفع الثقافة السورية ثمنه مImage removed.ن خلال تقديمها بالصيغة المغلقة على نفسها في مسلسلات تموّلها بعض القنوات العربية وفق أجندة صارمة، تتدخل بقصد أو بدونه، في الخيارات الإبداعية للعمل الفني. فالأجندة هنا لا تعني تعليمات تحددها القناة لهذا المسلسل أو ذاك، بل تأتي في فهم القائمين على أعمال البيئة الشامية لعقل الرقيب في المحطة المذكورة، وضرورة مغازلته عقائدياً وثقافياً واجتماعياً.
من هنا جاءت أهمية المقارنة بين أعمال قدمها الرواد عبر كوميديا الموقف، مبتعدين كل الابتعاد عن بكائيات المأثرة الدرامية، كمثل «باب الحارة» وسواها من أعمال ميلودرامية حوّلت أهالي «حارة كل مين إيدو إلو» في «صح النوم» إلى ما يشبه «الشعب الصغير» الذي افتتن بباب حارته، حدودها «المناطقية» بين الحارات الأخرى. بينما لا يمكن أن نرى ذلك في»حمام الهنا» المفتوح على السياح والزبائن، ما يقود إلى التساؤل حول الشرخ الحاد بين الأعمال الدرامية السورية. وكأن هناك دعوة إلى التقوقع في حين يعلم الجميع أن دمشق مدينة مفتوحة على خيارات العيش الأهلي.
الذاهب اليوم إلى حارت دمشق القديمة من حي القيميرية إلى باب توما سيلاحظ كيف بقيت الحارة الشامية عنواناً للتنوع المديني من خلال انتشار محلات السهر وصالات الفن التشكيلي بين بيوت السكن، من دون أن تغير هذه الحارة أو تلك من ملامحها الأصلية.
إلى هذا وبالنظر إلى أمثلة ملموسة عن الردة الاجتماعية في المسلسلات الجديدة، يكفي النظر إلى واقع المرأة في مسلسل «صح النوم» لتبيان حجم التقهقر في الحريات الاجتماعية التي وصلت إليها المرأة في مسلسلات الحارة وأبوابها المغلقة اليوم. فمن شخصية «فطوم حيص بيص» التي أدتها الفنانة نجاح حفيظ إلى شخصية «أم عصام»، حيث لن تكون المقارنة بين النموذجين السابقين في صالح «أم عصام» المرأة «الحرملك» التي تقيم الاستقبالات النسائية والواقعة مباشرةً تحت حكم ذكوري مطلق من زوجها وأخيها وحتى أبنائها. فيما تتمتع «فطوم» باستقلالية تامة عن أي تحكم ذكوري، بل على العكس تماماً، فهي صاحبة «أوتيل» يعمل عندها الرجال ويخطبون ودّها. بمعنى أنها مستقلة اقتصادياً، وخياراتها في الحب والزواج من نزيل فندقها الفنان «حسني البورظان» لا يتدخل فيها أحد، حتى خالها «أبو رياح» كان يأخذ برأيها ويستمع إليه. كما كانت قادرة على التأثير في رجل الشرطة «بدري بك أبو كلبشة». لكنّ «أم عصام» ترزح تحت وصاية كل ذوي القربى، فهي امرأة للمتعة وإنجاب الأولاد وطبخ المحاشي والأباوات.
على مستوى آخر استبدلت المسلسلات الجديدة للبيئة الشخصية الطريفة بالشخصية المأساوية الكثيرة الهموم، ليختفي ظرفاء حارة «كل من إيدو إلو» إلى الأبد، فمن «أبو فهمي» (فهد كعيكاتي) و«أم كامل» وأنور البابا و«ياسين بقوش» و«أبو عنتر»(ناجي جبر)، إلى شخصيات تغلي بالشر والتجهم والخبث والولاء الأبوي. ومن مقالب «غوار الطوشة» البريئة للفوز بفطوم إلى دسائس «أبو النار وصطيف» والغدر القبلي بالخنجر عند مفارق باب الحارة ليلاً.
لماذا اختصرت المسلسلات البيئية الشخصية الدمشقية بكل هذا التصنيف «المدرسي» بين شخصيات شريرة جداً وأخرى خيرة جداً؟ لماذا يطمس كتّاب هذه المسلسلات شخصيات الأدب الشعبي، هذا الأدب الذي كان في مقدمة الآداب غير الرسمية التي وقفت بالدعابة الطريفة واللاذعة في وجه فجور السلاطين وظلمهم وسوء حال الناس وضيقهم؟
أين اختفت زنزانة غوار ودياب مشهور المليئة بالغناء التي يدخلانها متى شاءا ويخرجان منها متى شاءا أيضاً؟ لماذا استُبدِل «كاراكون أبو كلبشة» ذي الأنف الذي لا يخطئ بسجن «أبو جودت» المتآمر والخسيس عميل الفرنسيين؟
كل ذلك الشطط في كتابة «شام شريف» جديدة لا يمكن تجاهله، ولا غض الطرف عنه رغم نجاح هذه الأعمال وتحقيقها أعلى نسب المشاهدة. إلا أنها ساهمت وما تزال في تشويه المدينة الناشئة، وأرست بروتوكولات جديدة لآباء جدد يتوارثون نساءهم كما يتوارثون دكاكين الأغباني والدامسكو في قضايا حصر الإرث.

سامر إسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...