حول قرار حصر عمل المخابر اللغوية بتدريس اللغات الأجنبية
أثار قرار مجلس الوزراء مؤخراً، حول حصر عمل المخابر اللغوية بتدريس اللغات الأجنبية فقط، ضجة كبيرة بين تلك المعاهد التي اعتبر القائمون عليها أنَّ هذا القرار يحمل ظلماً كبيراً لعملهم.. وفي هذا الإطار، كان وزير التربية، الدكتور علي سعد، أشار في حوار أجريناه معه إلى أنَّ هذا القرار، جاء بعد أن أساءت تلك المعاهد في بعض جوانب تجربتها إلى كرامة ومهنة التدريس والعاملين فيها، خاصة أنَّ هناك مشكلة في سورية، وهي مشكلة الطلاب الأحرار؛ حيث إنَّ نسبة نجاحهم متدنِّية ومتخلّفة جداً مقارنة بالمدارس العادية، وذلك وفق إحصاءات وزارة التربية، لافتاً إلى أنه لم يكن لدى التربية مشكلة لو كانت نتائج هذه الدورات بموازاة نتائج التعليم العام، لذلك جاء هذا القرار، بحسب وزير التربية.
أما بالنسبة إلى المعاهد، فقد كان لها رأي آخر في الموضوع.. وفي شكوى قُدِّمت إلينا، وقَّع عليها مديرو أربعين معهداً خاصاً يعتبرون أنفسهم متضرِّرين من هذا القرار، بيَّنوا أنه إذا كانت الوزارة تعتبر أنَّ المعاهد الخاصة قد أساءت في بعض جوانب عملها إلى مهنة التدريس، فهناك جوانب أخرى لم تسئ فيها المعاهد إليها، ولذلك حبذا لو تطرح الوزارة جوانب الإساءة بشكل علني وصريح لإيجاد الحلول لها.. وبالنسبة إلى ما يتعلَّق بمشكلة الأحرار ونسبة نجاحهم المتدنِّية عن المدارس العامة، بيَّن مديرو المعاهد أنه: «لو فرضنا أنَّ نسبة الأحرار متدنِّية، ولكن هناك في الوقت نفسه نسبة نجاح، فكيف يمكن الحصول على هذا العدد إذا تُرِك من دون تدريس؟»، علماً بأنَّ إحصاءات وزارة التربية- كما تشير المعاهد في شكواها- لا تعكس الواقع تماماً؛ حيث لا توجد إحصائية أو شبه إحصائية عن عدد الطلاب المتقدِّمين كأحرار، وهم مسجِّلين في المعاهد بشكل عام، وهنا تساءل مديرو المعاهد: كيف تنسب نسبة نجاح الأحرار إلى المعاهد؟.
وبيّن مديرو المعاهد، أنَّ نسبة النجاح في حدها الأدنى، وفي أكثر المعاهد تواضعاً، لاتقلُّ عن 50 %، في حين أنَّ هناك معاهد استطاعت أن تصل نسبة النجاح فيها إلى 90 % في أغلب سنوات عملها، وقد أنتجت طلاباً كانوا من الأوائل على مستوى محافظاتهم والقطر، وقد كانت هذه المعاهد تنشر نتائجها في كثير من الأحيان.
وهنا قدَّم مديرو المعاهد اقتراحاً بأن تسمح الوزارة للطلاب الأحرار بأن يتقدَّموا بأسماء معاهدهم، على غرار المدارس الخاصة، وبالتالي في هذه الحالة عندما نتكلَّم عن نسب النجاح نتكلَّم عن وثائق، وليس عن فرضيات- بحسب تعبيرهم-.
كما أشار مديرو المعاهد إلى المرسوم رقم (55)، وما ورد في مادته الأولى تحت فقرة تعريفات؛ بأنَّ تعريف المؤسسات التعليمية الخاصة، هو: كلُّ مؤسسة تعليمية غير حكومية (قطاع خاص)، وتشكِّل رياض الأطفال والتعليم الثانوي العام والتعليم الشرعي والمخابر اللغوية ومدارس ذوي الاحتياجات الخاصة.. ولفت مديرو المخابر إلى أنَّ هذا القرار يلغي تعريف المرسوم التشريعي للمؤسسات التعليمية، ويستثني المخابر اللغوية، في حين أنَّ هذه المخابر حصلت على الترخيص وفق معايير وزارة التربية.
لم نتجاوز الترخيص
أما في ما يتعلَّق برأي التربية حول أنَّ هذه المخابر قد تجاوزت ترخيصها وأثَّر عملها في عمل المدرَّس في الميدان؛ حيث بدأ الطلاب يلتحقون بتلك المعاهد، فلفت مديرو المعاهد في شكواهم إلى أنَّ المعاهد المرخصة أصولاً لم تتجاوز ترخيصها، حيث نصَّت المادة /1/ من التعليمات التنفيذية للمرسوم 55، على أنَّ المخبر اللغوي هو المؤسسة التعليمية الخاصة التي تقيم دورات لتعليم اللغات الأجنبية غير المحلية أو المواد التعليمية لشهادتي التعليم الأساسي والثانوي حصراً، من خلال دورات لاتتجاوز مدة كلٍّ منها ستة أشهر، شريطة أن تكون هذه الدورات خارج أوقات الدوام الرسمي للمدارس.
وفي ما يتعلَّق بعمل المدرس الذي هو داخل ملاك وزارة التربية، فقد رأى مديرو المعاهد أنَّ مديرية التربية سمحت للمدرِّس بأن يعطي خمس حصص درسية، وهذه الحصص لاتشكِّل مشكلة، ولاتؤثِّر في عمل المدرِّس في الميدان، فإذا كان سبب التحاق الطلاب بالمعاهد هو وجود المدرس في المعهد، فهو كلام غير دقيق- بحسب مديري المعاهد صاحبة الشكوى- لأنَّ الطالب في الأساس بحث عن مدرِّس آخر.. وهنا عاد مديرو المعاهد وطلبوا من الوزارة أن تبدأ مرحلة جديدة مع المعاهد الخاصة، وأن تمنح هذه المعاهد مدة عامين إلى ثلاثة أعوام دراسية، على أن يتقدَّم الطالب إلى الامتحانات العامة باسم المعهد المنتسب إليه، ولتتمَّ مقارنة نتائج هذه المعاهد، وبالتالي إذا كانت هذه النتائج مزرية، فقد أكَّد مديرو المعاهد أنهم أول مَن سيقف في وجه المعاهد الخاصة، وسيطالبون بحصر عملهم بتدريس اللغات الأجنبية.
لسنا مع القرار
العديد من الأساتذة الذين قابلناهم، أبدوا عدم ارتياحهم وعدم موافقتهم على القرار، ومنهم الأستاذ وفيق حسون (مدرِّس لغة عربية في مدارس خاصة ومعاهد في دمشق واللاذقية) الذي بيَّن أنه ليس مع القرار، والسبب أنَّ هناك حوالي 30 % من طلاب سورية في المعاهد الخاصة، وهؤلاء مِن طبقات غير ميسورة، وبالتالي لا يستطيعون تحمُّل نفقات الدروس الخصوصية أو المدارس الخاصة، فكانت هذه المعاهد حلاً وسطاً بين الطرفين، خاصة أنَّ أقساط الكثير من المعاهد مقبولة ومقدور عليها من قبل تلك الشريحة.
ولفت حسون إلى أنَّ المعاهد تضمُّ مدرِّسين بخبرة جيدة، منهم مَن هو مِن داخل الملاك، وآخرون من خارجه، حيث تحقِّق الكثير من هذه المعاهد نتائج مذهلة بالنسبة إلى طلابها، خاصة أنَّ موضوع التنافس بين المعاهد يجعلها تقدِّم نوعية تعليم جيدة، لتحقِّق حضورها بين الطلاب، وبالتالي فإنَّ المعهد الذي يقدِّم خدمة تعليمية سيئة أو متواضعة يسقط في ظلِّ هذا التنافس، مشيراً إلى أنَّ هذا القرار يخدم بشكل أو بآخر المدارس الخاصة، كما أنه سيحفِّز على الدروس الخصوصية، بدلاً من أن يحدَّ من انتشارها؛ لأنَّ كلَّ أساتذة المعاهد سيتَّجهون إلى الدروس الخصوصية، بحسب رأيه.
في حين لم ينكر الأستاذ (م. م) وهو مدرِّس لمادة الفلسفة وعلم النفس، دور المعاهد الخاصة التعليمي، وإن كان لها بعض الأخطاء، حيث رأى أنه لو حُدِّد منذ البداية عمل المخابر اللغوية بتدريس اللغات فقط، لما وُجدت هذه المشكلة، لافتاً إلى أنه- بغضِّ النظر إن كان للمعاهد أخطاء وثغرات- كان يمكن أن توضع هذه المعاهد- لتلافي أخطائها- تحت إشراف التربية، وإلزامها بتوجيهاتها، بدلاً من منعها، حيث إنه لايمكن إنكار أنَّ المعاهد أدَّت دوراً تعليمياً مهماً.
أما الأستاذ هافال شيخو (مدرِّس لغة عربية في مدارس الدولة وفي المعاهد الخاصة) فرأى أنه يجب أن يكون «آخر دواء هو الكي» بالنسبة إلى موضوع المعاهد، وليس أوّله، مشيراً إلى أنه إذا كانت هناك معاهد قد أساءت أو لاتستوفي الشروط المطلوبة، فلتغلقها وزارة التربية، ونحن كمدرِّسين أوّل المطالبين بإغلاقها.
وفي هذا الإطار، أجمع المدرِّسون على أنَّ هذا القرار سينشِّط بشكل أو بآخر موضوع الدروس الخصوصية، وهنا لفت شيخو إلى أنَّ هذا القرار نشَّط موضوع الدروس الخصوصية، وأوضح أنه من المدرِّسين الذين بدأت تتوافد إليهم حجوزات الدروس الخصوصية للعام القادم. كما وافقه الأستاذ (م.م) على هذا الموضوع، خاصة أنَّ هناك طلاباً لايستطيعون تحمُّل نفقات المعاهد الخاصة.
أما بالنسبة إلى الاتِّهام الذي يُوجَّه إلى مدرِّسي المعاهد؛ بأنهم يتقاعسون في المدرسة ولا يقدِّمون ما عليهم، بينما يجذبون طلابهم إلى المعاهد، فبيَّن الأستاذ حسون أنَّ مدرِّس المعهد يقدِّم كلَّ طاقاته وإمكاناته، لأنَّ عنصر المنافسة يفرض نفسه، ويمكن أن يستغني عنه المعهد إذا كان غير كفء.. أما مدرس المدرسة، فإذا كان غير كفء فلا تستطيع المدرسة الاستغناء عنه، لافتاً إلى أنه لايمكن إلقاء اللوم على المدرِّس إذا أعطى دروساً في المعاهد من أجل أن يحسِّن وضعه المعاشي.
وحول هذا الموضوع، بيَّن المدرِّس (م.م) أنَّ تقصير الأستاذ في المدرسة يجب ألا يُلقى اللوم فيه على المعهد الخاص، لأنَّ المعهد يحاسب مدرِّسه إذا قصَّر، فلماذا لا تحاسب إدارة المدرسة مدرِّسها المقصِّر، لافتاً إلى أنَّ معظم مدرسي المعاهد الخاصة هم من خارج الملاك، ونسبة مَن هم مِن داخل الملاك قليلة.
وعن البدائل المطروحة لقرار مجلس الوزارء بالسماح لمديريات التربية بتنظيم دورات مسائية في مدارسها، تساءل شيخو: هل مدارسنا مستكملة لكلِّ مدرِّسيها، وهل تستطيع استيعاب الكم الكبير من الطلاب الذين سيتوافدون إلى هذه الدورات؟.. وبإحصائية بسيطة، بيَّن شيخو، أنَّ هناك حوالي 250 ألف طالب في المعاهد الخاصة، فهل لمدارسنا إمكانية استيعابهم علماً بأنَّ معظمهم من ذوي الاحتياجات الخاصة أو من الذين قد استوفوا سنوات الرسوب؟.
أما الأستاذ نبيل لحام، مدير أحد المعاهد، فرأى أنهم بصفتهم أصحاب للمعاهد اللغوية، يعدُّون من مؤسسات وزارة التربية، وهذا يعني أنهم ملتزمون بقراراتها وتعليماتها، ولكنه تساءل: هل إذا اشتكى أحدنا من ألم في رأسه نقطع عنقه، أم أننا نبحث عن العلاج، فأيُّ أخطاء ومخالفات أو تجاوزات، ينبغي أن يُحاسب عليها مرتكبوها، لافتاً إلى أنهم بصفتهم أصحاب معاهد، مع مبدأ المحاسبة، حتى الشديدة التي يمكن أن تصل إلى الإغلاق، لذلك تمنَّى لو يُعاد النظر في هذا القرار، لأنَّ المعاهد تسهم مساهمة مهمة في العملية التعليمية والتربوية.
د. سعد: لا نستطيع أن نستثني أيَّ معهد سواء كان جيداً أم لا
بالنسبة إلى رأي وزارة التربية في هذا القرار، أوضح وزير التربية الدكتور علي سعد أنَّ: «القرار ردّ المخابر اللغوية إلى الغرض الذي أُنشِئت من أجله، فالأصل أنها معاهد لغوية»، مضيفاً أنَّ: «هذه المخابر في فترة من الفترات أُعطي لها الحق في إعطاء دورات، ولكن ونتيجة ممارساتها وأثرها السلبي في العملية التربوية، تمَّ اتخاذ هذا القرار لمصلحة النظام التربوي».
وبيّن أنَّ: «البدائل لقرار مجلس الوزراء، ستكون متوافرة لكلِّ الناس، والوزارة ستتكفَّل بالبديل، حيث تمَّت الموافقة على دراسة مشروع يسمح بموجبه لمديريات التربية بإقامة دورات نوعية في مدارسها، وستكون هذه الدورات لكلِّ الطلبة، بمن فيهم الأحرار».. وأشار إلى أنَّ: «الطالب بحاجة إلى تحسين أدائه، والوزارة تتحدَّث في الدورات النوعية التي ستوفِّرها، عن رسم رمزي تتمُّ دراسته، وسيتمُّ في المستقبل إيجاد نظام داخلي لهذه الدورات».
وتابع سعد: «هناك قرارات تُتَّخذ لتصويب الأمور عندما يحين موعدها، وفي هذا القرار لا نستطيع أن نستثني أيَّ معهد، سواء كان جيداً أم لا، فنتائج الدراسات- وهي موجودة لدينا- أوضحت أنَّ المعاهد أساءت»، مؤكِّداً على كلِّ شخص يعترض على القرار أو على بلاغ مجلس الوزراء، أن يقارن نسب نجاح الأحرار بنسب نجاح الطلبة الرسميين، لافتاً إلى أنَّ «وزارة التربية مسؤولة عن نظام تربوي، ومن واجبها حماية هذا النظام التربوي، وحماية طلبته».وحول الأسباب التي دعت الوزارة إلى عرض مذكرة القرار على مجلس الوزراء، قال سعد: «التباين في نتائج الطلبة الأحرار والطلبة الدارسين في المدارس الرسمية».
وكانت نسبة نجاح الأحرار للعام 2008 حوالي 44.82 %، في حين بلغت نسبة نجاح طلاب المدارس الرسمية للعام نفسه 71.95 %، وبلغت نسبة نجاح الأحرار للعام 2009 نحو 31.63 %، وبلغت نسبة نجاح طلاب المدارس الرسمية للعام نفسه 66.41 %.وأضاف سعد: «مع القرار الجديد، لم يتغيَّر شيء؛ فاللغات ومراكز اللغات والمعلوماتية، عليها إقبال، لاسيما مع الامتحانات الأخيرة المطلوبة للغات والمعلوماتية من رئاسة الوزراء»، مشيراً إلى أنَّ «على أصحاب المعاهد الخاصة أن يتركوا المدارس إلى أصحاب المدارس».
تدمير ممنهج..
قال رئيس مجلس الوزراء خلال لقائه الفعاليات الرسمية والشعبية في طرطوس السبت الماضي، إنَّ هذه المخابر أصبحت تشكِّل خطراً على العملية التربوية، لأنها انحرفت عن الغاية التي افتتحت من أجلها، وهي تدريس اللغات الأجنبية والحاسوب، وأصبحت تقوم بتدريس مواد أخرى إلى جانب هاتين المادتين، كالرياضيات والفيزياء والكيمياء؛ الأمر الذي أدَّى إلى تسرُّب الكثير من الطلاب من المدارس الرسمية إلى هذه المخابر.. فضلاً عن تقاعس بعض المدرسين في المدارس الرسمية عن أداء واجبهم المهني وحرمان الطلاب من المعلومات، بهدف استقطابهم إلى المخابر التي يدرِّسون فيها.
في المحافظات.. احتجاجات شديدة
- في طرطوس: تعدَّدت المشاكل.. والمعاهد نتيجة..
الأهالي هم الفريق الرابح، وأصحاب المعاهد هم الخاسرون؛ فإلزام الطلاب بالعودة والالتزام بالمدارس نعمة فقدها أهالي طرطوس منذ مدة طويلة، ولكن في المقابل يؤكِّد أصحاب المعاهد، أنهم أخذوا القروض من أجل فتحها، وهي موئل رزق لهم، والإغلاق يعني خراب بيوتهم..
بينما المدرسون، أكَّدوا أنَّ المعاهد أصبحت باب رزق آخر لهم، ويحصلون على ضعف رواتبهم التي لا تكفي قوتهم، واللجوء إلى الحصص الخصوصية أصبح أمراً مفرغاً، وبالتالي المعاهد عبارة عن مكان فقط، والدروس الخصوصية موجودة من قبل أن تفتح المعاهد بكثير..
ولكن، هل مربط الفرس في المناهج؟ سؤال طرحه الأهالي قبل أصحاب المعاهد، والذين طالبوا وزارة التربية بمنهاج مقبول بالنسبة إلى الطلاب، قبل أن يطالبوا بإلغاء اللجوء إلى التعليم الخاص؛ حيث أكَّد بعض الأهالي أنهم مع المعاهد، لأنها منظّمة لتدريس الطلاب الذين يعيشون في الشهادات حالة من الفزع طوال العام، بسبب المنهاج من جهة، والعلامات التي ترتفع معدلاتها من جهة أخرى، والتي فرضت على الطالب أن يكون عبقرياً قبل أن يقبل بالجامعات الحكومية..
في المقابل، أكَّد عدد كبير من أصحاب المعاهد، أنَّ السبب الرئيسي هو من أجل المدارس الخاصة، ولكي لا تؤثِّر المعاهد في عملها، وهي دعم لها؛ حيث يلجأ الطالب إليها، وهي التي تتقاضى مبالغ خيالية، بينما المعاهد أسعارها مقبولة، وتقدِّم خدمة التعليم للطلاب..
فهل إغلاق المعاهد هو الحل.. أم يتطلَّب الأمر إجراءات أخرى تعيد بناء الثقة بالمدارس والمدرَّسين؟، والسؤال الأهم هو: لماذا وصلنا إلى هذه الحالة التي فرضت علينا وعلى أهلنا البحث عن مدرَّسين خصوصيين؟ وهل المشكلة في الطلاب أم المدرِّسين.. أم المدرسة؟..
-في اللاذقية: الأهالي في محنة
الخوف من ارتفاع أسعار الدروس الخصوصية، أصبح الهاجس الأكبر بالنسبة إلى أهالي الطلبة، لأنَّ المعاهد الخاصة تؤمِّن لأبنائهم التعليم الجيّد مقابل أجر مادي يعدُّ رمزياً إذا ما قورن بسعر الساعة الواحدة للدرس الخصوصي الذي وصل حده الأعلى في اللاذقية إلى 800 ل.س للساعة الواحدة بالنسبة إلى المرحلة الثانوية، و500 ل.س بالنسبة إلى المرحلة الإعدادية.. أما في المعاهد الخاصة، فتبلغ التكلفة الوسطية للمادة الدراسية الواحدة بحدود 1000 ل.س في الشهر، وفي العام الدراسي بأكمله تبلغ تكلفة كافة المواد بحدود 25- 30 ألف ل.س لا أكثر؛ أي أنَّ سعر الساعة الواحدة لأيِّ مادة دراسية في المعهد الخاص لا تتجاوز تكلفتها حاجز الـ75- 85 ل.س فقط لا غير.. أما الدروس الخصوصية، فأجورها مرتفعة جداً، وهناك بعض الأهالي الميسورين دفعوا أكثر من نصف مليون ليرة سورية أجور دروس خصوصية لأبنائهم في الشهادة الثانوية!، وهذه الأرقام تعدُّ فلكية، بل وفلكية جداً، وهنا يكمن خوف أهالي الطلبة من تضاعف أسعار الدروس الخصوصية نتيجة قرار إلغاء تراخيص المعاهد الخاصة؛ لاسيما وأنَّ الكمَّ الأكبر من أهالي الطلبة غير قادرين على دفع الكثير من الأموال لمصلحة الدروس الخصوصية في ظلِّ تقهقر مستوى التدريس في المدارس الحكومية.
الأستاذ ياسين الشغري، مدير وصاحب معهد «الأفق» قال، إنَّ الطلبة يُعدُّون الخاسر الأكبر في قرار إلغاء تراخيص المعاهد الخاصة؛ لأنَّ هناك عدداً كبيراً منهم راسبون في صفوفهم ولا يرغبون في إضاعة عام من عمرهم، لذلك يدرسون في هذه المعاهد بصفة حرة، وهناك البعض ممن يدرسون من أجل التقدُّم إلى الامتحانات العامة بصفة «ناجح ويعيد»، وهم بحاجة إلى تقوية معلوماتهم وتدارك تقصيرهم في بعض المواد، غير اللغات، إضافة إلى وجود عدد لا يُستهان به من الطلبة الذين فاتتهم فرصة متابعة الدراسة بشكل نظامي، وعادوا إلى الدراسة في هذه المعاهد التي تساعدهم في التحصيل العلمي، خاصة أنَّ تكاليف الدروس الخصوصية تفوق القدرة المالية للكثيرين منهم.
وأشار إلى أنَّ المعاهد الخاصة تمارس عملها وفق تراخيص نظامية من وزارة التربية، وهناك الكثير من أصحاب المعاهد اطمأنوا لتراخيص الوزارة وأنهوا أعمالهم الوظيفية للتفرُّغ إلى المعهد بشكل كامل، ولكنهم فوجئوا بقرار معاكس نسف مخططاتهم الحياتية بأكملها.. وأضاف الأستاذ شغري: «إذا كانت الوزارة تجد أنَّ الفوضى تسيطر على عمل تلك المعاهد، فلماذا لاتقوم بتنظيمها وتفرض شروطاً ورقابة مشدَّدة عليها، وعقوبات صارمة ورادعة للمخالف منها، بدلاً من إلغائها ومن ثمّ قطع أرزاق الناس»..
-في حلب.. أصحاب المعاهد والأهالي ضد القرار
في حلب، رصدت «بلدنا» آراء الشارع الحلبي التي قاربت أن تكون نداءات استغاثة؛ فأصحاب المعاهد المرخصة أصولاً والبالغ عددها في حلب 66 معهداً نظامياً، يجدون أنَّ مضمون القرار يضرُّ بالعملية التعليمية، وهذا الأمر أكَّده صاحب أحد المخابر المرخصة أصولاً؛ بأنَّ «القرار فيه مخالفة واضحة وصريحة للمرسوم رقم 55 للعام 2004، الناظم للمؤسسات التعليمية الخاصة، والذي نصَّ على تعريف المخبر اللغوي بأنه المؤسسة التعليمية الخاصة التي تقيم دورات لتعليم اللغات الأجنبية غير المحلية أو المواد التعليمية للشهادتين، لنفاجأ بالقرار الذي يحصر عمل هذه المخابر؛ ما يؤثِّر بشكل سلبي في ثبات القوانين واستقرارها، ويتجاهل الخسائر الفادحة التي يمكن أن تقع».. ويضيف: «من الناحية القانونية، فمن المعروف أنه في حال صدور أي تعديل لقرار وزاري أو مرسوم تشريعي، فإنَّ هذا التعديل لا يصدر بأثر رجعي، وبالتالي لا يؤثر في الأوضاع القانونية التي كانت سارية في ظل المرسوم التشريعي السابق، وبالتالي جميع المخابر اللغوية التي قامت بالترخيص على أساس المرسوم التشريعي 55 للعام 2004 والمعدل بالمرسوم 35 للعام 2008، أصبحت قرارات ترخيصها حقاً مكتسباً لأصحابها، تضمنه جميع أحكام القوانين وأحكام الدستور، وبالتالي فإنَّ وزارة التربية بتعديلها التعليمات التنفيذية للمرسوم وقعت في عدة أخطاء قانونية جسيمة؛ الأمر الذي سيؤدِّي في حال عدم الرجوع عن هذا القرار إلى فوضى قانونية وانعدام الثقة لدى المواطن الذي يقوم بترخيص أي منشأة كانت؛ سواء تربوية أم غير تربوية، نتيجة الخوف من صدور قرار يلغي ترخيص منشأته، بعد أن دفع المصاريف والتكاليف الباهظة. أما بالنسبة إلى طلاب المعاهد، فالمشكلة تتفاقم، فمنهم من يحمل صفة «ناجح ويعيد»، ومنهم من لم يستطع الحصول على شهادة التاسع في وقتها، وطلاب آخرون استنفدوا سنوات الرسوب في المدارس الرسمية، وهنالك كذلك النساء المتزوجات وربات المنازل والأمهات اللواتي يعملن على تطوير أنفسهنَّ، فهؤلاء جميعاً لا يستطيعون التسجيل في المدارس العامة ولا الخاصة، تطبيقاً لأحكام ونصوص التعليمات التنفيذية للمرسوم 55، وإنما يلجؤون إلى المخابر اللغوية لمساعدتهم في دراستهم، بالإضافة إلى ترك الطلبة الذين لا يحقُّ لهم الدراسة في المدارس الخاصة والعامة من كبار السن والأمهات والطلاب الذين استنفدوا سنوات الرسوب»..
الطلاب، وأهاليهم كذلك، أبدوا استياءهم من القرار، فالمخابر كانت تتيح تسجيل أبناء الطبقة الفقيرة من ذوي الدخل المحدود والذين لا يستطيعون تسجيل أولادهم في المدارس الخاصة ودفع الأقساط المرتفعة التي وافقت عليها وزارة التربية، بالإضافة إلى أنَّ المعاهد تتيح تسجيل الطلاب بمادة أو مادتين؛ الأمر الذي لا نجده في الدورات التي تقيمها المدارس الخاصة، بالإضافة إلى قيام المخابر اللغوية بتقسيط الدفعات؛ الأمر الذي نفتقده كذلك في أيِّ مكان آخر، وخاصة بوجود الفرق الشاسع بين الأقساط فالمدارس الخاصة تأخذ عشرات أضعاف ما يأخذه المخبر اللغوي، وهو ما اجتمع عليه رأي أولياء الطلبة، مؤكَّدين أنَّ وجود أساتذة وكادر تعليمي ملتزم في المدارس كان من الممكن أن يكون هو الحل لمشكلة التعليم، وليس إيقاف عمل المخابر.
يذكر أنَّ عدد المعاهد الخاصة في سورية 918 معهداً تشمل مَن حصل على رخص، ومَن تمَّ الترخيص له حديثاً، إضافة إلى أنَّ هناك طلبات أكثر من هذا العدد كانت قد تقدَّمت بطلبات ترخيص.
آنا البني
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد