التقرير الاستراتيجي الإسرائيلي: تحديات جديدة تتطلب إطلاق مبادرات

أصدر مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أمس، باللغتين العبرية والإنكليزية تقريره السنوي الاستراتيجي لحالة إسرائيل في العام 2009. ويقع التقرير في حوالى 184 صفحة، وينقسم إلى عدة أبواب داخلية وإقليمية ودولية.
ويعالج التقرير عبر فصول ومقالات شارك في كتابتها عدد كبير من الباحثين والدارسين قضايا الحلبة الداخلية الإسرائيلية ومواضيع الرأي العام وجاهزية الجبهة الداخلية للحرب بين الاحتياجات والتحديات. كما أن هناك فصلاً عن مكانة إسرائيل في نظر العالم العربي، ومقالات حول المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وفرص تغيير الوضع الاستراتيجي في المنطقة عبر التفاوض مع سوريا.
وكذلك تبحث المقالات في العلاقات الإسرائيلية مع دول الغلاف العربي، مثل تركيا وإيران، والمخاطر الدولية الجديدة والعلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة. وثمة مقالات تركز على ميول تعاظم القوة في الشرق الأوسط والتدخل الدولي وكذلك نشاط الأصولية الإسلامية وقوى الجهاد العالمي.
ولا يقفز التقرير أيضاً عن الأزمة الاقتصادية العالمية وأثرها على الأوضاع في المنطقة، وينتهي باستخلاصات حول المخاطر والفرص وتقديرات بأنه لا حلول شاملة وإنما حلول مرحلية.
وفي بيان موجّه للإعلام أشار المركز إلى أنه بعد الحربين اللتين دارتا مؤخراً في لبنان وغزة حققت إسرائيل استقراراً يستند إلى الردع الموثوق في الجبهتين، رغم استمرار وجود جهات تسهم في تهشيم الردع ويمكن أن تقود لعدم استقرار بسيناريوهات مختلفة في المستقبل.
واعتبر المركز أن لتغيير الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية تأثيراً جوهرياً على سبل المواجهة مع القضيتين المركزيتين، المشروع النووي الإيراني والصراع العربي الإسرائيلي. ورأى أن الالتزام المشروط والمتحفظ من جانب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بحل «دولتين لشعبين»، كما التفاهمات الجزئية بين إسرائيل والولايات المتحدة في الموضوع الإيراني لن تحرف الدولتين عن مسار التصادم، إلا إذا أفلحت إسرائيل في ضخ محتوى في التصريحات بشأن تسوية علاقاتها مع العالم العربي.
ويرى المركز أنه في هذا الإطار ستضطر إسرائيل أولاً وقبل أي شيء لبلورة استراتيجية في مساري التفاوض الفلسطيني والسوري وتطوير النقاش في الموضوع الإيراني مع الولايات المتحدة. واعتبر أن هناك أهمية مركزية لبلورة سياسة إسرائيلية تسمح بتنسيق الفعل مع الولايات المتحدة، وفي إطارها تستنفد الفرصة لنجاح الحوار الأميركي الإيراني المقرر، وتحديد معايير وإطار زمني لتقدير فشل أو نجاح الحوار وبلورة سبل عمل بديلة للحوار، إذا ما فشل. ورأى أنّ تقليص بؤر الاحتكاك مع الولايات المتحدة يسهل التوصل إلى هذه التفاهمات الاستراتيجية.
وشدّد المركز على أن الجمود في الحلبة الإسرائيلية - الفلسطينية ينطوي على احتمالات مواجهة بين إسرائيل والولايات المتحدة، فضلاً عن إمكانية المساس المباشر بالمصالح الإسرائيلية. وقال إن إسرائيل بحاجة إلى تطوير مبادرات خاصة بها، تحول دون نشوء وضع تبدو فيه كمن يرد على المبادرات الخارجية.
وفي نظر المركز لا يشكل «السلام الاقتصادي» وحده حلاً كافياً لمواجهة هذا الجمود السياسي. وفي ضوء المصاعب بالتوصل إلى اتفاق نهائي وتنفيذه بسبب الوضع السياسي المعقد في الجانب الفلسطيني، وكذلك في الجانب الإسرائيلي، سيكون على إسرائيل أن تفحص أفكاراً للتسوية المرحلية وللحلول الجزئية، التي تمنع الجمود. ومع ذلك فإن التسويات المرحلية التي تكون مقبولة لدى الطرفين، تحتاج هي الأخرى في نهاية المطاف إلى الاندماج في نظرة شاملة ترسم الطريق إلى الحل النهائي. ويمكن لخريطة الطريق أن تشكل وسيلة ناجعة للتقدم في هذا الاتجاه.
ويرى التقرير أنه حتى إذا بدا أن أميركا وإسرائيل عقدتا العزم على تفضيل التقدم في المسار الإسرائيلي الفلسطيني، ورغم أنه ليس هناك احتمال اندلاع مواجهات فورية على الجبهة السورية إلا أن الإدارة الأميركية تتطلع لاستئناف الحوار الإسرائيلي السوري. وهذه الحقيقة، فضلاً عن احتمال التغيير الاستراتيجي في ميزان القوى بين محور «دول الاعتدال» ومحور «الدول الراديكالية» بزعامة إيران، يكفي إسرائيل لفحص نشاطات في هذا المسار بموازاة بلورة مبادرة في المسار الفلسطيني.
ويخلص التقرير إلى أن الانسحاب الأميركي التدريجي من العراق والآثار المحتملة للصدامات في أفغانستان وباكستان والزعزعة المحتملة للأنظمة العربية المعتدلة وأزمة الخلافة في الدول العربية يمكن أن تلزم إسرائيل بمواجهة تحديات وبؤر عدم استقرار جديدة. وكل هذه تشدد على الحاجة لاحتواء التحديات المباشرة التي تواجه إسرائيل بشكل واع، والعمل على تقليص التوتر بينها وبين الولايات المتحدة.

حلمي موسى

المصدر: السفير