مصادرة كتب واتحاد الناشرين ضد الناشرين
يشكو الناشرون السوريون في معرض الكتاب الأخير في دمشق من تدخّل أياد خفية سحبت بعض عناوين الكتب بعد أيام على افتتاح المعرض. هذا بعدما كان للمعرض قائمته الضخمة من العناوين الممنوعة سلفاً، تحت حجج وذرائع مختلفة. فقد أضيفت قائمة ممنوعات جديدة فوق ممنوعات السنوات الماضية، فمثلاً سحبت رواية محمد الحاج صالح »شهادة أتان« الصادرة عن دار الآداب بعد بدء المعرض، وقيل إن شخصية واقعية وجدت في الرواية ما يمسّها هي من كان على رأس المنع. أما دار الريس فقد أضيف إلى قائمة ممنوعاتها رواية فواز حداد »المترجم الخائن«، مع استمرار منع الممنوع من كتبها كرواية »برهان العسل« لسلوى النعيمي، و»مشهد عابر« لفواز حداد. بالإضافة إلى ممنوعات دار الجمل التي تشارك في معرض دمشق لأول مرة، وقد منع لها »تاريخ القرآن« لتيودور نولدكه، و»الشخصية المحمدية« كتاب الرصافي المعروف، و»مليون سؤال في الجنس« و»عجز الرجال« للدكتورة فوزية الدريعي، و»الجنس عند العرب«، و»ديوان أبو حكيمة«، و»الثورة الوهابية« و»لئلا يعود هارون الرشيد« لعبد الله القصيمي. ولدار العبيكان السعودي منعت كتب كـ»تفسير الميسر« و»حدائق ذات بهجة« لعائض القرني، و»الفرصة« وهو كتاب سياسي لريتشارد هاسا، و»الاختيار بين الإسلام والنصرانية« لأحمد ديدات.
لكن ممنوعات اليوم شيء آخر، خارج عن مألوف الرقابة، وقد شاع أن لجنة غامضة نسبت إلى وزارة الأوقاف، اقتحمت رفوف أجنحة دار »خطوات«، ودار »الحوار«، ودار »علاء الدين«، وغيرها، وصادرت عناوين مثل »موسوعة الحياة الجنسية للرجل والمرأة« و»المرأة في رحلة العمر« لغسان الزهيري. كما صادرت كتباً أخرى تحمل عناوين جنسية، يقول ناشروها إنها عرضت في معارض السنوات الماضية من دون أن يتعرض لها أحد، كما أنها كتب علمية، لا جنسية رخيصة.
جمال ميرخان، مدير المعرض، لم ينف الحادثة، وقال: »تم سحب بعض العناوين التي أدخلتها بعض دور النشر بشكل مخالف وغير خاضع للرقابة، أعدنا منها ما لم نجده مخالفاً ولا يمس الذوق العام. ومنعنا ما يخدش الحياء العام«. ولدى سؤاله عن قائمة الممنوعات الكبيرة بالقياس الى ما يقدم من قبل دور النشر، مثل دار »الشروق« المصرية التي قدمت حوالى ثلاثة آلاف عنوان لم يسمح منها إلا بحوالى أربعمئة، قال ميرخان: »هدفنا من المعرض العناوين الجديدة، ومن شروط المعرض أن تكون خمسون بالمئة من إصدارات الدار جديدة«. وعن آليات المنع قال: »هناك لجان مختصة من وزارة الإعلام، والقيادة القطرية.. ومن بين ما تقوم به النظر في كتب السياسة التي تمس أمن البلد«. ونفى مدير المعرض أن تكون هناك أي علاقة لوزارة الأوقاف بأمر المنع والرقابة.
- رئيس اتحاد الناشرين في سوريا محمد عدنان سالم فسّر الحكاية بالقول: »هناك شكوى من زوار المعرض الذين وجدوا بعض العناوين التي لا تعجبهم، فمرّت لجنة من إدارة المعرض وجمعت بعض الكتب التي تتحدث عن الجنس وما إلى هنالك. تمّت مراجعتها، فما كان مراقباً من قبل أعيد إلى مكانه، ولكن وُجد أن بعض العناوين (حوالى ١٥ إلى ٢٠ عنواناً) لم يقدم أساساً إلى إدارة المعرض«. وعن موقفه من الرقابة قال سالم: »نحن مع حرية التعبير والنشر، وندعو دائماً إلى التخفيف من الرقابة. أعتقد أن الكتاب كان بألف خير قبل أن يكون لدينا وزارات إعلام وثقافة، كانت الرقابة رقابة مجتمع لا سلطة. رقابة السلطة سحبت الرقابة من يد المجتمع واستأثرت بها. الرقابة المجتمعية تتم في العلن (في الصحف، الندوات، المؤتمرات)، ولكن حينما أصبحت الرقابة سياسية وتجري في الأقبية وفي الكواليس فقد أثّر ذلك في المجتمع وأدى إلى ثقافة اللون الواحد. نحن، كاتحاد الناشرين، ضد ثقافة اللون الواحد، ولكننا نراعي متطلبات السلطة في أن لا ينشر ما يمس النظام السياسي والوحدة الوطنية والجوانب الأخلاقية، وكاتحاد ناشرين نطالب بأن تكون الرقابة خاضعة لمعايير واضحة ولا تتم عشوائيا ومزاجيا«. وحين نسأل عدنان سالم عن خطوات عملية للاتحاد في مواجهة الرقابة يقول: »الخطوات موجودة وقد أثرت، والرقابة الآن أخفّ مما كانت عليه منذ سنوات بفعل جهود اتحاد الناشرين«.
لكن اللافت أن كتاباً موجهاً من »اتحاد الناشرين العرب، لجنة المعارض الدولية« إلى علي العائدي، مدير مكتبة الأسد هو ما كان سبب تحرك إدارة المعرض للمنع، تضمّن النص الآتي: »خلال تجوّلنا في أروقة المعرض لفت نظرنا عرض بعض دور النشر للعديد من الكتب التي تتناول مواضيع تمس الذوق العام والأخلاق، وحرصاً منا على أن يبقى معرض مكتبة الأسد نموذجاً يحتذى في حرصه على عرض كل ما يفيد ولا يمس بالعادات والتقاليد والأخلاق، وأن يبقى معرضاً يزوره كل أفراد الأسرة دون أن يجرح مشاعرهم ويمسّهم بمشاهدة عناوين وكتب لا تليق بالصغير ولا بالكبير، لذا نتمنى على إدارتكم الكريمة العمل على منع عرض مثل هذه الكتب وسحبها من أرفف المكتبات«.
- إذاً فإن سبب المنع ليس وزارة الأوقاف كما أشيع، ولا جهة حكومية، كما نتوقع عادة، الأخطر من كل ذلك أن يحرك المنع اتحاد الناشرين، ينبغي أن يكون دوره الدفاع عن الناشرين والحدّ من دور الرقابة، وبالضبط كما قال عدنان سالم، الاستناد إلى رقابة المجتمع عبر تفعيل مؤسساته، لا رقابة السلطة. بعد الاطلاع على مضمون الكِتاب جرى الاتصال مجدداً بسالم الذي نفى بدوره اطلاعه على الكتاب، ولكنه أقرّ بأنه قد »قيل لي إن هذا من ذاك«، وهو يقصد أن هذا المنع بسبب كتاب اتحاد الناشرين ذاك. حين ألححنا بالسؤال عن موقفه من الكِتاب، وإن كان هذا الدور يليق باتحاد الناشرين قال: »إذا كان هناك كتاب لا يحترم قيم الأمة، فمن حق الرقابة أن تصادره«. وظل سالم ينفي علمه بالكِتاب، وحين قرأنا عليه نصه قال: »هذا النص يتفق مع نظام المعرض، ومع الأنظمة الداخلية لاتحادات الناشرين، ومن بينها اتحاد الناشرين السوريين«. وراح رئيس الاتحاد يبرّر: »نحن مع الثقافة الجنسية كشيء علمي، ولكن اعتراضنا على كتب الإثارة الجنسية التي تستغل مشاعر الشباب والمراهقين«.
من الواضح أن القضية أكبر من منع كتاب مسفّ لا يليق، وأخطر من أن تكون وزارة أوقاف وراء المنع، إنها في تحوّل اتحاد للناشرين إلى أشبه بمندوبٍ مراقب لوزارة الأوقاف، أو أي جهة أخرى، في الوقت الذي يسوّق نفسه بكلام ولا أجمل عن حرية النشر والكتاب ورقابة المجتمع لا رقابة السلطة.
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد