أدباء عرب في الأرجنتين
توطئة
الرجل في مقالة اليوم لا ينتمي إلى الاغتراب العربي، في حين ان الكتاب مكرس لتخليد ذكرى المثقفين العرب الذين برزوا في صفوف المغتربين الأوائل.. الرجل هو الصحفي الارجنتيني «لاوتارو أورتيس» مؤلف كتاب:
«أدباء عرب في الأرجنتين» الذي جاء ثمرة جهد كبير بذله متقصياً آثار الكتّاب والشعراء والصحفيين والرحالة من رواد الاغتراب العربي جامعاً ما تيسر له من انتاجهم .
والكتاب الذي يغطي الحقبة الاغترابية بين عامي /1860/ و /1950/ يقول في مقدمته: «إننا نجد في صفوف أولئك الرواد من المغتربين العرب، شاعراً يتحدث عن موسيقى «التانغو» وكاتباً يترجم «مارتين فييرو» وآخر يتطرق لأوجه الشبه بين الغاوتشو (رعاة البقر) وبين البدو الرحل.
الإبداع العربي قدم مع الفاتحين
«لقد تم وصول الإبداع الخلاق للفنان العربي المتميز جنباً إلى جنب مع الفاتحين الإسبان» هذا ما يؤكده مؤلف الكتاب الذي يستنتج من ذلك أنه انطلاقاً من هذا الواقع يمكن استشفاف مسيرة تاريخية طويلة لشعراء ومفكرين وروائيين وناشرين وتراجمة ابتكروا أساليب خاصة وطرقاً متميزة في التصور والتفكير، كما صنعوا تاريخهم بالتناغم والتناسق مع تراثهم الثقافي الموروث.
إذ يشير إلى أن الهجرة العربية إلى الأرجنتين بدأت عام /1860/ ينوه الكاتب بأن استمرار الموجة الاغترابية اسفرت عن واقع مذهل، إذ يمثل المواطنون المتحدرون من أصول عربية اليوم، العشرة في المئة من سكان الجمهورية الفضية، علماً بأن كتاباً وشعراء سوريين ولبنانيين برزوا منذ أواسط القرن التاسع عشر مخلفين بواكير الإنتاج الأدبي العربي في ذلك البلد من أمريكا اللاتينية .
موضوع لم يعالج بما يستحق
يقول الكاتب والصحفي الأرجنتيني «أورتيس» :إن موضوع الهجرة العربية لم يعالج بما فيه الكفاية والأبحاث التي أجريت حوله، سواء تمثلت بالأعمال الصحفية أم جاءت نتيجة دراسات تاريخية، إنما تنتهج ترديد الرواية الرسمية التي لا تتطرق للعرب الأوائل الذين قدموا إلى العالم الجديد، متسللين في مراكب الفاتحين، إثر أفول نجم الحضارة العربية الأندلسية في إسبانيا المسلمة ولو أن صحافة توكومان وسنتياغودل استيرو ، وهو يهوى الأقاليم الزاخرة ببصمات الحضارة العربية كانت لها وقفاتها المتأنية حيال الموضوع.. لكن، إذا ما أمعنا النظر في هذه الوقفات لوجدناها- على وجه العموم- لا تتخطى حدود التكرار وترديد أسماء وإحصائيات تفتقر إلى الدقة.
ضرورة كتابة التاريخ الاغترابي:
يؤكد الكتاب ضرورة صياغة تاريخ اغترابي يعتمد الدراسة العلمية والتمحيص، منذ بداية الاغتراب عندما أخذ مواطنون لبنانيون وسوريون وفلسطينيون في سلوك دروب المهجر تحت وطأة الاضطهاد متعدد الجوانب الذي عانته أقطارهم على يد الامبراطورية العثمانية أولاً وعلى يد الانتداب البريطاني والفرنسي ثانياً، هذا لأن ما من أحد تعمق -لغاية الحين- في بحث تاريخي يتوخى إظهار النصوص التي سطرها مثقفون عرب ومن أصول عربية، أقاموا في الشطر الجنوبي من القارة الأمريكية.
ميزتان من سمات الأديب العربي
من خلال دراساته استنتج الكاتب «أورتيس» ان المثقف العربي يتصف بميزتين: سعة المعرفة وحب الترحال، وهو يعلل ذلك بالقول: «إنه بصرف النظر عن الأسباب الاجتماعية فمن طبع العربي ميله لهدم الحدود، وهنا تكفي الإشارة إلى اتساع رقعة الامبراطورية الإسلامية التي أسسها العرب شاملة أوروبا وآسيا وشمال إفريقيا».
ويستطرد المؤلف قائلاً: وهاتان الميزتان تشكلان أيضاً محوراً وركيزة للأدب العربي، وبشكل خاص أدب المهجر الذي تألق في أمريكا الجنوبية على أيدي مثقفين رواد كانوا شعلة من الوطنية .
أدباء ومثقفون بارزون
إذ اتى على ذكر البعض من المثقفين العرب المحليين في دنيا الاغتراب .. أشار المؤلف إلى أن الأمير أمين أرسلان هو -دون شك- أكثر من استأثر بإعجاب الوسط الأدبي في الأرجنتين، منوهاً بأنه كان صحفياً بارعاً وقاضياً مجيداً وقد أم الأمير العربي بلاد الفضة، مبعوثاً بصفة قنصل من قبل الدولة العثمانية إلا أنه انقلب على نظام الاستبداد الذي عاث في الوطن العربي جوراً وطغياناً وحيال موقفه الوطني والقومي، أصدرت حكومة استنبول بحقه حكماً بالاعدام مما حرمه من إمكانية العودة إلى الوطن.
هنا ننوه بمأثرة لهذا الأديب ، سليل أسرة عريقة نسباً وعلماً ومسيرةً نضاليةً، وهو أنه عند وصوله إلى الجمهورية الفضية في أوائل العقد الثاني من القرن العشرين، كانت كلمة «توركو» - أي تركي- تطلق على المغتربين العرب في ديار المهجر، وذلك لحملهم جوازات سفر تركية، بيد أن الأمير أمين تصدى لتلك الظاهرة مصححاً ومعرِّفاً بالهوية الحقيقية لأبناء جالياتنا، هكذا انحسر اللقب الزائف واستبدل بالهوية الأصلية «عربي».
ولقد أقام الأمير أمين أرسلان علاقات صداقة وود مع عدد من المشاهير في دنيا الأدب بالأرجنتين، مثل «هوليوآ روكا» و «هواكين ف. غونساليس»، كما نشر مقالات في جريدة «لاناسيون/ الوطن» وفي مجلة «سور/ الجنوب».
وخلال عام /1916/ أسس مجلة باسم «لانوتا» ومعناه «الملحوظة أو المذكّرة» وفي تحريرها اعتدَّ بمؤازرة نخبة من مشاهير الأدباء أمثال: ليوبولدو لوغونيس وآرتورو كانسيلا والشاعرة آلفو نسيناستورني ، التي نشرت على صفحات المجلة أول تحقيق صحفي لها، علماً بأن «لانوتا» استمرت في الصدور أسبوعياً بعد أسبوع لغاية عام /1921/.
دور هام لمجلة «لانوتا»
نوه مؤلف الكتاب بأهمية التبادل بين المثقفين العرب والأرجنتينيين مؤكداً بأنه في هذا الإطار، لعبت مجلة «لانوتا» دوراً نموذجياً من خلال ترجمة قصائد عربية وفارسية على يد الأديبين «ليوبولدو لوغونيس» و «هواكين ف. غونساليس» وفي المقابل فقد قامت نشرات عربية بتعريف بلدان الشرق الأوسط بالقصص الأولى التي ألفها هوليو كورتاسار وبكتابات الأديبين الأرجنتينيين سيكستو بوندال ريوس وهورهي لويس بورهيس، ترجمها أدباء عرب.
أما المجال الأرحب لهذا التبادل فيتجلى من خلال أعمال القاص الأمير أمين أرسلان الذي أوكل إخراج معظم أعماله إلى داري النشر «تور» و «سوبينا» .
أدباء آخرون
هنالك شخصيات أخرى برزت في دنيا الأدب المهجري، كما يؤكد الكتاب موضوع هذه المقالة، مثل : «جورج صوايا» الطبيب مؤسس «الحزب الوطني العربي» والذي أقام سنين طويلة في ولايتي «لاريوها» و «توكومان» وأيضاً عبد اللطيف الخشن صاحب جريدة «الراية العربية- la Bandera Arabe- التي عرّفت أبناء الأرجنتين وأمريكا اللاتينية على منجزات الكثيرين من القادة الثوريين العرب أمثال البطل المغربي عبد الكريم الخطابي والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
والمؤلف يتحدث بمرارة عن حالة مثقفين عرب مجيدين ظهروا في الوسط الأدبي المحلي بالأرجنتين إلا أنهم ظلوا في زوايا النسيان ومن جملتهم إبراهيم الحجار مؤلف كتاب «اكتشاف أمريكا على أيدي العرب» وهذا الأديب الذي نشر مؤلفاته على نفقته صدم إذ لم تلقَ الاهتمام المستحق نظريته حول رعاة البقر الأرجنتينيين «الغاوتشو» الذين ردّهم إلى أصول عربية، استناداً إلى مفردات شائعة بينهم مشتقة من اللغة العربية، بما في ذلك اسمهم المأخوذ عن كلمة «الحوش» كما هو مذكور في العديد من المعاجم اللغوية.
تأثير الكتّاب العرب
في الوسط الثقافي المحلي
حول هذا الموضوع الذي يطرح نفسه يقول المؤلف «أورتيس» باحتمال وجود هذا التأثير في بعض قصائد «ستورني» و «بورهيس»، وفي الوقت نفسه تشير دراسات لأدباء مغتربين إلى أن الشخوص المذكورة في مؤلفات «إيسيدرو بارودي» و «بورهيس» و «بيوي كاساريس» قد تكون مستوحاة من شخص الأمير الأرسلاني الذي كان قد تعرف على «بورهيس» (1) في قلم التحرير بمجلة «سور».
(1)- «بورهيس» كنية شائعة في اسبانيا وأمريكا اللاتينية وسائر الأقطار الناطقة بالاسبانية وهي لفظ محرّف للأصل العربي «برجس».
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد