تناطح أكباش المؤسسة العسكرية الإسرائيلية
الجمل: تحدثت التقارير الإسرائيلية الصادرة اليوم والأمس عن تزايد التوترات داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية, وتحديدا بين وزير الدفاع الجنرال أيهود باراك, ورئيس الأركان الجنرال غابي إشكينازي: ما هي طبيعة هذه الخلافات, وهل دخلت خلافات وزير الدفاع-رئيس الأركان مرحلة الدائرة الخبيثة، وما هو تأثيرها على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية؟
خلافات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية: توصيف المعلومات الجارية
أشارت المعلومات والتسريبات التي نشرتها الصحف الإسرائيلية: إيديعوت أحرونوت, وأورشليم بوست, وهاآرتس, إضافة إلى بعض المواقع الإلكترونية, إلى تجدد الخلافات داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية, وفي هذا الخصوص أشارت المعلومات والتقارير الجارية إلى النقاط الآتية:
• أعلن وزير الدفاع الجنرال أيهود باراك عن أن فترة عمل رئيس الأركان الجنرال غابي أشكينازي سوف تنتهي في شهر شباط (فبراير) 2011م القادم, وبأنه سوف لن يقوم بتمديد هذه الفترة.
• أثار تصريح أيهود باراك حفيظة الجنرال غابي أشكينازي, المتحفظ بالأساس ومنذ فترة طويلة ضد الجنرال أيهود باراك.
• أعلن الجنرال باراك عن رغبته في القيام خلال شهري تموز (يوليو) وأيار (أغسطس) القادمين بتسمية من سيتولى منصب رئيس الأركان الجديد, وأسماء كبار الضباط الذين سوف يشكلون طاقم القيادة الجديد في الجيش الإسرائيلي بعد انتهاء فترة عمل رئيس الأركان الحالي الجنرال غابي أشكينازي.
• أعلن الجنرال غابي أشكينازي عن رفضه لقيام وزير الدفاع أيهود باراك بتسمية أي طرف, إلا بحلول شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2010م القادم.
• انتقلت عدوى خلافات باراك-أشكينازي إلى صفوف جنرالات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية, بحيث وقف حلفاء باراك إلى جانبه على أمل استغلال الفرصة, ووقف حلفاء أشكينازي إلى جانبه حفاظا على مكانتهم في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من نوايا باراك السلبية ضدهم.
• اكدت معظم المصادر الإسرائيلية إلى أن خلافات باراك-أشكينازي قد تجاوزت الإطار المؤسسي العسكري لتأخذ طابعا شخصيا-نفسيا اكتسب شكل الكراهية.
هذا, وقد تباينت مواقف القوى السياسية الإسرائيلية إزاء خلافات باراك أشكينازي, ففي الوقت الذي سعت فيه القوى السياسية الليكودية إلى تعزيز موقف الجنرال غابي أشكينازي, فقد سعت فيه القوى السياسية الأخرى, الحليفة لحزب العمل باتجاه تعزيز موقف الجنرال أيهود باراك, أما في خارج إسرائيل, فقد سعت دوائر اللوبي الإسرائيلي إلى الميل أكثر باتجاه دعم موقف أشكينازي.
تفسير أسباب خلافات باراك-أشكينازي
تشير العديد من المصادر الإسرائيلية إلى أن المظهر النفسي البارز حاليا في الخلافات, يمثل في حقيقة الأمر الجزء الظاهر من جانب آخر أكثر عمقا كامن تحت السطح, وفي هذا الخصوص أشارت المعلومات إلى النقاط الآتية:
• تزايد الاحتكاكات والخلافات بين الجنرال بوتي كورين (مساعد باراك القوي), والجنرال عافي بن ياهو (مساعد أشكينازي القوي), وتقول المعلومات بأن التأثير الكبير الذي يمارسه بوتين كورين على صنع واتخاذ القرار في مكتب وزير الدفاع, والتأثير الذي يمارسه عافي كورين على صنع واتخاذ القرار في مكتب رئيس الأركان, هما تأثيران لعبا دورا كبيرا في تزايد الاحتقانات على خط علاقات باراك-أشكينازي.
• تباينت نظرة كل من الجنرال باراك والجنرال أشكينازي حول التطورات الجارية في المنطقة, ومن أبرزها: ملف حزب الله اللبناني, ملف البرنامج النووي الإيراني, ملف صواريخ سكود السورية, ملف قوة الردع الإسرائيلية, ملف تطوير قدرات الجيش الإسرائيلي, ملف المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية, ملف الخلافات الإسرائيلية-الأميركية.
• تزايد شعبية الجنرال غابي أشكينازي في أوساط الدوائر العسكرية والساسية الأميركية, بما أدى إلى تزايد حفيظة الجنرال أيهود باراك, وعلى وجه الخصوص غضب باراك المتزايد بسبب قيام معظم الخبراء والمسئولين الأميركيين الذين زاروا إسرائيل مؤخرا بعقد اللقاءات والتفاهمات المطولة مع الجنرال أشكينازي, والاكتفاء باللقاءات القصيرة إن لم يكن التجاهل لوزير الدفاع الجنرال أيهود باراك.
• التفاف مجموعة الجنرالات الأقوياء في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية حول الجنرال غابي أشكينازي, بما أدى إلى تزايد إدراك الجنرال أيهود باراك بأن شعبيته قد بدأت تتآكل داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية, الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تآكل لاحق في موقفه السياسي والذي هو بالأساس موقف انبنى على رصيده العسكري السابق.
• سعى الجنرال أيهود باراك إلى بناء المزيد من القوة الرمزية السياسية في الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية, من خلال القيام بتسمية طاقم القادة العسكريين الجدد خلال وجود الجنرال أشكينازي في الخدمة, وذلك بما يتيح للجنرال أيهود باراك أن يطلق إشارة تؤكد بوضوح أنه مازال يمثل الرجل القوي الأول في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
عدم وضوح التفاصيل الدقيقة الكاملة المتعلقة بخلافات أشكينازي-باراك, يعود في جزء كبير منه إلى طبيعة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية, والتي برغم حالة تراجع قوة الردع التي أصبحت تعاني منها, فإنها ما تزال أكثر تميزا بقوة التنظيم والسرية.
ترتبط خلافات أشكينازي-باراك, بفعل تأثير نوعين من الضغط, يمكن الإشارة إليها على النحو الآتي:
• ضغوط البيئة الخارجية: أدت التطورات الجارية في المسرح الشرق متوسطي إلى تزايد قدرة خصوم إسرائيل في تحقيق الوصول إلى نقطة توازن الردع, ولم يعد هناك أي طرف شرق أوسطي يمكن وصفه بالفريسة والصيد السهل للآله العسكرية الإسرائيلية.
• ضغوط البيئة الداخلية: تزايد طموحات جنرالات المؤسسة العسكرية إزاء توظيف الاصطفافات السياسية الداخلية, وذلك من أجل الصعود إلى قمة الهرم السياسي, فمن جهة يسعى الجنرال أيهود باراك إلى استعادة مكانة حزب العمل السياسية في أوساط الرأي العام من خلال الانفراد بدور اللاعب الرئيسي في تطوير وتحديث المؤسسة العسكرية الإسرائيلية, وذلك في مواجهة طموحات رئيس الأركان الجنرال غابي أشكينازي, الذي يسعى لأخذ دوره القيادي المستقبلي في حزب كاديما, ولكن عن طريق القيام بدور القائد العسكري الناجح في استعادة قوة الردع الإسرائيلية من خلال قوة التنظيم, وقوة الروابط مع الأميركيين.
طموحات الجنرال أيهود باراك, والجنرال أشكينازي, تأتي ضمن سباق النموذج التاريخي السياسي الإسرائيلي, الذي أكد دائما على تزايد فرصة رؤساء الأركان الأقوياء في الصعود إلى منصب وزير الدفاع الإسرائيلي ومنصب رئيس الوزراء الإسرائيلي, وإضافة لذلك, فقد أكدت هذه المعطيات على أن القادة العسكريين الأوفر حظا كانوا الأكثر انتماءا إلى تيار حزب العمل الإسرائيلي, ولكن, ومع صعود نجم الجنرال غابي أشكينازي, فإن توازنات مستقبل الجنرالات السياسي أصبحت أكثر ميلا باتجاه تزايد التوجهات الليكودية, والتي تتمثل في تيارين رئيسيين, الأول مرتفع الشدة ويتمثل في حزب الليكود الإسرائيلي وزعيمه بنيامين نتنياهو, والثاني منخفض الشدة ويتمثل في حزب كاديما وزعيمته تسيبي ليفني,وإن كان تيار كاديما على وشك أن يتحول إلى تيار ليكودي مرتفع الشدة في حالة صعود نجم الجنرال السابق شاؤول موفاز, وحلفاءه.
تقول المعلومات والتسريبات أن الموقف من ملف الصراع مع سوريا قد ظل يلعب دورا كبيرا في تصعيد خلافات جنرالات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية, وتقول المعلومات والتسريبات بأن وزير الدفاع الإسرائيلي ومعه بعض جنرالات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية مازالوا أكثر رهانا على ضرورة التوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا, وذلك في مواجهة بعض جنرالات المؤسسة العسكرية الآخرين, الذين مازالوا ينقسمون إلى فريقين يقول أحدهما برفض السلام مع سوريا, ويقول الفريق الآخر بإمكانية السلام مع سوريا, ولكن حصرا, في حالة توفر ضمانات تخلي سوريا عن علاقاتها مع حزب الله اللبناني وحركات المقاومة الفلسطينية وإيران!!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد