برهان بخاري: جدل التعليم والتعلم

06-05-2010

برهان بخاري: جدل التعليم والتعلم

شكّل خبر رحيل الصديق والنديم والأخ "أبي عرفان"، برهان بخاري، قبل أسبوع، صدمة كبيرة وعميقة، على الرغم من تكرار نقله إلى المستشفى عدة مرات خلال شهر نيسان الماضي بحالة صحية متدهورة، ولم يستطع جسده النحيل وقلبهبخاري الكبير وعقله المستنير، أن تصمد أمام «خطاف الموت» أو السلطان الجائر، كما دعاه سابقاً.
رجل متميّز، ذكي، لمّاح، عنده عقل علمي جدلي، يجمع ما بين العقلانية والجدليّة الواقعية.. وبين الدعوة إلى الالتحاق واللحاق بركب الحضارة.. يدعو إلى مجتمع أهلي.. وطني.. عقلاني.. فيه الدين لله والوطن للجميع.
لا تلمح لديه أية نزعة أو ميل أو تفصيل أو تفضيل، إلا للوطن والوطنية.
يسعى ويعمل بدأب ونشاط لنشر طرق ممارسة أفكار العلم والعلوم الحديثة المتطورة.
ـ مفكّر من نوع خاص، ومتميّز أثرى الإعلام والأبحاث العلمية والتعليمية.
ـ شكّل حافزاً لي ولغيري من الأصدقاء كي نتوغّل في التاريخ والتراث العربي، وكان شاهداً ناطقاً على تطوّر الفكر العربي وثقافته.
كان جليساً ومناقشاً دائماً، ومناكفاً دائماً لعدد من مشاهير الشعراء والكتّاب والصحفيين والمفكّرين، سواء بمقالاته الصحفية أم حواراته الإذاعية والتلفزيونية، أم مشاركته في العديد من المؤتمرات والندوات والسهرات والدعوات.
ـ يمارس الجدل حول التعليم والتعلم، ومشاريعه كانت متفائلة حول محو الأمية التي كان يعدُّها العدو الأول والأخطر للإنسان في الدول العربية.
ـ انكبّ على مدى 35 سنة على دراسة الفكر العربي والإسلامي دراسة نقدية تمزج بين التفكير الكلاسيكي التقليدي والفكر التحديثي التجديدي الناقد نحو إعادة ترسيخ قيم معتمدة على العقل والعلم.
ـ كان يمتلك نظرة خاصة نحو (الحديث الشريف) و(سيرة الصحابة) والعلاقات الإشكالية وفق وجهة نظره بين الخلفاء والصحابة الأجلاء والرواة وكتّاب الحديث وناقليه.
ـ كان رائداً في الدعوة إلى نهضة فكرية علمية، وفي هذا المجال يمكن اعتباره من طليعة تلاميذ وروّاد النهضة العربية وتداعياتها الفكرية والفلسفية.
ـ في مجال "الصحافة" المكتوبة، أسهم بالكتابة فيها من خلال التركيز على مواضيع إشكالية وأحداث ساخنة وشخصيات مهمة، حيث كان متتبِّعاً مواظباً للأحداث الكبرى في بلادنا، مستشرفاً الكثير من الأمور التي تقع فيما بعد.
ـ كان عنده العديد من الروايات المكتوبة عن دمشق وحواري دمشق وعن شوارع دمشق ومطاعمها وحاناتها ومدارسها وجوامعها وتكاياها وكنائسها ومزاراتها الدينية، ولمختلف الأديان والمذاهب الإسلامية والمسيحية، وإن كان شديد الوله والتعلُّق بما كتب عن مسقط رأسه وحارته المحبَّبة (ساروجة) والتي كان يعتبرها من أهم كنوز الشرق (اسطنبول الصغرى).
ـ كانت له دعوة متميِّزة للعودة إلى "إسلام ما قبل المذاهب" و"مسيحية ما قبل الكنائس"، وكان يعتبر أنَّ الأديان يصيبها الكثير من..؟! عندما تغترب، وسمَّى نظريته "اغتراب الدينين" الإسلامي والمسيحي.. في بعض آسيا وبعض أفريقيا.
ـ له العديد من القصائد الشعرية الوجدانية كتبها في رثاء أصدقاء أعزاء افتقدهم أو أناس أحبّهم ووجَّه إليهم التحية ع/ط قصيدة شعر.
ـ عنده نظرية خاصة في تسهيل دراسة النحو والعروض، وخاصة تقطيع القصائد على وقع الأنغام الموسيقية.
ـ كان من أهم دعاة "تعميق الوحدة الوطنية" وقبول الآخر بمودة واحترام، وكان دائم السعي إلى التقريب بين المذاهب والأديان.
ـ نجح البخاري في إزالة هالة القدسية والمقدس عن الكثير من المفاهيم المغلوطة في الموروث الديني والفلسفي واللاهوتي والثقافي العربي.
ـ لم أرَ شخصاً يرغب في أن يتلو "مقالته القادمة" قبل نشرها، لأصدقائه ورفاقه، ويأخذ بملاحظاتهم، وفيهم- في أغلب الأحيان- من هم أقل منه ثقافة وفكراً وعمقاً.
ـ لا أستطيع في هذه العجالة أن أفي صديقي الأثير برهان بخاري حقه، ولكنني وخلال مجالسته وبشكل يومي تقريباً على مدى السنوات العشر الأخيرة، كنت يومياً أكتشف فيه نقاطاً مضيئة جديدة ومتجدِّدة.
ـ لا أعرف إذا كانت هناك كلمات أو صفات تفيك حقك يا "أبا عرفان"، أو مفردات تعبّر عن مدى الأسى والحزن الذي أصاب محبيك ومن كانوا إلى جانبك وبقوا معك منذ أن بدأت مسيرتك مقاتلاً ومدافعاً عن أفكار نيرة مشعة مستقبلية.
ـ بقدر ما كان يفاخر بأصوله الأوزبكية، كان متباهياً مفاخراً أكثر بانتمائه السوري العروبي، معلناً دائماً بصوت عالٍ عن سوريته في كل المحافل.
قد يجهل البعض الكثير والعديد من صفاتك وخصالك ويلومك آخرون على آراء وأفكار ومواقف اتخذتها.. لكن لا يمكن لأحد جالسك أو صادقك أن ينسى إنسانيتك وابتسامتك وروح الجد والدعابة التي كنت تتمتع بها، وحبك وقوتك وإصرارك وعزيمتك وتفاؤلك الدائم ونخوتك وشيمتك التي لا حدود لها وأنت تيمِّم شطر سورية تعزِّي في السلمية والرقة والحسكة واللاذقية وحماة وحوران والسويداء...
تغادرنا يا "أبا عرفان" تاركاً غصة في قلوبنا وعقولنا وذكريات تخلدك في وجداننا ما حيينا.
للسيدة الفاضلة الصامدة الصابرة أم عرفان «نوال حمزة الحمزاوي» وللحبيب الرضي المخلص عرفان ولسامة ورانية وكرامة وغالية وسامر وعلي والأحفاد فريد وشقيقته ويزن وشقيقته ود. عصام وجميع الأهل والأصدقاء العزاء.
 لبرهان بخاري الرحمة وجنات الخلد.
البقاء لله والوطن.

مازن يوسف صباغ

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...