شعارات متغيرة تفرط بالهوية وتبتعد عن الهدف والدور؟!
الجمل- صبري عيسى: قد يبدو من غير المألوف الكتابة عن شكل الشعارات التي تشكل الهوية البصرية للوسائل الإعلامية على مختلف أنواعها من صحافة ومحطات تلفزيونية.
يعود استخدام الشعارات التي يطلق عليها اصطلاح «اللوغو» إلى عهد قريب، وتكاد تكون صحيفة «البعث» هي الاستثناء الوحيد في هذا المجال، فمنذ تأسيسها في منتصف الأربعينيات اعتمدت الصحيفة شعار الحزب الذي أصبح جزءاً من اسم الصحيفة المكتوب بخط الثلث والذي بقي نفسه منذ التأسيس حتى الآن، والتعديل الوحيد الذي طرأ على شعار الصحيفة هو استبدال قبضة اليد الحاملة للشعلة بعلم الحزب بألوانه وشكله المعروف.
الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لصحيفة «الثورة» والتي كان شعارها قبل عامين، ولمدة ثلاثة عقود من تصميم الفنان المبدع الراحل عبد القادر أرناؤوط. واحتفظت الصحيفة بنوع ونمط الخط الذي تتكون منه كلمة «الثورة» الذي أبدع فيه الخطاط الراحل توفيق حبيب محققاً المعادلة البصرية الصعبة بين أول الكلمة المكون من الألف واللام والمنتهية بالتاء المربوطة، حيث شكلا معاً تكويناً بصرياً متوازناً أصبح من الثوابت التي انفردت بها صحيفة «الثورة».
منذ عامين قام أحد المديرين بإلغاء الشعار وأعاد كتابة كلمة «الثورة» بالخط الفارسي الذي جاء بعيداً عن الانسجام والتوازن المتوفر في العنوان السابق المكتوب بالخط الكوفي.
الشعار الذي صممه الفنان عبد القادر أرناؤوط كان يعبر بصدق عن هوية الصحيفة، ويعكس دورها كصحيفة معنية بالبناء الداخلي، كما أن مفردات الشعار كانت تعبّر عن مكونات الشرائح الاجتماعية والقطاعات المدنية والعسكرية التي يتكون منها المجتمع السوري.
البديل الذي فرضه المدير العام حينذاك، هو اعتماد شعار النسر السوري بديلاً عن الشعار السابق.
من المعروف أن المديرين العامين الذين تناوبا على رئاسة تحرير صحيفة «الثورة» حاولوا قدر المستطاع إبعاد الصحيفة عن الخطاب الرسمي في محاولة لإقناع الناس بأنها ليست صحيفة السلطة والحكومة بل هي صحيفة للناس جميعاً، ولسان حالهم. وكانت وكالات الأنباء تنسب ما ينشر في الصحيفة بوصفها «شبه الرسمية» وجاء اختيار النسر شعاراً للصحيفة ليؤكد على «حكومية» الصحيفة وأنها المعبر الوحيد عن خطاب الحكومة وسياساتها ونشاطاتها.
لذا أقول: إن هذا الاختيار لم يكن موفقاً، فالنسر السوري هو أحد الرموز السيادية للدولة، كالعلم الوطني، ووضعه في ترويسة الصحيفة لم يكن مبرراً وجعلها أقرب للجريدة الرسمية الصادرة عن وزارة المالية والمختصة بنشر القوانين والمراسيم والقرارات التي تصدر عن المراجع المختصة، وأي مرسوم أو قانون لا يعتبر نافذاً إلا بعد نشره في الجريدة الرسمية.
المعروف أن شعار النسر السوري يستعمل في المطبوعات الرسمية الحكومية للتأكيد على رسمية القرارات والمراسيم الصادرة من أعلى هرم في الدولة.
النسر السوري شعار سيادي، مكانه الطبيعي هامات الرجال سواء كانوا قوات مسلحة أو جهات رسمية أخرى مماثلة تعمل لخدمة الوطن، والدفاع عنه، لكن لا يصح أن يستخدم شعاراً لصحيفة ينتهي دورها بعد الانتهاء من قراءتها ولا أريد أن أزيد شيئاً!!..
أما صحيفة «تشرين» التي صدر العدد الأول منها بتاريخ 6 تشرين الأول عام 1975 فقد اعتمدت في البدايات شعار صممه على عجل الفنان الراحل نعيم اسماعيل، وعند صدورها بـ12 صفحة بتاريخ 17 نيسان عام 1976 تم اعتماد شعار صممه وأبدع فيه الفنان أسعد عرابي، وهو شعارها الحالي الذي استمر أكثر من ثلاثة عقود، ومازال حتى الآن.
وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن ترويسة صحيفة «تشرين» المكتوبة بالخط الكوفي كانت أيضاً من إبداع الخطاط الراحل توفيق حبيب.
هناك مسألة يجب التذكير بها، ان اسم المطبوعة وشعارها «اللوغو» الذي يرمز لها يصبح بعد سنوات جزءاً من الثوابت وتؤسس لتاريخ خاص بالمطبوعة ليس من حق أحد تغييره أو التلاعب به.
صحيفة «الأهرام» المصرية التي ستحتفل الشهر القادم بمرور 132 عاماً على صدور عددها الأول في 5 آب 1876، قامت بإعادة طباعة عددها الأول منذ سنوات ووزعته هدية مع العدد اليومي بمناسبة مرور 125 عاماً على صدور الصحيفة، ولازالت تعتمد شعار الأهرامات الثلاثة مع اسم المطبوعة كما هو حتى الآن، ولم يحاول المديرون الذين تناوبوا على إدارتها بمن فيهم الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل لأن يقوم بتغيير الشعار أو نوع الخط الذي كتب به اسم المطبوعة.
السؤال: لماذا يحدث ذلك في صحافتنا؟!
الجواب يتلخص في غياب التقاليد الصحفية التي تنظم آلية العمل المهني وفردية القرارات الصادرة عن المديرين العامين والمزاجية التي يديرون بها العمل في الصحيفة، وكل مدير يعتبر اختياره على رأس الصحيفة هو اعتراف من صاحب القرار بأنه الأكثر فهماً والأكثر كفاءة، ومنذ اليوم الأول لتولي أي مدير جديد إدارة الصحيفة تحيط به مجموعة من المنافقين والمداحين تزين له قراراته وتشيد بإنجازاته وتعتبر وجوده على رأس الصحيفة هو فتح في تاريخ الصحافة السورية وأنه الوحيد المؤهل الذي سيخرج الزير من البير، وطبعاً لا شيء بالمجان، والذي يطّلع على كشوفات وأرقام الاستكتاب والمكافآت وأسماء الموفدين بمهمات خارجية على مدار العام يأخذ فكرة عن الطبيعة الشللية التي تقف وراء معظم القرارات الفردية التي تنظم العمل في الصحيفة وتحدد آلية النشر الذي يخضع في أحيان كثيرة للمصالح الشخصية للبعض، وهذا يجيب على السؤال الذي يطرحه الجميع: لماذا لا تصل صحافتنا إلى الناس؟ وما هي أسباب تردي معدلات التوزيع؟؟
المصيبة أن أي رئيس تحرير يصدق أنه فعلاً معجزة زمانه ويبدأ بعد أسبوع من مباشرة عمله بملاحقة مؤسسة التوزيع واتهامها بالتقصير بعملها لقناعته أن معدلات التوزيع يجب أن تتضاعف منذ اليوم الأول لوجوده في الصحيفة!..
أما بالنسبة للتلفزيون، فمنذ عامين قام المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون بالاتفاق مع الجهات الفنية الخاصة بوضع هوية بصرية للتلفزيون بقنواته الثلاث، قيل يومها: إن التكاليف تجاوزت الخمسة ملايين ليرة سورية، وأصبح شعار «سورية شاشة تجمعنا» هو الصيغة الرسمية لهوية التلفزيون بقنواته، والعجيب هو اعتماد الشكل المربع وهو رمز لشاشة التلفزيون ليصبح هو «اللوغو» المميز للتلفزيون، وطبعاً الشكل المربع يرمز للشاشة، وبتعبير آخر أصبح الشعار «شاشة ترمز لشاشة» وإلى جانبها تم تثبيت اسم «سورية» وهو اسم الدولة إلى جانب المربع المذكور، والمربع هذا قد يصلح شعاراً لتلفزيون أي دولة أيما كان موقعها على امتداد القارات الخمس وهو لا يحمل أي معاني أو دلالات أو خصوصية للبلد أو الجهة التي تمتلك القناة.
رائع جداً أن يتصدر اسم «سورية» شاشة القنوات الثلاث، وهذا يعطي هوية وطنية بصرية للتلفزيون الوطني، لكن حشر اسم «سورية» في الشريط الاخباري أسفل الشاشة يبدو أمرا غير مقبول على الإطلاق، وكان من الأجدى وضع أي فاصل سواء المربع المذكور «اللوغو» أو أي شكل آخر كفاصل ضمن الشريط الاخباري، وقد تحمل هذه الأخبار معانٍ ودلالات لا تليق باسم «سورية» وحشره ضمن الأخبار غير مناسب.
والسؤال: هل تحمل الهوية البصرية المعتمدة الآن إي خصوصية لها علاقة بسورية.. ألا توجد معان وروموزاً ودلالات أكثر تعبيرا تمزج الرؤية البصرية للتلفزيون مع قيم جمالية وتراثية؟ ولماذا لم تتم الاستفادة من الموروث الجمالي والزخرفي والمعماري والتاريخي لخلق هوية بصرية وطنية معاصرة، تكون أكثر تعبيراً وانسجاماً وتعطي إحساساً بالجمال والتميز المطلوب؟.
يجب الاعتراف ان هناك خبرات وإمكانات فنية على مستوى عال من الفنية والتقنية في التلفزيون السوري، والذي يتابع الإنتاج الدرامي السوري المنتشر في الفضائيات العربية يجد بصمات مهندسي الغرافيك والفنيين المهملين في مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون واضحة ومطلوبة من الجهات المنتجة من مخرجي الدراما.
المفارقة أنه عند اختيار الهوية البصرية المعتمدة حالياً تم استبعاد أعمال مهندسي الغرافيك في التلفزيون رغم تميزها وقدرتها على التعبير بشكل أفضل!. ويبدو أن مزمار الحي لا يطرب تنطبق على ما يجري في التلفزيون السوري.
الجمل
التعليقات
عندما يفهم
إضافة تعليق جديد