الجمعية المعلوماتية تطلق مشاريع جديدة لسد الفجوة الرقمية
لوحظ في الفترة الأخيرة ميل «الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية» الانتقال إلى خطوة متقدمة في نشاطاتها بعد تراجع الدور الذي أنشئت من اجله قبل 13 عاماً إلى مرتبة ثانوية، ويتمثل في نشر ثقافة المعلوماتية في أوسع شرائح المجتمع. وزاد في الميل عينه، النجاح الذي حققه «البرنامج الوطني لنشر المعلوماتية» الذي انطلق قبل سنوات؛ إضافة إلى تكاثر مراكز التدريب على الكومبيوتر والانترنت في أنحاء البلاد، ما لا يصح معه ان يشكل نشر المعرفة بالكومبيوتر واستعماله هدفاً رئيسياً، اضافة الى تزايد الانتقادات الموجهة الى الجمعية.
والدعوات الى ضرورة أن تتصدى لأهداف أكثر تقدماً، كأن تؤدي دوراً ايجابياً في تجسير «الفجوة الرقمية»Digital Divide التي تعيشها سورية. والمعنى المقصود هو الاشارة إلى تأخر البلاد عن اللحاق بركب تطور المعلوماتية وتقنياتها ومعطياتها، سواء بالمقارنة مع المستويات العالمية أم حتى الاقليمية.
ودَلّت جملة من المعطيات التي تراكمت أخيراً، إلى أن سورية متأخرة في شكل ملحوظ عن الدول المحيطة بها في مجموعة من مؤشرات التقدم المعلوماتي مثل عدد المشتركين بشبكة الإنترنت، والانتقال الى مرحلة الإنترنت السريعة التي تُنقل بالحزمة العريضة «برودباند» Broad Band Internet. ومن المعلوم أن تقريراً للأمم المتحدة (في عام 2005) وضعها في المرتبة 104 عالمياً، استناداً إلى مجموعة من المؤشرات المتصلة بتقنية المعلومات والاتصالات. وكذلك حلّت في المرتبة الأخيرة في مجال السياسات المتعلقة بتنظيم هذا القطاع.
في المقلب الآخر من هذا المشهد المُعقّد، رفض رئيس «الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية» الدكتور راكان رزوق الذي تسلم مهماته حديثاً، تحميل الجمعية مسؤولية التراجع المعلوماتي في البلاد، ولا إلقاء عبء تجاوز «الفجوة الرقمية» على كتفيها وحدها. واعتبر ان «قطاع المعلوماتية هو تشاركي، وليس حكراً على الدولة أو الجمعية أو على وزارة». والمعلوم أنه خلف، رئيساً للجمعية، الدكتور عماد صابوني الذي تسلّم مهمة وزير الاتصالات أخيراً. ولفت إلى أن الجمعية بدأت تتصدى لمهمات جديدة مثل ردم الفجوة الرقمية، ملاحظاً وجود مجموعة من الأفكار في هذا الصدّد.
وتتقاطع تلك الأفكار عند ضرورة تأهيل الشركات السورية بصورة تتناسب مع المعايير العالمية.
وأوضح رزوق أن سورية تطلق راهناً مشاريع في المعلوماتية تتطلب تقنيات وإمكانات أكثر تطوراً، ويقول: «فرض علينا هذا الأمر ضرورة التصدي لمهمات جديدة ترتكز الى التخصّص والمبادرات التي تتعلق بالتعاون مع القطاع الحكومي ومع قطاع الأعمال في مستوى الشركات المعلوماتية في سورية... وينطبق الوصف عينه على مساعدة القطاعات المختلفة في تنفيذ مشاريع ذات تقنية عالية. واتجهنا أيضاً إلى الاهتمام بالجامعات لفتح آفاق جديدة لدى الطلاب لا تستطيع المؤسسات الحكومية تأمينها».
وأكّد أن الجمعية تعمل مع وزارة الاتصالات على «كسر الحلقة المفرغة الموجودة لدينا» بالنسبة الى الشركات التي تعمل في برمجيات الكومبيوتر. وأشار ايضاً إلى أن الطلب على البرمجيات في سورية يعتبر خفيضاً، سواء مقارنة بالدول الأخرى أو بحجم المشاريع التي تتطلب تطويراً بالاعتماد على البرمجيات الالكترونية... وقال: «إن الفكرة السائدة لدى الغالبية هي أن شركاتنا لا تستطيع تنفيذ حتى هذا الكمّ القليل من المشاريع بسبب عدم تمكنها من تحقيق المعايير العالمية في ما يتعلق بالجودة والزمن وبالكلفة وغيرها».
وتابع رزوق: «انعكس هذا الواقع على عمل الشركات السورية وخصوصاً في مجال البرمجيات الالكترونية، حتى صارت لا تستطيع أن تستثمر أموالاً كبيرة في تدريب الكادرات البشرية وتأهيلها طالما أن حاجة السوق قليلة. ونجم عن ذلك نوع من الحلقة المفرغة التي صار لا بد من كسرها».
وأشار إلى أن الجمعية اطّلعت على تجارب لدول أخرى في هذا المجال، وخلصت للركون الى خلاصات التجربة المصرية التي تعتمد نموذجاً دولياً معيّناً في تنمية شركاتها في المعلوماتية. يحمل ذلك النموذج اسم «كابابيلتي ماتشورتي موديل انتجريشن» Capability Maturity Model Integration ، واختصاراً «سي أم أم أي» CMMI. ويرتكز على عمل متدرج وتراكمي هدفه الارتقاء بالقدرات الموجودة فعلياً وتكاملها حتى ترتفع الى مستوى النضوج والمنافسة على المستوى العالمي.
وفي التفاصيل، بيّن رزوق أن هذا النموذج يُخضع الشركات إلى عملية تأهيل، تبدأ بالتدريب، ثم اختبار القدرات لقياس مدى الاستفادة من التدريب. وفي مرحلة تالية، تُعطى الشركات المستوى الذي تستحقه والذي يضمن أن تعمل قدراتها عند مستواها الأقصى وفي صورة متكاملة. وأكّد أن «هذه العملية مكلفة وتتطلب خبرات غير متوافرة في سورية. وتتطلب أيضاً تعاوناً مع مجموعة من المنظمات الدولية».
وكذلك أكّد أن الجمعية تولي أهمية كبيرة أيضاً للتعاون مع مؤسسات المجتمع الأهلي. ووقّعت عدداً من الاتفاقات مع الجامعات المحلية لإنشاء «حاضنات للتكنولوجيا».
وأشار الى نجاح الحاضنة التكنولوجية في جامعة دمشق، التي تدعم خريجي الجامعات ممن يحملون أفكاراً لمشاريع أو منتجات يمكن أن تساهم في دعم المسيرة المعلوماتية «فقدّمت لهم الدعم الفني والاستشارات الحقوقية والفنية وكل ما يحتاجونه لإطلاق مشاريعهم. كما لفت إلى أن الاهتمام بالحاضنات التكنولوجية تزايد بعد نجاح المشاريع التي خرجت من حاضنة دمشق، في الأسواق الداخلية والخارجية خصوصاً في مجال «الميلتي ميديا» والتصاميم والغرافيك وتطبيقاته وتصميم الشبكات الرقمية وغيرها.
وتسعى الجمعية إلى تعزيز وجودها في المؤتمرات العالمية من خلال التعاون مع جهات متخصصة مثل «شبكة العلماء السوريين في الخارج» Network of Syrian Scientists Technologists and Innovators Abroad التي تُعرف باسمها المختصر (نوستيا) NOSTIA.
وتحدث رزوق عن عدم رضا المواطن السوري عن خدمة الانترنت، مشيراً إلى أن مزود خدمة الانترنت في سورية هو المستفيد من البنية التحتية الحقيقية. وقال: «نحن نتفاوض مع «المؤسسة العامة للاتصالات» لتوسيع البنية التحتية بما يسمح بتقديم الخدمة للمشتركين في شكل مرض». ولفت أيضاً إلى وجود خطة لدى وزارة الاتصالات لتوسيع إمكانات الانترنت، ملاحظاً «أن الموضوع لا يتم بين ليلة وضحاها... وعلينا أن نكون واقعيين».
وعلى عكس الأصوات القلقة في البلاد من عدم إمكان تحقيق قفزة للاقتراب من المستوى الدولي، أبدى تفاؤله بجيل الشباب. وقال: «إن أهم خطوة لردم الفجوة الرقمية هي ردم الفجوة المعرفية في مجال تكنولوجيا المعلومات من خلال ازدياد عدد الخريجين الجامعيين المختصين في كلية الهندسة المعلوماتية بكفاءات وقدرات متميزة، تقدر على واقع المعلوماتية سورياً».
إلى ذلك، حددت الخطة الخمسية المشكلات التي يواجهها قطاع المعلوماتية مثل عدم وجود خبرة تراكمية في إدارة المشاريع المعلوماتية، ما أدى إلى إنفاق مبالغ كبيرة على تطبيقات لا تفي بالغرض المطلوب منها مع انخفاض جودة انتاجها. وبسبب قلة الكوادر المؤهلة وعدم اعتماد منهجيات وأنظمة معيارية في العمل، ضعفت تنافسية الشركات السورية ما حوّل السوق المحلية إلى مدى حيوي لدول كالأردن ومصر ولبنان.
وأشارت الخطة إلى أن الإنفاق الكبير على التجهيزات، من دون الاهتمام بالتطبيقات والبرمجيات وغياب القوانين الملكية الفكرية، أدى إلى الانخفاض في نمو سوق البرمجيات الالكترونية المعدّة وهي إحدى أهم دعائم نمو صناعة المعلومات.
ورأت الخطة أن من التحديات التي تواجه القطاع أيضاً عدم وجود تنسيق بين الجهات المتخصصة لاطلاق مبادرات تضع تكنولوجيا المعلومات موضع التطبيق، ما أدى إلى ضعف الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي. وتفاقم الوضع مع غياب التسهيلات الضريبية، وعدم وجود قطاع مصرفي فعال وبنى تحتية اتصالاتية وقرى تكنولوجية، وغياب الحوافز الكافية للقوى العاملة الماهرة في هذا القطاع، ما ساهم في ضعف الأداء عند معظم الكوادر المؤهلة.
وجاءت ثالثة الأثافي مع الحظر التكنولوجي المتنامي على سورية في قطاع المعلوماتية الذي تسبّب في إحجام عدد كبير من الشركات عن منح تراخيص لبيع البرمجيات الأساسية في سورية. وتفاقم الوضع سوءاً مع غياب استراتيجيات في البحث عن حلول بديلة كالبرمجيات الحرة والمفتوحة المصدر.
وترمي الخطة التي تنتهي في عام 2010 إلى رفع نسبة التغطية الخليوية إلى 100 في المئة في المناطق المأهولة، وكذلك رفع معدل النفاذ للشبكة الثابتة الشبكة الخليوية إلى حدود 22 في المئة، والى 12 في المئة بالنسبة الى الانترنت، وخلق نحو 2000 فرصة عمل في القطاع العام للاتصالات وزيادة الإنتاجية بنسبة لا تقل عن 60 في المئة. وكذلك تتضمن إنشاء مراكز نفاذ معلوماتية في المناطق النائية تسمح بتوفير الخدمات المعلوماتية الأساسية.
خصص رئيس الجمعية السورية للمعلوماتية راكان رزوق مساحة كبيرة للحديث عن مصير استراتيجية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمبادرات التي أطلقتها الجمعية والتي لم يظهر منها شيء للعلن! وأشار إلى أن رسم تلك الإستراتيجية من مسؤولية وزارة الاتصالات والتقانة، مع ملاحظة أن الجمعية ساهمت في وضعها. وقال: «نشأت عن تلك الاستراتيجية مجموعة من المبادرات وكل مبادرة انتجت مجموعة من المشاريع بدئ الإقلاع ببعضها والبعض الآخر لم يأخذ طريقه للتنفيذ». ومعلوم أن تلك الخطة أدرجت في الخطة الخمسية العاشرة، مشيراً الى «أن للجمعية دوراً داعماً في تنفيذ المبادرات التي نشأت عن الاستراتيجية... ولكن لا يمكن لها أن تحلّ محل الجهات التنفيذية».
واعترف بوجود بطء في تنفيذ بعض المبادرات التي أفرزتها الإستراتيجية. وقال: «نحن بحاجة إلى الاستثمار بخطوات أسرع من الشيء القائم». والمعلوم أن الخطة الخمسية التي تتضمن الخطة الاستراتيجية للمعلومات، تضم مجموعة من المبادرات منها زيادة انتشار الحواسيب الشخصية والانترنت لدى المواطن السوري، موضحاً انه «يمكن أن تساهم الجمعية المعلوماتية في بعض الأشياء، ولكن المساهمة الأساسية ستكون للوزارة وللشركات والمصارف».
ولاحظ رزوق أن التسارع العالمي في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات «يمضي بسرعة شديدة، ويحتاج إلى خطوات أسرع بكثير من الذي نقوم به حتى نستطيع أن نلحق به».
وعن أسباب البطء في اللحاق بالركب العالمي، أشار رزوق إلى أن سوق المعلوماتية في سورية صغير، وأن حجم الاستثمارات والمشاريع المعلوماتية التي تُطرح في هذه السوق صغير أيضاً، و «هذا ما دفع بعدد من الشركات لأن تغلق أبوابها أو تهاجر، كما ساهم أيضاً في هجرة الكفاءات والخبرات التي يلعب العامل المادي دوراً في هجرتها إلى الخارج».
وتحدث عن قلة الخبرات المؤهلة إذ لم تشرع الكفاءات الجامعية في التخرّج إلا قبل أربع أو خمس سنوات، موضحاً «إن حجم الكفاءات التي نخرجها لا يكفي لمتطلبات السوق... القطاع العام لم يستطع أن يستقطب هؤلاء الناس بسبب ضعف الرواتب التي يقدمها الأمر الذي دفع بالكفاءات إلى العمل في القطاع الخاص أو الهجرة بحثاً عن مدخول أفضل».
ولمح رزوق إلى وجود عوامل متعلقة بثقافة المجتمع تلعب دوراً في الواقع المعلوماتي في سورية تتعلق بالاهتمام بالأجهزة والشبكة التي لها أفضلية على العمل أو المنتج الفكري.
وقال إن «بعض المبرمجين لم يجدوا تشجيعاً كافياً لمنتجاتهم فاضطروا إلى العمل في مجالات أخرى».
ولاحظ أخيراً العجز عن انجاز القفزة المطلوبة للوصول إلى اقتصاد المعرفة أو مجتمع المعلومات «حيث تصبح المعلومة وتخزينها وتوزيعها وإنتاج البرمجيات، من أساسيات الاقتصاد الوطني».
سمر أزمشلي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد